استعادة اليمن
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً
الجمعة 16 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:51 م

استطاع أجدادنا اليمنيون تأسيس حضارة راقية عبر تاريخهم المجيد، بلغ صيتها آفاق العالم خلال عصور تاريخهم القديم والإسلامي والحديث، مع فترات ضعف كانت تتخلل مراحل الازدهار سواء بسبب الأطماع الخارجية أو الصراعات الداخلية. وفي تاريخ اليمن المعاصر اشتدت حالة الصراعات التي تناوشتها ومنعتها من الانتقال إلى مرحلة الدولة العصرية التي يتطلع إليها أبناء الشعب اليمني.

وقد تعرضت شخصية الإنسان اليمني لتشوه مخيف ومرعب خلال الثلاثة العقود الآخيرة، بسبب السلوكيات التي كرسها النظام الحاكم بقيادة علي صالح، عن طريق تعميمه لثقافة الفيد والجهل والانحطاط القيمي. حيث أصبحت معايير التقييم التي بموجبها يتم اختيار هذا الشخص أو ذاك لأحد المواقع تعتمد على مدى قدرته في ممارسة الفساد والعبث وتجاوز الأنظمة والقوانين والاستهتار بحقوق أبناء الشعب.

وفي المقابل تم تهميش معايير العلم والكفاءة والقدرة والنزاهة، ما أدى إلى أن تشيع بين الناس سلوكيات التذلل والانبطاح والاستعداد لتنفيذ الأوامر دون اعتراض أو حتى مناقشة مهما كانت طبيعتها. وأصبحنا نرى أنصاف المتعلمين وبعض الأميين يتسنمون مناصب عليا في الدولة، بينما حملة دكتوراه عاطلون عن العمل.

وقد أدى كل ذلك إلى انعكاس معايير التقييم الأخلاقي لدى الناس، بحيث أصبح الحق في نظرهم باطلاً والباطل حقاً، وصارت نظرة الازدراء والتحقير تلاحق المواطن السوي الذي يلتزم بالقوانين والأنظمة، وتنظر إليه على أنه إنسان ضعيف وعاجز لا يستحق الاحترام، بينما تنظر لمن يعبث بالقوانين والأنظمة ويتعدى على حقوق الناس بالباطل على أنه (رجل وأحمر عين)!.

وأصبح المواطنون يصدمون من قبل مسؤولي الدولة كلما طالب أحدهم بإصلاح الأمور أو اعترض على السلبيات التي صارت عنواناً لحياتنا، وذلك بعد أن يقابل برد المسؤولين العبثي: "أنت في اليمن!"، هذه العبارة التي صارت في العهد الصالحي تدل على كل معنى وسلوك سيئ، بعدما كانت من قبل تدل على محاسن اليمن والرقي الحضاري لإنسانها.

إلى جانب ذلك فقد غذى نظام صالح -الذي سيرحل غير مأسوفاً عليه- الصراعات القبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها من الصراعات، وصور للعالم بأن أبناء الشعب اليمني ماهم إلا مجرد ثعابين يمارس هواية الرقص فوق رؤوسهم، وجعل العالم ينظر لليمنيين على أن نصفهم إرهابيين ونصفهم الآخر متسولين؛ خصوصاً بعد أن تم ضبط مجموعة من اليمنيين يتسولون في بعض دول الجوار بجوازات سفر دبلوماسية منحهم إياها نظام صالح!.

ولذلك لم يكن مستغرباً أن تنقلب معاني عبارة "أبو يمن" لدى الأشقاء العرب، فبعد أن كانت مجرد لفظة تعريفية بأبناء اليمن ترتبط لديهم بنوع من العزة والمجد والأصالة، صارت في العهد الصالحي تطلق على اليمنيين بنوع من التحقير وكأنها شتيمة!.

الآن وبعد وصول الثورة الشعبية الى بداية طريق النجاح، وانتقال سلطة الرئيس صالح إلى نائبه هادي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، سيتحتم على مؤسسات الدولة القادمة أن تكون من أولى أولوياتها إعادة الاعتبار للشخصية اليمنية، وتخليصها من الشوائب التي علقت بها، حتى يعود لها بريقها الحضاري الذي تميزت به عبر العصور.

