الهندسة النفسية كيف يمكن للإنسان أن يحقق أحلامه -1
بقلم/ سليم احمد الكهالي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 15 يوماً
الخميس 20 مايو 2010 09:15 م

يقول تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) سورة الرعد اية 11 .

نظراً لأهمية هذا العلم أو التقنية كما يرى البعض وقوته ومدى الحاجة إليه لكل الافراد وخاصة للذين يريدون ان يغيروا عادتهم السيئة ويؤثروا في غيرهم ..

لذا فإنني رأيت انه من الضروري عرض مثل هذا الموضوع على حلقات مستنداً على كتاب الدكتور محمد التكريتي وكتابات الدكتور ابراهيم الفقي وغيرها من الكتابات ,والخبرة العملية التي حصلت عليها من دورات واشرطة صوتية ومرئية والدورات التي أقدمها في موضوعات خاصة بهذا العلم المميز .

*****

يقول المفكرون والقادة والمصلحون ورجال التربية أنه يجب على الإنسان أن يكون مثابرا ومجتهدا وصبورا , متقنا لعمله ، منظما لوقته.......

 إلى أخر القائمة الطويلة من مفردات الجودة .

ولكنهم لم يقولوا كيف يمكن للإنسان أن يفعل ذلك !! غير ان الهندسة النفسية استطاع ان يجيب على هذا السؤال .

تعريف الهندسة النفسية : 

الهندسة النفسية هي المصطلح العربي المقترح لما يطلق عليه باللغة الإنكليزية Neuro Linguistic Programming أو NLP . والترجمة الحرفية لهذه العبارة هي ( برمجة الأعصاب لغوياَ ) أو البرمجة اللغوية للجهاز العصبي ، كلمة Neuro تعني عصبي أي متعلق بالجهاز العصبي ، و Linguistic تعني لغوي أو متعلق باللغة ، و Programming تعني برمجة .

أما الجهاز العصبي هو الذي يتحكم في وظائف الجسم وأدائه وفعالياته ، كالسلوك ، والتفكير ، والشعور .

 واللغة هي وسيلة التعامل مع الآخرين ، أما البرمجة فهي طريقة تشكيل صورة العالم الخارجي في ذهن الإنسان ، أي برمجة دماغ الإنسان.

فعندما نشتري جهاز الكومبيوتر يكون كأي جهاز كومبيوتر جديد ، يحتوي على الأجزاء المعروف إضافة إلى نظام التشغيل . ولكن بعد أن نستعمله لفترة من الزمن (سنه أو سنتين مثلا) ستكون في الجهاز برامج ومعلومات وأرقام ونصوص ورسوم وغير ذلك ، تختلف عما في جهاز آخر ، كذلك الإنسان كما قال الرسول (ص) يولد على الفطرة وأبوه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (أو كما قال عليه الصلاة والسلام) ، فالإنسان يكتسب من أبويه ( وأسرته ، ومدرسته ، ومجتمعه ) معتقداته ، وقيمه ، ومعاييره ، وسلوكه ، وطريقة تفكيره . كل ذلك عن طريق حواسه ، و عن طريق اللغة التي يسمعها منذ صغره ، ويقرأها عندما يتعلم القراءة وتذهب جميع هذه المعلومات إلى دماغه وجهازه العصبي ، فيكون صورة للعالم من خلال ذلك . ولا يكون لديه الا ذلك العالم الذي تشكل في ذهنه , بغض النظر عما يحدث في العالم الخارجي .

ومن ناحية أخرى فانه اذا تغير ما في ذهنه , فان العالم بالنسبة له سيتغير , بغض النظر عما يحصل في العالم الخارجي . وبالتالي فإن الانسان اذا اعتقد أن بإمكانه أن يقوم بعمل ما , أو اعتقد بأنه لا يمكنه أن يقوم به , فإن ما يعتقده صحيحاً في الحالتين .

 ماذا يعني ذلك ؟ إن ذلك يعني أن الإنسان يستطيع تغيير العالم عن طريق تغيير ما في ذهنه !! ولكن كيف يمكنه تغير ما في ذهنه ؟ هذا ما تجيب عنه الهندسة النفسية . وربما وضح السبب في تسميتها بهذا الاسم ، لأن الهندسة تتضمن عملية التصميم ، والتطوير ، والإنشاء ، والصيانة . فالهندسة النفسية تتناول تصميم السلوك ، والتفكير ، والشعور . وكذلك تصميم الأهداف ، للفرد أو الأسرة أو المؤسسة ، وتصميم الطريق الموصل إلى هذه الأهداف .

