غزة والموقف العربي ...
بقلم/ راكان الجبيحي
نشر منذ: 10 سنوات و 3 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 05 أغسطس-آب 2014 12:14 م

يسكب الجيش الإسرائيلي ناره على غزة.. يعاقب البشر والحجر .. يطلق سهامه الغادرة على عربة الجهاد والمقاومة. ويشعل نيرانه الظلامية على الأراضي المحتلة. ليخلف بذلك قتل ودمار ونزوح واعتقال .

يرتكب كالعادة حماقته الهمجية . وأعماله الاجرامية بحق اهالي غزة . يمطر عليهم رصاص باردة ، ويصب على اجسادهم نار مشتعلة .

حماس . والجهاد تضرب صواريخها على تل ابيب. تصمد في وجه العدو. وتلقنه درساً قاسياً في المقاومة والصمود. وعدم التراجع والخضوع .

تخترق الحدود الاسرائيلية. وتهاجم بمختلف الوسائل والإمكانات دون خوف او تردد .

الجيش الاسرائيلي وكذلك المواطن يشعر بالرعب والقلق لتعرضهم للهجوم الصاروخي والضربات المتواصلة القادمة من القطاع. وفروا الآلاف هاربين ، مرعبين ، نازحين. الى أزقة الملاجئ .. وليس هذا فقط بل انه من المفاجئ ان تطلق كتائب القسام ثلاث طائرات من دون طيار صنع محلي على اسرائيل .. وتدهش العالم بتلك الخطوة العظيمة ، والعمل الجبار الذي لم يكن لأي دولة عربية الفخر والاعتزاز بمثل تلك الاعمال الكبيرة. والانتقال الى عالم التطوير والتنوير في اموالهم الباهظة الذين يدفعونها لحدوث اضطرابات وصراعات مختلفة تفتت النسيج العربي.

العديد من الغارات والضربات التي يطلقها الجيش الاسرائيلي على القطاع بشكل عشوائي دون تحديد هدف معين لعناصر المقاومة والجهاديين ينتج عنه سقوط لمئات الفلسطينيين ما بين شهيد وجريح وجميعهم مدنيين معظمهم اطفال ونساء .

صحيح ان الضربات المتواصلة التي تطلقها كتائب المقاومة والجهاديين في غزة على الأراضي الاسرائيلية ليس هي إلا عود ثقاب. ومعظمها تعترض لها القبة الحديدة. لكنه بذلك يعزم على نهض المقاومة ، وثبات الصمود كثبات الجبال ، والتوحد والتكاتف امام ضربات العدو وإفشال خططه وعملياته المتغطرسة .

العروبة في فلسطين تتصاعد براكينها بنكهة دموية ومأساوية ، والنخوة العربية تولد في الأراضي المحتلة ، والشرف القومي العربي يثأر له اهل غزة وحركة حماس والجهاديين بلا استثناء بنزيف دماء أبنائها ، وتصلب ثباتهما في وجه العدو .

الحكومات العربية كعادتها تقوم بإدانة واستنكار . وتدعوا الى وقف اطلاق النار. عوضاً على الوقوف في وجه العدو . والدعم الكامل بمختلف المجالات لأهل قطاع غزة. الذي نال شرف ذلك بعض من الدول الغربية وتركيا وقطر على وجه الخصوص .

لغة الذل والإهانة تنطلق من افواه القادة العرب. والصمت والخذلان أصبح الحاكم الفعلي في حملة "الجرف الصامد" على غزة . والتستر على الجرائم البشعة التي يقودها الجيش الاسرائيلي بحق الاهالي هناك طيلة عقود .

ومن الغريب مع انه لم يعد غريباً. ان تنشر صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية قبل ايام خبر عن وجود مكالمة هاتفية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بينيامين نتنياهو والذي رتب لها وطبخ حبكتها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.. ودون ادنى شك في الموضوع فان تحليل ذلك ينحصر عن دور مصر والقيادة العربية في الصمت المخزي الفظيع الذي انتج عن انتهاك العرض العربي. والدعس على كرامته بمجرد خلاف سياسي مع بعض الحركات الجهادية .

