بينهم صحفي.. أسماء 11 يمنيًا أعلن تنظيم القاعدة الإرهـ.ابي إعدامهم مكافئة للاعبي المنتخب اليمني وهذا ما قاله المدرب بعد الفوز على البحرين تعديل في موعد مباراة نهائي كأس الخليج في الكويت إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات
مساحات شاسعة تفصل بين موقف الأمير محمد بن سلمان من إدارة الرئيس جو بايدن، في مقابلته مع مجلة «آتلانتيك» قبل 16 شهراً، وبين الموقف الذي عبّر عنه في مقابلته الأخيرة مع محطة «فوكس نيوز».
حين سألته المجلة عما يظنه بخصوص رأي بايدن فيه، أجاب الأمير بمزيج من الثقة والحرفية السياسية التي لا تفارقه: «ببساطة شديدة لا يهمني الأمر. الابتعاد عن المملكة العربية السعودية يضر بموقفه (بايدن). له وحده أن يفكر في مصلحة أميركا».
مياه كثيرة عبرت تحت الجسر منذ ذلك الوقت. في يوليو (حزيران) 2022 زار بايدن المملكة، ثم زارها، بعد ذلك، عدد لا يحصى من كبار أركان إدارته، إلى أن تبلورت أجندة سياسية مشتركة ومثيرة بين الدولتين، أبرز بنودها البحث في اتفاق سلام شامل.
في إطلالته الأخيرة، وفي ما يتعلق بالعلاقات السعودية - الأميركية، وإدارة الرئيس جو بايدن، قال الأمير محمد: إن «الشيء الوحيد الذي لا يتغير في السياسة هو التغيير نفسه، وبالتالي دائماً ما تغير من سياستك بما يخدم أهدافك كدولة. اليوم لدينا عمل عظيم مع الرئيس بايدن، ونعمل على الشبكة الواسعة التي نقوم ببنائها بين الهند والمملكة وأوروبا».
تنم هذه المناخات المصاغة بعبارات دقيقة، عن تحول كبير حصل في العلاقات بين البلدين، أساسه تغيير حصل في الموقف الأميركي من المملكة. ما يتضح أن فريق بايدن الذي باشر علاقته بالرياض، منذ حملة الترشيح، ثم في البيت الأبيض، تغافل عن المصالح الحيوية الجبارة التي تربط بين البلدين، وفضل الاتكال على موقف آيديولوجي ليبرالي استجابة لموجة «صحوية» عارمة تجتاح الحزب الديمقراطي وقواعده الشابة.
لكن بايدن، وقبل رحلته إلى المملكة عام 2022، كتب مقالاً مطولاً في صحيفة «واشنطن بوست» بعنوان: «لماذا سأزور السعودية؟»، حدّد فيه عدداً من الأسباب الواقعية لتحسين العلاقات بين البلدين، وأبرزها تعزيز موقف واشنطن في المواجهة مع الصين والتفاهم على آليات تحمي أسعار النفط من قفزات جنونية، كما لمَّح إلى مشروعه الرامي لإحداث اختراق في السلام الشامل. حكاية هذا التحول في الموقف الأميركي، في حالة السعودية - بايدن، هي حكاية كلاسيكية لعموم السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتي لطالما نتج فشلها من النهج الفوضوي بين سياسة خارجية مثالية وأخرى شديدة الواقعية. يقدم المؤرخ والدبلوماسي الأميركي ستيفن سايمون في كتابه الصادر حديثاً، بعنوان «الوهم الكبير»، سردية متكاملة لعدم النجاح الأميركي والناتج برأيه من خلل بسيط هو الوهم بشأن قدرة أميركا على فرض أفكار تؤمن بعظمتها، على واقع سياسي واجتماعي يتميز بحقائق ومعطيات لا تتوافق مع نوايا واشنطن أو مساعيها.
يقدم الكاتب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 كأحد الأمثلة الصارخة على هذا الوهم الكبير. فقد اعتقدت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، مدعومة بإحساس الوضوح الأخلاقي بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، أنها لن تتمكن من إزالة صدام حسين فحسب، بل ستحول العراق منارةً للديمقراطية في الشرق الأوسط. فشل أصحاب هذه النظرية بالوضع في الحسبان التركيبة العرقية والدينية المعقدة للعراق، والفضاء الاستراتيجي المحيط بالبلد ومصالحه وردود فعله. كما الرئيس بايدن في النصف الأول من ولايته، وقع الكثير من الرؤساء الأميركيين، في فخ الاعتقاد بأن ما يرونه نوايا طيبة ومثلاً أخلاقية، قادرة بحد ذاتها على التغلب على التعقيدات الواقعية على الأرض.
ومرد ذلك في غالب الأحيان، المبالغة في تقدير الإمكانات الأميركية العسكرية والاقتصادية وغيرها. ولعل أخطر الأسباب المؤدية إلى ولادة «الوهم الكبير» الذي يحكم الكثير من جوانب صناعة السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، هو تجاهل الإدارات الأميركية لمصالح الأطراف الأخرى الفاعلة في قضية محددة أكانت مسألة حرب أم سلم أم ملف اقتصادي معقد أو أي شأن إستراتيجي آخر. فسواء تعلق الأمر بمصائر الدول أو الجماعات السياسية، أو الأفراد، فإن هؤلاء جميعاً ليسوا أهدافاً ساكنة مشرّعة على تلاعب السياسة الأميركية بها، بل كيانات حية وحيوية تتحرك بموجب مصالح ومعتقدات وأجندات خاصة. مقابلة الأمير محمد بن سلمان بما تؤشر إليه من تغيير جذري، لا على مستوى الحاصل في السعودية، بل على مستوى الحاصل في واشنطن نفسها، هي مثال حي على التبعات المؤذية لمفهوم «الوهم
الكبير»، والتأخر في إدراك حقيقته كمشكل خطير وبنيوي في السياسة الخارجية الأميركية. من الصعب طبعاً تصور أن التغيير الحاصل في موقف البيت الأبيض، يتجاوز كونه عملية تكييف مع معطيات سياسة واستراتيجية محددة، أو التوهم بأنه إصلاح هيكلي في صناعة السياسة الخارجية الأميركية، المدفوعة غالباً بمخاوف فورية وآنية أكثر من استراتيجيات شاملة طويلة المدى. من هنا، تعبّر تصريحات الأمير محمد بشأن علاقات السعودية بالصين وروسيا والهند بالإضافة إلى أميركا عن وعي استراتيجي حاد يفضّل تعدد التحالفات على الاندراج التام في معسكرات وتحالفات محددة.
فهو يراهن على الاستفادة من النتائج الإيجابية التي يتيحها هذا التحول الأميركي على المدى القصير أو المتوسط، من دون أن تكون لديه أوهام حول حدوث تحول بعيد المدى في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة. الافتقار إلى تغيير هيكلي عميق في السياسة الخارجية الأميركية يعني أن الجهات الفاعلة الإقليمية مثل الأمير محمد بن سلمان ستظل حذرة، حتى وهي تتفاعل إيجابياً مع واشنطن وبشكل يناسب مصالحها؛ لأنها ستحسب دوماً حساب عودة أميركا إلى مواقف وسياسات تصادمية.
هذا واقع محمل بالتحديات بالنسبة لكل صاحب قرار في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه معطى يستنزف الموثوقية في أميركا عموماً، ويُضعف قدراتها على استرداد دورها القيادي الحاسم في الشرق الأوسط.