***

تاريخ الهندسة النفسية 

في منتصف السبعينات وضع العالمان الأمريكيان الدكتور جون غر ندر عالم لغويات وريتشارد باندلر عالم رياضيات أصل البرمجة اللغوية للذهن . وقد بنى غر ندر وباندلر أعمالهما على أبحاث قام بها علماء آ خرون ، منهم عالم اللغويات الشهير نعوم تشكومسكي Noam Chomsky ، والعالم البولندي الفريد كورزيبسكي Aifrd Korzybsky ، والمفكر الإنجليزي غريغوري باتيسون Gregory Batison ، والخبير النفسي الدكتور ميلتون اركسون Milton Erickson والدكتورة فرجينيا ساتير virginia Satir ، ورائد المدرسة السلوكية العالم الألماني الدكتور فرتز بيرلز Fritz Perls .

 ونشر غرند وباندلر اكتشافهما عام 1975م في كتاب من جزأين بعنوان The Structure of Magic وخطى هذا العالم خطوات كبيرة في الثمانينات ، وانتشرت مراكزه ، وتوسعت معاهد التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما افتتحت مراكز له في بريطانيا وبعض البلدان الأوربية الأخرى . ولا نجد اليوم بلدا من بلدان العالم الصناعي إلا وفيه عدد من المراكز والمؤسسات لهذه التقنية الجديدة .

تطبيقات الهندسة النفسية 

ومن ناحية أخرى امتدت تطبيقات الهندسة النفسية NLP إلى كل شأن مما يتعلق بالنشاط الإنساني كالتربية والتعليم ، والصحة النفسية والجسدية والرياضة والألعاب ، والتجارة والأعمال ، والدعاية والإعلان ، والمهارات والتدريب ، والفنون والتمثيل ، والجوانب الشخصية والأسرية والعاطفية وغيرها . 

ففي مجال التربية والتعليم تقدم الهندسة النفسية جملة من الطرق والأساليب لزيادة سرعة التعليم والتذكير ، وإتقان تهجي الكلمات للأطفال ، وتشويق الطلاب للدراسة والمذاكرة ، ورفع مستوى الأداء للمدرسين ، وزيادة فعالية وسائل الإيضاح ، وتنمية القدرة على الابتكار ، وشحذ القدرة على التفكير ، وتحسين السلوك ، وترك العادات الضارة ، وكسب العادات الحميدة .

 وفي مجال الصحة النفسية والجسدية تستخدم طرق الهندسة النفسية ووسائلها لعلاج حالات الكآبة ، والتوتر النفسي ، وإزالة الخوف والوهم ( فوبيا) ، وتخفيف الألم ، والتحكم في تناول الطعام ، وزيادة الثقة بالنفس ، وحل المشكلات الشخصية ، والعائلية ، والعاطفية ، وغير ذلك. 

وفي مجال التجارة والأعمال ، أخذت الشركات العالمية الكبيرة مثل آى بي إم IBM وتشسيس مانهاتن Chase Manhattan Bank ، وموتورولا Motorola وباسفيك بيل Pacific Bell وغيرها, تعتمد طرق التدريب التي توفرها الهندسة النفسية ، وخاصة فيما يتعلق بالمهارات اللطيفة Soft Skills وهي مهارات الأداء الإنساني في التعامل مع الاخرين وتحديد الأهداف ، وإدارة الاجتماعات ، والتفاوض ، وإدارة الوقت ، والتخطيط الإستراتيجي ، والإبداع ، وتحفيز الموظفين ، وغيرها من النشاطات التي تتعلق بإدارة الأعمال والمؤسسات.. وقد قامت شركة موتورولا بدراسة علمية وجدت فيها أن كل دولار يستثمر في التدريب في المهارات اللطيفة يعود على المؤسسة بمقدار 30 دولاراً . وتقول الدكتورة جيني لابورد ، إحدى خبيرات التدريب على المهارات اللطيفة ، بأن المردود على المؤسسات هو أكثر من 30 دولارا لقاء كل دولار ينفق على التدريب في هذا المجال .. الهندسة النفسية تمدنا بأدوات ومهارات نستطيع بها التعرف على شخصية الإنسان ، وطريقة تفكيره ، وسلوكه ، وأدائه ، وقيمه ، والعوائق التي تقف في طريق إبداعه ، وأدائه . وكذلك تمدنا الهندسة النفسية بأدوات وطرائق يمكن بها أحداث التغيير المطلوب في سلوك الإنسان ، وتفكيره ، وشعوره ، وقدرته على تحقيق أهدافه .