وأيضا الدافع لحدوث تلك المكالمة هي المبادرة المصرية التي وبلا شك دعا اليها نتنياهو وقام بصياغتها. بعد ان ولدتَّ صواريخ القسام وصمود المقاومة الرعب والخوف في قلوب الاسرائيليين. ولكنها والت بالفشل الذريع برفضها من الجانب الفلسطيني في قطاع غزة كون الوضع لا يتطلب طرح الشروط. وتبني زمامها مصر التي اغلقت معبر رفح. وحاصرت المدنيين اللاجئين هناك. ولم تكتفي بهذا بل قامت بالتوحد مع العدو لكسب بعض الوقت لكسر صمود المقاومة لأسباب سياسية هشة لا شان لها بقضية عربية تغتصب ، وتنتهك امام الجميع .

اصبحنا بفضل القادة العرب لا نساوي شيء. لقد اقحموا على ارتكاب الحماقة المخزية. مما تحولوا الى أعداء حقيقيين للقضية الفلسطينية .

بل والعجيب ان الصحف الاسرائيلية تتحدث عن ذلك. وتجازف بالقول عن تحالفات واتفاقات عربية- اسرائيلية .

فقد نشرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية قبل ايام قليلة.. انه كان هناك اجتماع ساخن قبيل الهجوم البري على قطاع غزة بين وزير الخارجية الاماراتي ونظيره الاسرائيلي في باريس وخرجا بقرار الهجوم البري.. وتوسيع نطاق العملية بتمويل اماراتي لتأديب حركة حماس .

ليس هذا فحسب بل ومن المُلفت مع ان الوضع اصبح اشبه بتفتيت وإحراق شيء اسمه المفاجئات والأخبار الغير متوقعة. ان تنشر ايضا الصحيفة ذاتها في نفس اليوم خبرا بوجود تحالف شجاع نشأ بين السيسي ونتنياهو.

بغض النظر عن الخلافات الحادة والمتفاقمة بين مختلف القادة العرب وحركة حماس .. تحت مسمى جماعة الاخوان المسلمين.. مع العلم ان الوضع المأساوي في غزة لا يتطلب أخذ موقف سياسي في ضل ما يجري من نزيف لجروح اهل القطاع. والسكوت عن ذلك لأسباب لا تبرر الخذلان والتغاضي عن التحالف مع الخصم لتسهيل مهمته عبر مختلف الوسائل .

نزيف الدم في غزة لا يتوقف ضخه ، وأنين الجرحى يتصاعد نبراته ، ودموع الأهالي تتساقط ألماً على تراب غزة.. والأرواح تتساقط على حديقة المجد والكفاح والصمود .. والعمليات المتغطرسة الاسرائيلية توسع من حملاتها وبشاعة إجرامها المرعبة . والمواطن العربي الخانق في ظروفه المستعصية لا يملك سوى التضرع الى الله بالدعاء والدعم بمختلف المجالات متى صح العزم القومي العربي .

عذراً غزة ...

غذراً غزة.. لم يعد لنا طاقة للهتاف والصراخ لإيقاظ الضمير العربي من غفلة النسيان .

عذرا غزة.. لم يعد لنا ايضا لسان لنتحدث عن ما يحدث ويجري لعروق روحك التي نزف ألماً وتتقطراً دماً ومعاناة لا تنتهي .

عذراً غزة .. لم نستطع ان نمسح دموعك التي تتساقط بين أجفانك لما ألم وحدث لك .

عذراً غزة.. لم نستطع ان نقطع ايادي الاعداء الحقيقيين الذين يتربعون على حكم العروبة . وينخرون على جسد الاوطان ويلهثون نحو البطش والتخريب .

عذراً غزة.. ليس لدينا ما نملكه لكي نُعيد إليك مجدك الذي أشرق في شمس الربيع القادم .

عذراً غزة.. فتضحياتك هي إعادة لحضارة الأمة ، وصمودك هي وفاء لقضية بلدك ، ودماء ابنائك هي ثمن عزيمتك وإصرار وصمودك البنية .

عذراً غزة.. فلقد انتهى الدرس العربي في الكفاح والصمود والمواقف البطولية في القضايا الانسانية ، وها انت تخطي ملحة تاريخية في إعادة كتابة سطور المجد على عتبة الجهاد والمقاومة بحبر من دماء أبنائك الأحرار . لتضعِ نتيجة ذلك توقيع على تاريخ الزمن حكاية صمود وتحدي وثبات. رغم هجوم العدو وتلقي الضربات !