الأجندة الخفية لأصدقاء اليمن
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 15 يوماً
الإثنين 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 06:31 م

تدويل القرار الاقتصادي

يمكن الإمساك بلحظة "تدويل القرار الاقتصادي اليمني"بشهر مارس عام 1995م إعلان تطبيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية – المقال لا يتطرق لجدوى أو نتائج البرنامج- ومن لحظتها أصبح القرار الاقتصادي وحتى تعيين منفذي السياسات الاقتصادية منوطا بالمؤسسات الاقتصادية الدولية "البنك الدولي –صندوق النقد الدولي" ودور نسبي لصانع القرار اليمني.

تدويل القرار الأمني

حادثة ضرب المدمرة الأمريكية "كول" في سواحل عدن ثم أحداث 11 سبتمبر توجه الرئيس بزيارة للولايات المتحدة تفاديا لأي سخط دولي محتمل ضد اليمن وربما نجا اليمن من وقع العصا الغليظة لكنه سلب قراره الأمني، وصولا إلى توجيه ضربات مباشرة ضد اليمنيين في الداخل وتوسع التسهيلات اللوجستية والتدريبات وإنشاء وحدات، والقائمة تطول.

تدويل القرار السياسي

عام 2006م سجل النظام السياسي "سلطة ومعارضة" قصة نجاح الديمقراطية اليمنية إقليميا ودوليا مع ما شابها من ألم وظلم بحق الراحل العظيم المهندس فيصل بن شملان ثم تتالت الإخفاقات وتوالت التدخلات الدولية آخرها مقررات مؤتمر "نيويورك" 2010م إذ أصبحت الأجندة السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالشأن اليمني مقررات دولية.

لأن موقع اليمن المطل على خليج عدن وباب المندب جنوبا والمحاذي للطاقة العالمية شمالا إلى جانب الخوف من تصدير الإرهاب، أصبح شأنا عالميا ولن يقف العالم في وضع الانتظار لما ستؤول إليه النتائج كان من ملامحها إعلان الوزير البريطاني "آلن دنكان" في ورقته المقدمة لندوة "شاتم هاوس": "أن زمن الرقص على رؤوس الثعابين ولى".

فردت السلطة بطريقة المناكفة على لسان سفيرها في لندن أن تعامل بريطانيا مع الإرهاب ناعما. ليست مجازفة التقريربأن اليمن وضعت تحت الوصاية الدولية وأن قرارها الاقتصادي والأمني والسياسي "الترتيب زمنيا" لم يعد مركزا بيد السلطة اليمنية، وبعيدا أيضا عن العواطف يمكن إضافة حقيقة أخرى أن الوصاية الدولية لن تكون في مصلحة السلطة أولا أو المجتمع ثانيا، وأن العلاقات المثمرة هي تلك الناشئة عن مصالح مشتركة، وهذه لا تتوفر في علاقة "الوصاية"، وأن حقوق الإنسان والحريات لا تحتل أولوية لدى الأصدقاء أما الأشقاء فلا ناقة لهم ولا جمل في صحراء الديكتاتورية العربية.

الملف اليمني تمسك به ثلاثة أطراف معلنة سموها أصدقاء اليمن وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربيةالسعودية ويجمعهم القلق والخوف من انضمام اليمن للنادي الصومالي!! ولدى كل منهم اهتمامات ومصالح خاصة.

الأمريكان..

الأمريكان مهتمون جدا بالملف الأمني ومكافحة الإرهاب والقرصنة ومن وراء هذا الملف يسيطرون على باب المندب وخليج عدن حيث يمر يوميا ثلاثة ملايين وستمائة ألف برميل من البترول من هذا المضيق ومن خلال هذا الممر سيتحكم الأمريكان بتدفق النفط إلى أوروبا والصين القادم من المملكة العربية السعودية (يراجع تقرير بعنوان: "أجندة اليمن الخفية.. ما وراء سيناريوهات القاعدة، والممر الاستراتيجي لعبور النفط وبحيرة النفط العظمى في سيئون وحضرموت" ويليم إنجدل –ترجمة خاصة بالأهالي 26/1/2010م) وأيضا حماية مصالح شركائها العاملة في قطاعي النفط والغاز.

البريطان..

تتوق بريطانيا إلى استعادة ميناء عدن ومشاطرة الأمريكان التحكم بمضيق باب المندب وخليج عدن ويلاحظ الاهتمام

البريطاني بالملف السياسي اليمني وإيلاؤه أهمية أكثر من الملف الأمني وذلك من أسباب انزعاج السلطة اليمنية من الدور البريطاني ويلقي بظلال من الشك حول استهداف السفارة البريطانية من قبل تنظيم القاعدة أكثر من مرة.

كما أن البريطانيين يحصرون اهتمامهم أكثر بالجنوب ويرتبطون بعلاقات وثيقة مع القيادات الجنوبية فقط وذلك يثير ريبة وشك السلطة في النوايا البريطانية.

المملكة العربية السعودية

يشتكي البريطانيون في الغرف المغلقة من تصرفات المملكة العربية السعودية في اليمن منفردة دون تنسيق دوليويعتبرون أن "تدفقات المانحين المشتتة ساهمت في تمزيق اليمن" –ورقة آلن دنكان. في حين يتطابق الموقف الأمريكي مع السعودي ويرى الأمريكان أن السعودية يجب أن تدفع تكاليف "الوصفة الدولية" في اليمن، والمملكة تسعى إلى أن يكون الملف اليمني ضمن مقتنياتها الخاصة وتسعى لانتزاع تفويض دولي من خلال مؤتمر الرياض القادم.

