حرب الحوثيين بين التصعيد والاحتواء
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 9 أيام
الإثنين 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 06:01 م

المستقبل ـ صادق عبدو

بعد ست سنوات من الحروب التي خاضوها ضد الدولة في محافظة صعدة وعمران، نقل الحوثيون معركتهم مع الجيش اليمني إلى خارج الحدود، وبدأت حربهم بمد أذرعها إلى الحديقة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ما يجعل هذه المنطقة قابلة للاشتعال، إذا ما تطورت الأمور في المستقبل إلى الأسوأ .

وترى مصادر يمنية أن الحوثيين نجحوا في نقل المعركة إلى خارج الحدود اليمنية بما تحمله من تداعيات سلبية على الأوضاع برمتها، وتدفع بأطراف النزاع إلى انتهاج كل الوسائل الممكنة لتحقيق النصر، وهو ما قد يطيل أمد الصراع أكثر من المتوقع، ويحول الشريط الحدودي الواقع بين البلدين إلى منطقة ملتهبة، في ظل مخاوف من أن يكون للصراع تداعيات سلبية من قبيل جلب التدخل الدولي إلى المنطقة أو إلى "أقلمة الصراع" على أقل تقدير، وهو ما يجعل اليمن مسرحاً للعبة دولية كبيرة لا يستطيع تحملها .

بداية الازمة

اندلعت الأزمة داخلياً في المقام الأول بين الجيش اليمني ومقاتلي حركة تمرد الحوثي، بعد تبادل الطرفين الاتهامات باحتلال جبل الدخان، والذي يقع ثلاثة أرباعه داخل الأراضي السعودية، فيما يقع الربع الرابع داخل الأراضي اليمنية .

وعلى الرغم من غموض الموقف في هذا الشأن في ساعاته الأولى، إلا أن الأيام التي تلت الأزمة أظهرت أن الحوثيين دخلوا الجزء السعودي من جبل الدخان بذريعة طرد الجيش اليمني منه بعد أن تمكن الجيش من الهجوم من هذا الجزء على المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون في الجانب اليمني، واعتراف الجيش اليمني في وقت سابق من الأحداث باحتلاله موقع جبل الدخان .

وجاء الموقف السعودي منسجماً مع معطيات الأرض، حيث أكدت المملكة أن لها كامل الحق في صد أي عدوان على أراضيها من أي جهة كانت، معتبرة أن التطورات التي طرأت على هذه الجبهة تعنيها في المقام الأول لأنها تمس سيادتها، وهو موقف لقي مساندة يمنية وعربية واضحة، حيث أكدت صنعاء أن من حق المملكة الدفاع عن أراضيها، وأبدت استعداداً للتنسيق بين الجانبين اليمني والسعودي للتخلص من الحوثيين واعتداءاتهم، واقتلاع شوكتهم، وإنهاء الأزمة برمتها وإزالة "الصداع المزمن" الذي يمثله الحوثيون بالنسبة الى البلدين معاً .

من هنا يمكن فهم التصريحات التي أدلى بها الرئيس علي عبدالله صالح بعد يومين من امتداد حريق الحوثيين إلى الجانب السعودي، والذي أكد من خلالها أن لا مصالحة مع الحوثيين، وأن الحرب ستستمر ضدهم حتى اقتلاع شوكتهم بشكل نهائي.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور محمد الظاهري أن تصريحات الرئيس صالح بعدم وقف الحرب في صعدة إلا بعد إنهاء حركة التمرد "تدل على أن هناك إصراراً وتصميماً على القضاء على الحوثيين وخصوصاً بعد تجاوز الحوثيين الحدود السعودية وفرضهم لواقع جديد".

ويرى الظاهري أن "المملكة العربية السعودية تعد ضحية لتواجد الحوثيين على الحدود، وأن الإشكالية في هذا السياق هي أن المؤسسة العسكرية اليمنية يفترض أنها تكون في الحدود الشمالية، أي في حدودها الدولية مع دول الجوار وهي التي تغطي هذه الحدود وليس الحوثيين".

بدوره، يرى رئيس "منتدى التنمية السياسية" علي سيف حسن أن نقل الحوثيين الحرب إلى المناطق السعودية عمل سياسي وإعلامي أكثر منه عملاً عسكرياً، مشيراً إلى أن الحوثيين أوجدوا من خلال المواجهات مع السعودية مبررات جديدة تستدعي تدخلات إقليمية لوقف الحرب .

