حتى وإن بدت الستة الأشهر حقبة زمنية كافية لإنتاج المعالجات التي يتطلع إليها اليمنيون من المؤتمر الحواري، إلا ان ثمة من يرى استعصاءً بالغاً في حسم معظم القضايا والملفات وبالأخص تلك المتصلة منها بشكل الدولة والدستور الجديد خلال هذه الحقبة الزمنية التي ربما تكون مرشحة للاستطالة والتمدد.
الجلسة الافتتاحية، رغم انها في واقع الامر ليست سوى بداية لمشوار تحاوري حافل بالعديد من المحطات والتحديات والتباينات والخلافات، إلا ان الأهم يبدو في ان هذا الحدث التحاوري القابل للاستطالة الزمنية ربما يكون سبباً في احد امرين إما تعويم القضايا المركزية وخفض الاهتمام الشعبي بها لصالح آليات معالجتها، وإما رفع مستوى التباينات والجدل بشأنها الى مستويات أعلى سواء في اوساط المتحاورين او على مستوى التفاعلات الشعبية والجماهيرية مع الحدث وتفريعاته الصاخبة المُرجح حدوثها.
ورغم ان هنالك من يرى وجود ترتيبات بين مختلف القوى المشاركة في الحدث الحواري بهدف تقاسم اللجان التخصصية التي سيوكل اليها المؤتمر الحواري بحث ودراسة وحسم اهم الملفات والقضايا وإقتراح الحلول والمعالجات اللازمة لها، إلا ان ثمة تطلعات لدى الفئات ذات التمثيل الضيئل في ان ترضخ الاطراف الرئيسية لموجبات الشراكة التي تحتم عليها السماح بهامش من التمثيل العادل في قوام اللجان التخصصية بصورة تحقق غاية حضور البعد الوطني في اعمال واداءات معظم اللجان التخصصية المتوقع انبثاقها عن المؤتمر.
ثمة من يتوقع ان تستأثر القوى الرئيسية ذات التمثيل الواسع في قوام المؤتمر باللجان الهامة وبالاخص اللجنة المعنية بإعادة صياغة الدستور، وهو توقع -في حال تأكيده- سيكون سبباً في إعادة إنتاج هيمنة ذات القوى التي تسببت في تخليق تعقيدات ومعضلات وازمات الواقع الراهن.
على ان اعادة الانتاج هنا لن تكون مرتبطة بهذا الواقع فحسب اذ إن المستقبل ايضاً سيغدو –في حال الاستئثار باللجان الرئيسية وتحديداً لجنة صياغة الدستور- رهيناً بيد هذه القوى وبالاخص تلك التي ما انفكت تحاول بشتى الطرق والأساليب استمرار ادوات وآليات وعوامل ومقومات الهيمنة التأريخية للمركز الذي كانت سياساته الاحتكارية على مدى العقود المنقضية سبباً رئيسياً في وضع البلاد على شفير التشظي وحافة التشطير.
هنالك ادراك ما انفك يتخلق بالتقادم مفاده ان التوافقات التي جرت وراء الكواليس بين اجنحة في القوى الرئيسية سوف تحدد معظم المآلات المرجح حدوثها كإفراز لمؤتمر الحوار، وهو ما يعني ان ثمة نزعات رامية الى تحويل هذا الحدث الاستثنائي الهام من أمل يعلق عليه اليمنيون الكثير من الآمال والتطلعات إلى مسرحية كبرى لتمرير توافقات الغرف المغلقة على حساب مستقبل البلاد اولاً والقوى المغيبة والمقصية ثانياً ومستقبل الأجيال ثالثاً.
معظم القوى الرئيسية وبالأخص تلك التي كانت سبباً في انتاج أزمات الوطن، ستلج مؤتمر الحوار بأجندة جرى تحديدها سلفاً بهدف الحفاظ على ادنى نسبة من الهيمنة والحضور لها ولأدواتها في عناوين المستقبل اللائح وتفاصيله، وهو واقع يفرض على الفئات التي طالتها يد التهميش في النسب التمثيلية وبالأخص تلك المناوئة لإعادة انتاج الهيمنة الازلية لهذه القوى على مستقبل الوطن، ان تعمد الى تكريس تكتيكات تكفل حضورها في كل جزئيات الحوار ولجانه وهيئاته بصورة تسهم في الحد من أي اتجاه يتغيا تمرير التوافقات المعلبة التي يمكن ان تتسبب في افراغ هذا الحدث الهام من مضمونة وتجعله مجرد حفلة صاخبة لإعادة الوطن الى أحضان تلك الأيادي التي عاثت في ماضية وتتطلع بشغف بالغ لتمديد هذا العبث ليطال مستقبله أيضاً..!