صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن
ثورة اليمن فى خطر. فهى ليست معرضة للاجهاض فحسب، وإنما صار البلد كله مهددا بالتفكيك. بعدما أصبح يعيش وضعا غاية فى الغرابة. إذ قد لا يخطر على بال أحد أن اليمن بعد الثورة أصبح خاضعا لرئيسين وجيشين وإعلامين. صحيح أن الرئيس الشرعى عبدربه منصور هادئ يمارس عمله فى مكتبه، إلا أن الرئيس السابق على عبدالله صالح الذى أجبر على التنحى عن منصبه بعد طول مساومة ومراوغة لايزال طليقا وموجودا فى البلد، لا هو غادر صنعاء، ولا هو اعتزل السياسة أو التزم الصمت، كما أنه لم يحاسب على ممارسات عهده بعدما منحته المبادرة الخليجية الحصانة وأمنته هو وأسرته. ولأنه استمر قابضا على السلطة لأكثر من ثلاثين عاما، فقد صار له نفوذه ورجاله وثروته. إضافة إلى أن ابنه لايزال يتولى رئاسة الحرس الجمهورى. وهو ما جعل العاصمة صنعاء مقسمة بين نفوذ الرجلين، الذين صار لكل منهما منبره الإعلامى، الأمر الذى أعطى انطباعا بأن فى البلد نظامين متنافسين لا يمثل أى منهما مركز القوة، وإنما حول الرجلين إلى مركزين للضعف يتعايشان جنبا إلى جنب فى العاصنة. الأمر الذى قلص كثيرا من نفوذ الدولة وهيبتها.
حين ضعف المركز كان من الطبيعى أن ينفرط عقد الأطراف. وحين ينحسر ظل الدولة ويتراجع نفوذها فلم يكن غريبا أن تصبح القبيلة هى الحل. وما حدث فى اليمن ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد كانت تلك فرصة الحوثيين فى الشمال، لأن يلتقطوا أنفاسهم ويرتبوا صفوفهم ويعززوا موقفهم فى مواجهة النظام الذى عمد إلى قمعهم منذ خمس سنوات، حتى انهم اطلقوا قناة فضائية باسم «المسيرة»، وكادوا يكتسبون وضعا أقرب إلى وضع الأكراد فى شمال العراق، من حيث احتفاظهم بخصوصية كيانهم مع بقائهم فى داخل الدولة، بل انهم تمددوا حتى تجاوزوا صعدة إلى عمران. وصارت لهم امتدادات أو خلايا فى صنعاء ذاتها. وهناك من يهمس قائلا بأنهم يرشحون أنفسهم لكى يقيموا نموذجا للإمامة الجديدة فى اليمن.
الأمر فى الجنوب أسوأ وأشد خطرا. لأن المطروح الآن دعوة لانفصاله والعودة إلى وضع ما قبل سنة 1990، الذى تمت فيه الوحدة بين شطرى اليمن. وتشهد المحافظات الجنوبية هذه الأيام مظاهرات تنادى بالانفصال، وهو ما حدث أخيرا فى لحج والضالع، وقبلهما فى عدن. ويقود الحراك الجنوبى هذه الدعوة رافعا شعارات من قبيل «فك الارتباط مطلبنا» و«الاستقلال خيارنا».
من الأحداث اللافتة للنظر فى هذا السياق أن أحد أبرز دعاة الانفصال، السيد أحمد الحسنى عاد من منفاه أخيرا إلى لحج، وصار يتحدث علنا عن تحرير الجنوب من نظام «الاحتلال» فى الشمال. وهى الدعوة التى تلقى ترحيبا فى الشارع الجنوبى، الذى عانى الكثيرا فى ظل حكم الرئيس السابق، منذ عمد نظامه إلى إقصاء الجنوبيين ونهب ثروات بلادهم. ورغم أن الوضع اختلف إلى حد كبير بعد الثورة (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، من الجنوب) فإن ذلك لم يمح ذكريات مظالم السنوات التى خلت، أو المرارات التى خلفتها.
لقد قلت ذات مرة إن الاستبداد لا يدمر الحاضر وحده، ولكنه يخرب المستقبل أيضا، لأنه يسعى إلى حرق بدائله وإخصاء المجتمع، لكى يظل الخيار الوحيد الذى لا بديل عنه. والحاصل فى اليمن نموذج لذلك. ذلك أن سياسة الرئيس السابق هى التى فجرت التمرد فى الشمال بين الحوثيين وهى التى اطلقت شرارة مقاومة الهيمنة والدعوة للاستقلال فى الجنوب. وهى التى شجعت بعض الشبان على استخدام السلاح والالتحاق بـ«القاعدة»، بعدما أصبحت الصيغة الوحيدة المتاحة أمامهم لتحدى الظلم وإيقافه عند حده.
فى محاولة لإنقاذ اليمن من التفكك فإن الرئىس هادى دعا إلى مؤتمر للحوار الوطنى يفترض أن يعقد فى شهر نوفمبر المقبل، ويشارك فيه «الحراك الجنوبى»، وعلمت أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر إعدت قائمة ضمت 20 مطلبا يتعين الاستجابة له، للتهدئة ورأب الصدع وإنجاح المؤتمر. من هذه المطالب توجيه اعتذار إلى أبناء المحافظات الجنوبية عما عانوه من مظالم، وإعادة الموظفين والعسكريين الذين تم تسريحهم بعد حرب إخضاع الجنوب فى عام 1994، وصرف مستحقات المتضررين فى تلك السنوات العجاف.
لا نستطيع أن نتنبأ بمصير مؤتمر الحوار، لكننى أخشى أن يكون وقت رأب الصداع فى الجنوب أو الشمال قد فات، ومن ثم أرجو ألا يلحق اليمن بالسودان فى انفصال الجنوب، أو يلحق بالعراق فى شبه انفصال الشمال. وإذا لاحظت أن ذلك يتم فى حين تثار فى الفضاء العربى شكوك وأسئلة حول تمزق ليبيا وتفكيك سوريا وانفراط الأوضاع فى لبنان، فإن ما نراه يحذرنا من أن العالم العربى بصدد الدخول فى طور جديد يشوه «الربيع» الذى انعشه وأعاد الحيوية إلى شرايينه وأطرافه.
يحزننا ويصدمنا الذى يحدث فى اليمن، ويخزينا وقوف العالم العربى منه موقف المتفرج (هل نبالغ إذا قلنا إن بعضه يقف موقف الشامت؟) ــ ذلك أن ما نراه لا يمثل محاولة لإجهاض ثورة الشباب هناك فحسب، لكنه يجهض أيضا بعضا من أحلامنا. نحن الذين حلمنا يوما بوحدة الأمة العربية، ثم توالت انتكاساتنا حتى صرنا نحلم بوحدة كل قطر عربى على حدة.
*نقلا عن الشرق الاوسط