أما الحوثيون، فقد ساقوا مبررات مختلفة لاندلاع الأزمة، وبحسب زعيم الحركة عبدالملك الحوثي، فـ"إن الأسباب الحقيقية للأزمة مع المملكة العربية السعودية تعود إلى عدم تفهم السعوديين لمخاوف الحوثيين من استغلال أراضي المملكة لمصلحة الجيش اليمني للقيام بعمليات هجومية منها ضدهم" .

ويقول الحوثي: "ابلغنا السعوديين أنه ليس لنا أي تركيز على الأراضي السعودية ولا أي استهداف لها، ولسنا ننازعهم لا على أرضهم ولا على المناطق التي تحت سيطرتهم على الإطلاق، ونحن لا نستهدف بأي شكل من الأشكال الأراضي السعودية لا أرضاً ولا انساناً"، معتبراً أن موقفهم "هو موقف دفاعي بالضرورة".

الابعاد الاقليمية

لا يستبعد اليمنيون التدخل الخارجي في الأزمة الدائرة في صعدة وانتقالها بالتالي إلى الأراضي السعودية، وبالطبع فإن إيران هي الحاضر الأكبر في هذا المشهد، بهدف إيجاد موطئ قدم لها على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حيث يتهم اليمنيون المرجعيات الإيرانية بتقديم الدعم المالي والإعلامي للحوثيين، وهو ما يتفق معه الكثير من المحللين والمراقبين للوضع في اليمن .

وتشير مصادر سياسية إلى أن تحركات صنعاء نحو طهران لتفنيد دعمها لحركة الحوثي جاءت متأخرة جداً، إذ أنها ظلت طوال السنوات الماضية تحاول إخفاء حقيقة الدور الإيراني في اليمن لجهة دعم الحوثيين، وهي تعلم أن هذا الدعم يأخذ أشكالاً متطورة، حيث أكد عدد من المسؤولين اليمنيين أن التدريب والتأهيل للمقاتلين الحوثيين كان يجري في الأراضي الإيرانية خلال السنوات الماضية، كما كانت هناك تسهيلات لخروج الحوثيين إلى طهران من دون أن يثير ذلك شبهة لدى الأمن اليمني .

وعلى الرغم من أن الحوثيين ينفون تلقيهم الدعم من أي جهة، وخصوصاً إيران، ويتهمون النظام اليمني بتلقي دعم أجنبي، إلا أن مصادر رسمية تشير إلى أن الدعم الإيراني للمتمردين واضح، وتقول مصادر شبه رسمية إنه في منتصف شهر تشرين الاول (أكتوبر) الماضي سلمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في طهران القيادة الإيرانية ما وصفته صنعاء لاحقا بوثائق تثبت تورط مؤسسات دينية إيرانية في تقديم دعم للحوثيين، وتضمنت هذه الوثائق، بحسب المصادر نفسها، تفاصيل لحوالات مالية أرسلت من جهات دينية في إيران لأشخاص في اليمن، عبارة عن وسطاء، وعلى صلة بالحوثي وأتباعه إلى جانب تسجيلات موثقة لاعترافات أدلى بها معتقلون من قيادات الحوثيين ممن تم اعتقالهم خلال الحرب الأخيرة اقروا خلالها بتلقي جماعة الحوثيين مساعدات ودعماً مادياً من مؤسسات دينية إيرانية .

ووفقا للمصادر نفسها، فإن صنعاء كشفت هوية المتورطين في تقديم الدعم للحوثيين، وطالبت طهران بموافاتها بنتائج التحقيقات معهم، مع الإشارة إلى احتفاظها بحق كشف مضمون هذه الوثائق في حال لم تبادر إيران بضبط هذه المؤسسات .

لكن السؤال: ما هو حجم هذا الدعم، وما هي الطرق التي يصل عن طريقها الدعم للحوثيين؟

يقول مسؤولون يمنيون إن الدعم الإيراني للحوثيين يتمثل في وجود خبراء تسللوا إلى البلاد قبل اندلاع الحرب الخامسة، ويتولون مهمة تدريب المقاتلين الحوثيين على مختلف أنواع الأسلحة، وخصوصاً السلاح الثقيل، الذي يتم الاستيلاء عليه من المواقع العسكرية التابعة للجيش، مثل الدبابات، وكان مستغرباً أن يبث الحوثيون أشرطة فيديو لمقاتليهم وهم يستولون على الدبابات وينقلونها إلى المواقع التي تقع تحت نفوذهم .

وهناك مصادر أخرى لوصول السلاح، من أهمها المنافذ البحرية لليمن الواقعة على البحر الأحمر، وبحسب القيادي في "التحالف الديموقراطي الاريتري" المعارض بشير عشق، فإن المتمردين الحوثيين يتلقون أسلحتهم من إيران عبر اريتريا، موضحا أن الأسلحة تصل إلى مدن ساحلية اريترية، وعلى رأسها مدينة عصب، ومن ثم يأتي المتمردون الحوثيون، وينقلون هذه الأسلحة ليلاً إلى اليمن .

سيناريوات إنهاء الأزمة

منذ اندلاع الأزمة في الحدود اليمنية السعودية تلقف العرب تطوراتها بمزيد من القلق، إذ أن الأمر لم يعد يتعلق بحرب داخلية في اليمن، بل تعداه إلى أكثر من ذلك، حيث أصبحت الحدود السعودية في مرمى نيران الحوثيين، وهو ما يجعل القلق مشروعاً من إمكانية استغلال لاعبين إقليميين كبار، كإيران مثلاً لهذا الصراع، والدخول على خط الأزمة، ما يعني نقل المعركة من اليمن إلى المملكة .

من هنا، وجد السعوديون دعماً خليجياً صريحاً لموقفهم من الحرب ضد الحوثيين استشعاراً من هذه الأنظمة لمخاطر جر المملكة إلى صراع طائفي ومذهبي ستكون تأثيراته كارثية على كل دول الخليج، وليس فقط على اليمن والمملكة فقط .

ويبحث العرب جميعاً بالتنسيق مع اليمن عن طريقة للجم هذا التطور لئلا تتحول المواجهات المحدودة إلى أزمة يصعب السيطرة عليها في قادم الأيام، ويصبح الشريط الحدودي كله ملتهباً .

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور عبدالله الفقيه أن هناك سيناريوين للطريقة التي سيتطور فيها الصراع الدائر بعد التدخل السعودي لحماية حدوده، وهي سيناريو الإحتواء والحل ديبلوماسياً وسيناريو التصعيد .

ويقول الفقيه إن سيناريو الإحتواء هو الأكثر احتمالاً، ويقوم على فكرة أن ما تقوم به السعودية حاليا إنما يهدف إلى تطهير أراضيها من المتمردين الحوثيين الذين تسللوا إليها خلال الأيام القليلة الماضية، وان السعودية ستقوم بعد الانتهاء من العملية بحراسة حدودها ومنع أي طرف من أطراف الصراع الدائر في شمال اليمن من استخدام أراضيها للقيام بعمليات ضد الطرف الآخر، وهذا يعني انه سيتم احتواء الصراع الدائر بين الحكومة اليمنية والحوثيين في إطار الجغرافيا اليمنية وبما يمنع تحوله إلى صراع إقليمي.

ويشير الفقيه إلى أن هذا السيناريو يمكن تحقيقه ليس فقط عن طريق الأداة العسكرية بل بالعملية الديبلوماسية أيضا وبما يجنب المنطقة أي مضاعفات غير مرغوب فيها .

أما السيناريو الثاني، والمتمثل بـ"سيناريو التصعيد"، وهو الأقل احتمالاً، فيكمن في أن هناك تفاهماً يمنياً ـ سعودياً على ان يعمل الطرفان معا كحليفين للقضاء على الحوثيين .

ويقول: "إذا ما وجد تفاهم مثل هذا، فانه يتوقع ان يكون له آثاره العميقة على الخريطة الجغرافية والسياسية للصراع الدائر، ويشكل اتساع دائرة المعركة لتشمل أجزاء واسعة من المملكة واليمن ابرز التطورات المحتملة"، ويشير إلى أن هناك احتمالاً أيضاً ان يؤدي التحالف اليمني السعودي ضد الحوثيين إلى إعادة صوغ التحالفات السياسية داخل اليمن.

أما على المستوى الإقليمي، فان الفقيه يرى أنه قد يؤدي إلى انقسام داخل العالم العربي، بحيث يكتسب الصراع بعده الإقليمي الذي ما زال غير واضح حتى الآن، وعلى ان دخول السعودية كطرف في الصراع فرصة ذهبية أمام تنظيم "القاعدة" لضرب الاستقرار في المملكة العربية السعودية، وقد تمتد عملياتها، فتشمل ضرب المنشآت النفطية المغذية للأسواق العالمية بالنفط .