حينما يعفو (الجُناة) عن (الضحايا)
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 4 أيام
الثلاثاء 01 يونيو-حزيران 2010 07:33 م

ليلة الإحتفاء بذكرى الوحدة بدت الصورة مختلفة, وعلى الفور تذكرت تعليق لصحفي قدير على لوحة دعائية أيام الإنتخابات الرئاسية والمحلية 2006, تتحدث عن العفو والتسامح المستمر من القائد لشعبه.

فقد علق ذلك الصحفي على النص الذي قرأته عليه ونسيت مضمونه ونحن نمر في الستين الغربي بصنعاء, بأن النظام الحاكم يتعامل مع الشعب لثلاثة عقود وكأنهما طرفان شعب منشغل بإرتكاب الجرائم والآثام والذنوب والأخطاء بإستمرار وقائد منشغل على الدوام بالعفو والصفح عن شعبه هذا المذنب والخطاء والأثيم. 

ولذلك كانت الصورة لدينا مختلفة في الذكرى العشرين للوحدة المفترى عليها, ففي ليلة الإحتفاء بها, بدت صورة العفو والصفح واضحة وفاقعة خاصة فيما يتعلق بالصحفي محمد المقالح.

 فقد بدت الصورة مقلوبة, وكأن المقالح هو من أختطف النظام 4 أشهر في سجون غير سرية, ليُمنح مكرمة الحاكم ويحصل على عفوه وقرار بإغلاق ملفاته المتخمة بالفساد والاستبداد والفشل.

صار قديماً الحديث عن ان هذا النظام تنطبق عليه قاعدة "إذا لم تستح, فأصنع ماشئت", لكن ارى ان المشكلة لم تكن فيه بقدر مابدت مؤسفة لدى من هلل وصفق وأحتفى وشكر قرار العفو عن المقالح وإغلاق ملفاته.

 لقد نسي الجميع –صحفيين وسياسيين معارضين والمقالح ذاته - انه هو الذي أختطف وظل مسئولوا النظام ينكرون علاقتهم بجريمة إختطاف شهد فيها أيام مروعة صاحبها رعب وترويع وقلق لأسرته وأناس كثيرين.

تمنيت أن أجد أحداً من المرحبين بـ(مكرمة العفو), يفكر قليلاً بماحدث, ففي دولة يُزعم إحتكامها للدستور والقانون, ويسيطر الحاكم على مؤسساتها وأجهزتها, وكان بإمكانه إعتقال المقالح بأمر قضائي وتلفيق تهم لا حصر لها له, ومحاكمته وإقرار سجنه حتى لمئات السنين, وحينها ممكن نبتلع مكرمة العفو على مضض.

لكن ماحدث, يختلف كثيراً, فقد أختطف المقالح من شارع عام في يوم رمضاني بطريقة عصابات متجذرة في الجريمة, ولم يعلم لا هو ولا أحد حتى اليوم, أين أحتجز وفي أي زنازين سرية وفي أي قرى من ضواحي العاصمة صنعاء وأي جهاز أو وحدة أمنية هم الذين عذبوه وروعوه ونفذوا له عمليات إعدام و..و...إلخ.

من كان يفترض به ان يعفو عن الآخر؟, المقالح كضحية يعفو عنهم ويغلق ملفات جرائمهم بحقه واسرته وزملائه وشعبه ووطنه, أم هم يعفون عنه ويغلقون ملفاته المجهولة؟.

الأمر قد لا يختلف كثيراً فيما يتعلق مع البرلماني السابق أحمد بامعلم وسجناء الحراك والصحفيين المعتقلين اللسواس وراشد والربيزي والصقلدي, جميعهم ضحايا لإجراءات غير قانونية ومحاكمات غير عادلة, فمنحوا (مكرمة العفو), وهي إدانة للمعفو عنهم وتبرئه للجاني في حقهم.

بل لقد تم التعامل مع الإفراج عن المعتقلين وكأنها الحل الأوحد لكل أزمات البلاد, من فقر وبطالة وفوضى واختلالات أمنية وتفكك إجتماعي وإرتهان السلطات التشريعية والقضائية والمحليات للأجهزة التنفيذية والسيطرة المحكمة على المنظمات والصحافة والقبيلة وكل مكونات المجتمع كان يفترض ان تحدث توازن يمنع (تغول) الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والمدنية ومسئوليها وموظفيها.

ولأني وصلت إلى قناعة منذ سنوات عدة بان مالحقه (صدأ) الفساد والفشل والاستبداد, لا يمكن ان (يلمع) من جديد مهما حاول إستخدام طلاء ومكياج وأصباغ و(صنفرة), فلم أشغل نفسي بالتنبؤ بماهية المفاجئة التي ستُعلن في ذكرى الوحدة العشرين.

وبمرور خطاب المناسبة والذكرى, وجدت نفسي مضطراً للتعبير عن نشوة إنتصاري على الخداع المعتاد للنظام الحاكم وعبرت عن سخريتي بأصدقائي الذين شغلوا أنفسهم بالتنبؤ حول المفاجئة القادمة, فقد وجدوها (خَرَطَة) تضاف لقائمة الـ(خرطات) خاصة اللاتي سبقت الانتخابات الرئاسية والمحلية عام2006م. 

وماتضمنته الخطابات لم تكن سوى شكليات وقشور لا تحل أزمة ولا تعيد للوطن وهجه وتماسكه, ولا تعالج جذور الأزمات المحدقة وأسبابها, وحتى تلك المعالجات للقشور نثق جيداً انها هي الأخرى لن تجد طريقها للتنفيذ كحلول مؤقتة.

فحتى أزمة الحوار بين السلطة والمعارضة, تغافل النظام الحاكم عن جذورها الحقيقية, ورمى بـ(عظمة) حكومة إئتلافية صارت لا تحظى بقبول أحد, فشريكي قيام الوحدة والدفاع عنها اللذان خصهما بالدعوة (الإشتراكي والإصلاح) قد رفضاها منذ مابعد انتخابات 1997م.

مايعني ان الحلول الوهمية التي قُدمت, هي حلول سطحية وقديمة و(بالية) جداً ولن تجد لها قبولاً عند أي حزب يعمل لأجل شعبه ووطنه.

فقط لفت إهتمامي الحديث (الرسمي) عن المشاريع الصغيرة التي تعرض قبل سنوات عديدة بسبب التحذير منها أمين عام الحزب الإشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان لحملة ظالمة وتخوين من قبل ذات الطرف الحاكم المحذر منها اليوم.

صار من من المهم ان يؤمن هذا النظام, وحتى المعارضة التي بدت مشدوهة ولم تستوعب صفعة الحلول الوهمية هذه, ان شعبنا ينتظر حلولاً جذرية ووطننا بحاجة لمعالجات حقيقية وجادة وشاملة, وكل ذلك لن يكون مع إستمرار غياب أي إرادة صادقة منه وعدم الإستعداد لتقديم أي تنازلات واقعية في مقدمتها التخلي عن إحتكار الوطنية وإدعاء الحرص على مصلحة الشعب والوطن والإقصاء والإلغاء للآخر شريك الحياة السياسية.