ولذلك من الضروري أن نختار لعضوية مجلس الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور -التي نصت عليهما الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية- أناس أكفأ، بعيداً عن المحاصصة السياسية والمناطقية، بحيث يكونون من الخبراء المؤهلين والقادرين على إدارة حوار وطني يخلص اليمن من حالة الفوضى والبؤس التي تركها عليها صالح، ويؤسس لعهد جديد قوامه التنمية والأمن والحرية والديمقراطية، ومضمونه العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.

وبدلاً من لوم بعض المواطنيين الجنوبيين على رفضهم للهوية اليمنية، علينا أن نعالج الأسباب التي دفعتهم لذلك، عندها فقط سنجعلهم هم من يتمسكون بيمنيتهم ويعتزون بها، لأن التاريخ يقول إن اليمن لم تكتسب تسميتها إلا من الجنوب، حيث تطور اسم اليمن من لفظة يمنت (يمانة)، التي وردت في لقب التبع الحميري شمر يهرعش في أواخر القرن الثالث الميلادي (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت)، وقصد بها سواحل اليمن الجنوبية الممتدة من المندب إلى عُمان.

خلاصة القول: اليمن صارت كسفينة توشك على الغرق، ومن واجبنا أن تتكاتف جهودنا جميعاً من أجل إنقاذها، من غير أن يتقاعس بعضنا متعذراً بعدم إجادته للسباحة، ذلك أن من لا يجيد السباحة يمكن أن يمارس مهام أخرى تدعم جهود السباحين المهرة المنهمكين في عملية الإنقاذ. وبعد أن تتكلل مهمتنا بالنجاح ونمنع السفينة من الغرق، لن نعدم الوسائل التي نعيد بها ترميم سفينتنا، شريطة أن يعم بعد ذلك خيرها على الجميع، في إطار من الإخاء والمحبة، القائم على التسامح والتعايش والاحترام المتبادل وعدم الإقصاء، كما هو حال كل الأمم المتحضرة والمتقدمة من حولنا.. عندها فقط يمكن أن نقول بفخر أننا قد تمكنا من استعادة اليمن التي كانت.

أخيراً اسمحوا لى أن أذيل المقال بهاتين الملاحظتين:

رئاسة البرلمان وحياة هادي

كثير من التحليلات تخشى من مغامرة غير محسوبة العواقب قد يلجأ إليها الرئيس المنتهية ولايته وأسرته، وذلك بترتيب عملية اغتيال للرئيس بالإنابة عبدربه هادي بغرض إرباك عملية الانتقال النهائي للسلطة. وبناءً على المبادرة الخليجية فإن الرئيس صالح سيصبح بعد ثلاثة أشهر من توقيعها غير ذي صفة، وبما أن الدستور اليمني ينص على انتقال سلطات رئيس الجمهورية في حال فراغ السلطة إلى نائبه، وإذا خلا منصب النائب مع الرئيس تنقل سلطة الرئيس إلى هيئة رئاسة مجلس النواب، لذلك ومن أجل الحفاظ على حياة هادي سيكون من المناسب أن تسعى كل الأطراف المؤيدة للمبادرة الحريصة على اليمن من الفوضى أن تدعم انتخاب شخصية قوية لرئاسة البرلمان لا يرضى عنها صالح وأسرته (يوجد أكثر من نائب يمكن أن تناط به هذه المهمة)، لكون ذلك سيجعلهم يحرصون على حياة هادي، على اعتبار أن وجوده سيصبح أخف الضررين بالنسبة لهم.

 

خارطة المجلس الوطني

لوحظ أن المجلس الوطني لقوى الثورة قد وضع على شعاره –الذي ينشر في بعض الصحف والمواقع الأخبارية- خارطة قديمة للجمهورية اليمنية، تبدو فيها الحدود السعودية داخلة في الآراضي اليمنية على شكل مثلث يصل رأسه إلى مدينتي العبر وصافر، مع أن اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين في عام 2000 قد جعلت ذلك المثلث الصحراوي من ضمن الأراضي اليمنية. إن كان سبب ذلك افتقاد المجلس لخارطة حديثة للجمهورية اليمنية يمكننا تزويدهم بها، وإن كان مرده إلى عدم اعترافهم بالاتفاقية الحدودية المذكورة كان المفترض أن يضعوا خارطة لليمن أكبر مما حددته الاتفاقية وليس أقل منها. أما إن كان هذا الإجراء لأمر نجهله فرنجو منهم التوضيح تجنباً للبس.. مع خالص التحية للمجلس الموقر.