ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
مأرب برس – خاص
إلى عدن :
سأكتب عنكِ مثلما أكتب عن مفقود .. رحلتُ عنه .. ويبدو أنه راحل عني!
عدن التي أصبحت بلا ملامح .. فلا الحياة كما الحياة .. ولا الناس كذلك .. بالكاد تتعرف عليها.. من بعيد لن تستطع تمييزها، فلم يعد عناق البحر والجبل مذهلا كما كان .. لم يعد البحر وسع الزمان، لن تمتد الفسحة الزرقاء أمام ناظريك مجددا .. خنقوها بكميات من التراب كانت لتكفي لدفنهم جميعا لو كان ولاة الأمر أحياء!!!
مُسخ وجه المدينة، تحُولُ بينكما مبانٍ كثيرة يُقال أنها تعود لأثرياء ... لن تشم روائح الطبيعة في مدينة مصمتة من الأسمنت أصبحت تختنق بشوارعها وبناياتٍ منتشرةٍ عبثاً وعبئاً هنا وهناك .. تكاد تكون بلا مساحاتٍ خضراء أو حدائق عامة، ذلك أن مهندسي الاستثمار ومن يخالطهم من الإقطاعيين الطيبين لم يفكروا في هندسة المساحات الخضراء بقدر ما فكّروا في الاستثمارات المالية والعقارية للمدينة.
ستشعر أن هناك إحساساً جديدا للإقامة في عدن يحمل معنىً قلقاً وملتبساً، ستكون مستعدا للرحيل منها أكثر من "العدون" إليها، فوجوه الناس كئيبة يغشاها حزن عميق وتوجس، يعبر عن واقعٍ مريرٍ، تتساءل الأحياء فيه عن مدينتهم، تبحث أعينهم في فراغ هائل عن كل شيء، علّهم يجدوا ما يصبون إليه، ولكن دون جدوى....
في عدن اليوم لن يذهلك شيء، لن تذهلك صورة طفل على قوارع الفقر يبحث عن الحليب.. عن مدرسة .. عن ألعاب.. وحتى عن مصدر للرزق.. عن أي شيء غير اللاشيء..
لن تذهلك أم يائسة تتسول برضيع في مفارق الطرق، أملا في أن يشاركها أحد هؤلاء المتأنقون المعدمون رغيفه.. ووعداً بيومِ عيد..
لن تذهلك الفتيات الحالمات يفرغن من المدارس قبل الأوان، يتخلين عن زهو عمرهن، وعن أحلامهن الصغيرة، كل ذلك مقابل حفنة مال يمن بها عليهن وعلى أُسرهن أحد مواطني دول الثراء المجاورة .. ينعم بامرأة " طفلة " وقد رأته المخلّص من الأهوال .
لن يذهلك شابٌ يتسكع بين الشوارع .. قد يكون من حملة الشهادات الجامعية منتهية الصلاحية، فمعضلة البطالة تشير لحدوث خلخلة للمرجعيات الأخلاقية والثقافية والدينية، فيحجم الشاب عن التفاعل مع محيطه، وينشز إلى اتجاهات مريبة في محاولة لإيجاد بدائل لقتل ذلك الفراغ، فالصورة الطاغية هناك قد رسمت شابا يلقي بجسده على جدران الأبنية القديمة يمضغ نبتةً علّها تساعده على استساغة مُر الحياة " فالضد يظهر حسنه الضدُ " .
أما الآخر فقد أغرقته الهموم والمشاكل، وأدت إلى تآكل مساحات كبيرة من إنسانيته وأخلاقه، فيذهب بنفسه غير مذهب، قد يصل من خلاله إلى تعاطي ما يجعله منفصلا عن واقعه وفي حالة انفصام مؤسفة.
المدارس الحكومية خاوية على عروشها وهي مليئة بالأجساد، في وضع باتت معه العملية التعليمية موضع تساؤلات مؤلمة، بعد أن أصبحت مقارنة نتائجها بنتائج الدول الأخرى تبعث في النفس الأسى! فهناك عجز عن تحقيق وظائف التعليم المعرفية وعدم قدرة على النهوض بمسيرته، وأصبح هذا العجز آلية مهمة من آليات التحول الثقافي والاجتماعي.
إن الصلة الوشيجة بين التعليم والمجتمع أخذت تتجه للعدمية، ضاقت طرق النمو الثقافي والمعرفي، وبرزت الأمية من جديد في مجتمع كُنتَ قلما تجد فيه من لا يحمل شهادة جامعية .
لم نعد نقوى على التعليم.. أصبح موقع المعلم والمدرس في أدنى السلم الوظيفي، و فشلت كل محاولات تحسين وضع المدارس والطلاب، وهذه الأزمة في استمرار مطرد.. أخذت بصمات الإخفاق تنطبع على كل مستويات الوعي عند المواطن، فأين فكر وعقل رجل الإصلاح في المؤسسة التعليمية، وأين انتسابه لقيم الحداثة وأين هي قدراته على التغيير ؟.
الوضع الصحي في عدن ليس له مثيل، فمن مستشفيات قذرة خالية من أبسط الإمدادات الصحية الإنسانية، إلى كادر طبي عزف عن الإنتاج واستقر به الحال إلى خوض معارك الجهاد ضد شح المرتبات، والتسلية بنوبات الإضراب عن العمل حيث الفقر أثقل مسؤولياتهم العِظام .
الضحية هنا - كالعادة - هي المواطن الكريم , فعليك قبل التفكير في زيارة إحدى تلك المستشفيات ـ أملاً في الشفاء ـ إحضار كل ما سوف تستلزمه حالتك من عقاقير ومحاليل وحقن وحتى القطن وقطع الشاش، ولكن لا يُسمح لك بإحضار علّتك معك، لا يتم التعامل مع أصحاب "العِلات"، فهنا للمعافين فقط!
في عدن لن تجد ماءً ولا كهرباء إلا بضع سويعات! يتوجب عليك خلالها إنجاز كل ما تقتضيه حاجاتك اليومية، فلا نعلم متى سيأتي الماء، ولا نعلم أيضا لِم لم تأتِ كهرباء ؟؟؟؟
ذلك أن المدينة استوعبت في "السنوات الأخيرة" ضِعف ما يمكنها تحمله أو يزيد، فاض البشر حتى أنك لتجدهم يفترشون الأرصفة وما تبقى من خضرة، ففي عدن لن تخاف من المشي بمفردك ليلا، فهي تكتظ بالنازحين، ولكن عليك "إخفاض" صوتك قليلا فهم نائمون .
هذه عدن اليوم، ترى هل استحق الأمر كل تلك التضحيات ؟.. هل كانت لتتعالى تلك الصرخات ؟
وعلى الرغم من هذا كله، لازالت عدن هي عدن، هي المكان والزمان.
كل عام وهي.. وأنتم بألف خير...