موضوعات الهندسة النفسية :

تتناول الهندسة النفسية عددا من الموضوعات يمكن تلخيصها فيما يلي :

محتوى الإدراك لدى الإنسان وحدود المدركات : المكان ، الزمان ، والأشياء ، والواقع ( كما نفهمه) ،الغايات والأهداف المستقرة في أعماق النفس ،التواصل والتفاهم مع الآخرين ، انسجام الإنسان مع نفسه ومع الآخرين، كيف يمكن إدراك معنى (الزمن ) .

الحالة الذهنية

كيف نرصدها ونتعرف عليها ، وكيف نغيرها . دور الحواس في تشكيل الحالة الذهنية .أنماط التفكير ودورها في عمليات التذكير، والإبداع .

علاقة اللغة بالتفكير

كيف نستخدم حواسنا في عملية التفكير ، كيف نتعرف على طريقة تفكير الآخرين . علاقة الوظائف الفسيولوجية بالتفكير . كيف يتم تحقيق الألفة بين شخصين . ودور الألفة في التأثير في الآخرين . كيف نفهم ( إيمان ) الإنسان وقيمه وانتماءه . ارتباط ذلك بقدرات الإنسان وسلوكه . وكيفية تغيير المعتقدات السلبية التي تقيد الإنسان وتحد من نشاطه . دور اللغة في تحديد أو تقييد خبرات الإنسان ، وكيف يمكن تجاوز تلك الحدود ، وتوسيع دائرة الخبرات . كيف يمكن استخدام اللغة في الوصول إلى العقل الباطن ( أو اللاشعور ) . وكيف يمكن تغيير المعاني والمفاهيم . علاج الحالات الفردية ، كالخوف ، والوهم ، والصراع الداخلي . التحكم بالعادات وتغييرها . تنمية المهارات ، وشحذ القابليات ، ورفع الأداء الإنساني . سيجد الممارس لهذا العلم ان للنجاح أركانا ثلاثة هي : تحديد الهدف ( الحصيلة ) قوة الملاحظة والانتباه ( جمع المعلومات ) الاستعداد للتغيير ( المرونة ) ولكل واحد من هذه الأركان شرح وتفصيل ، وطرق وأساليب ، فإذا أخذت بهذه الأركان الثلاثة وأتقنت وسائلها وأساليبها ، فيمكنك تحقيق أمرين اثنين :التغيير والتأثير .. تغيير أفكارك وسلوكك ، أو أفكار الآخرين وسلوكهم ، . تحقيق الانسجام الداخلي ، تحقيق الألفة ، تفيير السلوك والعادات ، العلاج لحالات الخوف والوهم تخفيف الألم تنمية المهارات التعليم والتدرب ، رفع الأداء الرياضي والفني حل المشاكل الشخصية والعائلية.

أما التأثير في الآخرين ، ففي مجالات عديدة أهمها : اللقاءات والاجتماعات ، التفاوض ، البيع والتجارة والإعمال ، الدعاية والإعلام ، التربية والتعليم ، الصحية ، الدعوة والإرشاد.. إن الهندسة النفسية علم يستند على التجربة والاختيار ، ويقود إلى نتائج محسوسة ملموسة. الهندسة النفسية تنظر الى قضية النجاح والتفوق على أنها عملية يمكن صناعتها ، وليست وليدة الحظ أو الصدفة .

وهنا قد يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع عن مدى مشروعية هذا العلم او التقنية ومدى ملاءمتها للمجتمعات العربية والإسلامية, وهذا ما سنناقشه في الحلقة القادمة إن شاء الله

*مدرب تنمية بشرية

وباحث دكتوراه في علم الاجتماع-جامعة كوفمبو الهند

alkohaly2003@hotmail.com