ولم تكن حادثة الطرود ودور المخابرات السعودية سوى رسالة مزدوجة للسلطة اليمنية ردا على سلسلة من الأخطاء التي تعتقد السعودية أن صنعاء اقترفتها بحقها وخصوصا أثناء الحرب السادسة مع الحوثي، والثانية لواشنطن والأوروبيين "كعربون" ثقة لانتزاع التقويض الدولي، بينما يسعى الرئيس علي عبدالله صالح لتفويت الهدف السعودي والتفاهم المباشر مع واشنطن والأوروبيين إذ استطاع تأمين هذا الهدف في حقبة التسعينات والتخفف من الوصاية السعودية لكنها عادت بقوة خلال السنوات الماضية من خلال تمويل التكتلات القبلية وزيادة الاستقطابات الأمنية والتغلغل في شرائح السياسيين والإعلاميين.

ويراهن الرئيس على تفهم واشنطن لحساسية الدور السعودي في اليمن ومشاعر اليمنيين ومع أن واشنطن لا تحمل موقفا عدائيا للحوثي إلا أن الفشل الاستخباري السعودي تجاه حركة الحوثي وإخفاقها كليا مع ما يقال عن توغلها في شمال الشمال عن أي تنبؤ بما يدور في خاصرتها الجنوبية قد يضاف إلى الأدلة الأخرى التي تدعم موقف الرئيس لدى الأمريكان بأن لا تكون المملكة هي الوصي القادم على صنعاء وتتلخص أهداف المملكة تجاه اليمن.

بالتحكم في القرارالسياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي لتبقى اليمن تحت السيطرة "لا يسمح بنهوضها ولا انهيارها".

* الوصول إلى البحر العربي عن طريق محافظة حضرموت لمد أنابيب نقل النفط بعد حصولها على مساحات واسعة في شرق اليمن بموجب اتفاقية جدة والأبحاث تشير إلى كميات هائلة للنفط في تلك المناطق.

*مواجهة المد الحوثي على حدودها الشمالية، وقد تكون العمليات الانتحارية الأخيرة ضد الحوثي جزء من الاستراتيجية القادمة.

أدوار مؤثرة... إيران

هناك أدوار مؤثرة تمارسها دول أخرى مثل إيران وعلاقتها بالتجمعات الشيعية في اليمن أو من خلال مصالح اقتصادية عن طريق شركات تجارية وبعثات ومنح تعليمية.

وهناك مؤشرات أولية عن توجهات سياسية لإيران بالاهتمام بالقضية الجنوبية وتفعيل علاقات قديمة كانت تربطها بقيادات الشطر الجنوبي سابقا قبل قيام الوحدة، وتشارك إيران بقوة بحرية في خليج عدن والبحر العربي لمكافحة القرصنة (مكافحة القرصنة لعبة دولية للسيطرة على المضيق والتحكم بالملاحة الدولية).

* قطر..

باستثناء علاقة قطر بالحوثي نكاية بالسعودية فإن الحذر سمة السياسات القطرية في اليمن إذ حاولت الاقتراب من الملف الجنوبي وتراجعت مؤخرا وتركز على النشاط التنموي من خلال مشاريع التأهيل والإقراض وتبدو أقرب الدول الخليجية وأكثرها حماسا لدعم انضمام اليمن للخليج وتمر العلاقة بين الدوحة وصنعاء بعدم ثقة نتيجة لإساءات وتقلبات السياسيين اليمنيين.

صنعاء.. (جعبة الحاوي)

الحقائق دائما على الأرض أو ترى ولا تسمع وأيا كانت النوايا والمصالح الخارجية فإن تنفيذها يتوقف على وجود ومدى قوة النظام السياسي في الداخل.

وإذا كانت مشاكل الأمس لا ينفع معها حلول الغد، فإنّ ما لم تتعظ منه السلطة طوال 32 عاما لن تتداركه لاحقا وكل شيء ينفد في اليمن بما فيه الوقت كما تقول الصحافة الأجنبية، فالسلطة في اليمن ترفع شعارا غير منطوق ملخصه "التأبيد أو التمديد أو التوريث". والبقية مجرد تفاصيل وستكون النتيجة على الأرجح ضمن الخطوات التالية:

* تقديم مزيد من التنازلات للأمريكان والبريطان بحيث تكون التفاهمات مباشرة مقابل ضغوط أمريكية وأوروبية على السعودية والخليج بضخ المساعدات المالية للموازنة اليمنية المكشوفة وعرقلة تنفيذ التنازلات عند التنفيذ اتساقا مع الخبرة التاريخية "وضع العصي في الدواليب".

* مزيد من استغلال التناقضات الإقليمية بين محوري الاعتدال والمقاومة وتسهيل مهمة الجميع كلّ بقدر ما يعطي.

* خلط الأوراق في الداخل وإشعال الأزمات والتخلص من فاتورة الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

* مزيد من التركيز على المؤسسة العسكرية والأمنية والإعلامية والسيطرة على كل منابع الثروة والمصالح الاقتصادية وحصرها في "النافذة الواحدة".

* إبقاء جميع الأزمات مفتوحة لابتزاز الخارج "بالانهيار" وترويع الداخل "بالفتنة".

* إذا تراكمت الأزمات وضاقت الخيارات ولم يعد بإمكان السلطة الاستفادة منها فستقوم "بالانقلاب" على نفسها وتصعيد شكل جديد من أشكال السلطة الموازية وقد يكون ذلك من صنائع المعروف

التي تسديها السلطة للشعب الذي طال صبره، وهي لا تدري، فإن الله لا يجمع على عباده عسرين ولطالما رددها الرئيس في معرض الامتنان بأنه لا يقبل الانتقاص من الحريات فيجمع لليمنيين بين الجوع والخوف وما أظن إلا أن مصائب جمة قد أحاطت باليمنيين "فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين".