نصر طه وحرب العلماء الشعواء
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 13 إبريل-نيسان 2010 02:53 ص

هكذا طابت له نفسه, نصر طه, أن يسمي [فتوى العماء] بـ [معركة وحرب شعواء]؛ فيقول: (من غير المفهوم لماذا يندفع العديد من علماء الدين الأفاضل لخوض معركة رفض تحديد سن الزواج للفتيات وكأنهم يخوضون حرباً شعواء ضد عدو غازٍ أو ضد منكر لمعلوم من الدين بالضرورة، وحتى هذه اللحظة لم أستطع فهم حقيقة الدوافع التي ينشط بسببها هؤلاء العلماء الأفاضل ) . وأعجب العجب في العبارة السابقة هو ما فوق خط. وتستغرب عندما جمع الكاتب بين لفظة (هؤلاء) ولفظة (الأفاضل) بما توحي بتناقض غريب وعجيب ولو حذفت لفظة (هؤلاء) لقبلنا منك (الأفاضل) ولنسجمت العبارة وحصل التوقير؛ لكنه الارتباك والتخبط النفسي بين ما هو مؤمن به وما هو مكره عليه من البداية والله وحده فقط يعلم النهاية.

إنني عندما قرأت مقاله اللاذع/ الناقد للعلماء انتابني شعور بالخوف الشديد؛ وقلت في نفسي بلدنا قد أنهكتها الحروب ويكفيها ما سبق؛ فلم تسرع العلماء بدعوتهم لحرب جديدة وهناك حرب توشك أن تندلع في جنوب الوطن، وقد حدثتني نفسي أيضا فتساءلت: هل فعلا قد دعى العلماء إلى الجهاد ونشبت فعلا المعركة؟ أو الحرب الشعواء- كما استساغت نفس نصر طه أن تسميها! (سترك ولطفك يا الله)، فإذا بالمقال يتحدث عن [فتوى العلماء] وقد وصفها بأنها معارك وحروب شعواء. وهو يتساءل بطريقة مستفزة لا تراعي قدرا أو مكانة للعلماء وعلمهم، وكأنه يتحدث عن المعارضة التي هي الأخرى لم تسلم منه, فقد نال منها بلسانه الحاد وكثرة المداد وها هو يدخل العلماء أيضا ويضعهم في رأسه ويريد إقحامهم في معاركه بطريقة استفساراته الفجة.

ومهما يكن من أمر, فعندما عرفت بأنه يتحدث عن فتوى وثورة بيضاء لا حرب حمراء حمدت الله كثيرا؛ بأنه لم تقم حرب سابعة بأيدي العلماء الطاهرة؛ ولو قامت تلك الحرب، ودعى العلماء إليها؛ لكانت مقدسة؛ كون حدود الله يعتدى عليها؛ فإذا لم يغضب الشعب والعلماء لحرمات الله أن تنتهك ولحدوده أن يُتعدى عليها من البعض، فمتى وعلى أي شيء يثورون ويغضبون يا نصر طه مصطفى؟؟ بغض النظر عن موضوع الفتوى سواء كانت تتحدث عن الصغار أم الكبار ففي النهاية هو دين وشرع حتى لا أتهم كذلك بأنني أدعو إلى شن الحرب على الذين يريدون تحديد سن الزواج بقانون.

لقد كان المتوقع منك يا نصر طه أن تلتفت إلى قمع الحريات ومضايقات زملائك من الصحفيين والزج بهم خلف القضبان، وكان المتوقع منك أيضا أن تتحدث عن تغريبة الجعاشن؛ بل كان المتوقع منك أكثر أن توجه هذه الأسئلة المستفزة للسلطة وتسألها عن الحروب الشعواء الحقيقية، التي أهلكت الحرث والنسل وأرجعت اليمن سنين عديدة وأزمنة مديدة إلى الوراء، وأسالت الكثير من الدماء، وأكلت الأخضر وأحرقت اليابس، وجعلت الشعب يأكل الحديدة وقد كان واقفا عليها منذ زمن.

نعم قد كان طيب منك أن تتساءل مثل هذا التسائلات موجها إياها للسلطة، قائلا: لم كل هذه المعارك وتلك الحروب الشعواء؟ بيد أن الذي حصل منك أنك تحدثت بلغة مبررة لها؛ وبعبارات ألطف وأظرف من هذه اللغة والتساؤلات الحقودة والموجهة إلى العلماء؛ فقد ارتضت نفسك أن تبرر الحروب وكل ألوان القمع وأطيافه- وإن كان يغلب عليه اللون الأحمر- الذي حدث ويحدث بمصطلحك اللطيف والظريف (فرض هيبة الدولة).

ونسيت يا نصر طه أو تناسيت أن الدولة المهابة لا تفرض هيبتها بالقوة والعنف والرصاص؛ بل كان المفترض أن تفرض تلك الهيبة التي تحدثت عنها في مقالك المعنون بـ(لماذا تسيء المعارضة إلى نفسها) بتحقيق العدل والمساواة وإتاحة الحريات ورفع الجور والظلم من بين ظهراني الناس، هكذا ينبغي للدول التي تحترم نفسها وتقدر شعبها أن تفرض هيبتها؛ فهي الطريقة المثلى لفرض الهيبة والاحترام والتقدير، وقد فهمنا في أثناء تلقينا الدروس في المراحل المتقدمة؛ بأن المدرس الذي يفرض هيبته على تلاميذه باستخدام العصا لا شك أنه مدرس فاشل وليس محل تقدير!! ألست معي يا نصر طه في ذلك. فلم تسمي أو تحب أن تصطلح على الحرب الحقيقية الدموية بأنها (فرض هيبة الدولة) وتسمي [فتوى العلماء معركة وحرب شعواء] هل شرع الله، وأوامره لا يعني لك شيء فلا ينبغي أن يغضب لها؟ وهل ترى أن حرمات الله إذا انتهكت لا تستحق الغضب، أو حتى قيام الحرب؟ فهيبة الدولة تعني لك كل شيء وتسهل من أجلها إراقة الدماء وهيبة الدين لا تعنيك في شيء؛ فالحديث عنها حرب شعواء! فلم كل هذا التخبط والارتباك ما الذي جرى وما الذي يحدث يا إلهي يا رب الأرض والسماء!

كل ما حدث في اليمن من حروب وما يحدث من قمع للحريات وللمظاهرات السلمية لم يثر حفيظة نصر طه؟ ولكن الذي أثار حفيضته واستدعى فضوله وأخرجه عن طوره هو فتوى العلماء أو بعبارته الحرب الشعواء. فهل موقف العلماء وثورتهم البيضاء لشرع الله حرب شعواء أيها الفقيه المتحير؟ فتصر على أن ثورة العلماء البيضاء حمراء وحروبا شعواء!!! والغريب في ذلك أن هذه الالتفاتة جاءت متأخرة جدا وقد سكت الناس عنها وخمدت نارها فلم تأبى إلا أن تشعلها ثانية يا نصر طه؟ وقد قال العلماء قولتهم السواء وكلمتهم بالاجماع فما وراء ذلك وما الغرض منه هل الرغبة في استمرار قرع الطبول وتضليل العقول؟.

أتدري يا نصر طه أنك أنت أولى من أن يوجه لك مثل هذا السؤال الذي وجهته للعلماء، وهو أغرب وأعجب ما في مقالك كله؟ أتدري لم هو عجيب؟؛ لأن طالب في الأول الابتدائي يمكنه أن يجيبك عليه فهو سؤال غير متوقع منك؛ لأنه مدعاة للسخرية عندما يصدر من كاتب وصحفي قدير مثلك؟ والسؤال هو: ( وحتى هذه اللحظة لم أستطع فهم حقيقة الدوافع التي ينشط بسببها هؤلاء العلماء الأفاضل ). فما هي دوافعك أنت من طرحك للموضوع بعد أن سكت الناس عنه؟ ثم كأنك تسأل عن الدوافع وراء فتوى العلماء وكل هذه الضجة؟وإذا ما وضعنا خطوطا إلى ما لا نهاية تحت لفظة [الدوافع] لسهل الجواب ولما كان هناك داعي أصلا لو صدقت النية والسريرة لمثل هذا التساؤل يا نصر طه!!

هل تريد أن تعرف الدوافع بصدق أم أحسبها منك مزحة؟؟ وهل ينبغي أن يُرد عليك على هذا التساؤل الغريب؟ أم أترك الإجابة؟ لأنه باستطاعة طالب الابتدائية؛ بل حتى الأمي الذي لم يقرأ أو يكتب أن يجيب!!! وعندها أكيد سوف تعرف أو تفهم لم تردد أعضاء مجلس النواب كثيرا في البت والتصويت للقانون؛ لأن ضمائرهم ما زالت حية، وقلوبهم ما زالت تخاف الله عز وجل، وتعرف أن سن قانون يحرم ما أحل الله فيه كثير من التجاوزات على شرع الله والتعدي على حدوده. فهاهم أعضاء المجلس- وأظن أن أغلبهم ليسوا في مستواك الثقافي- كانوا أكثر تأدبا مع العلماء واحترما للتخصصات؛ فلم يصوتوا لصالح القانون وأظنهم لن يفعلوا.

فلماذا أنت تفعل ذلك أيها المثقف، وتحضهم على التصويت؟ فهل أنت عالم عصرك ودهرك في الفقه أيضا؛ بحيث أسقطت أراء العلماء وراء ظهرك؟ نعم هو ذاك؛ فقد تحدثت بما يشبه العالم والفقيه الرعديد عندما قلت: ( ضد عدو غازٍ أو ضد منكر لمعلوم من الدين بالضرورة )؟ فما شأنك وضروريات الدين وكمالياته؛ فهو شأن العلماء المتخصصين فكان عليك أن تحترم التخصصات ولا تفتي خاصة في ما يمس مجال الشريعة فهو مقدس يا نصر طه.