سلة محلية.
بقلم/ إلهام محمد الحدابي
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 17 يوماً
الأحد 28 إبريل-نيسان 2013 04:34 م

أتمنى أن نمتلك هذه الثقافة قريباً، بحيث نستطيع أن نقرأ لفظة(صنع في اليمن) في كل شيء حولنا، لا أن تتشتت أفهامنا وأعيننا ونحن نتصارع حول الجودة لمنتجات محلية في قرى تركية أو صينية أو هندية، دون أن يتسرب اسم اليمن إلى جدالنا وكأننا نعيش خارج إطارها!

في أحد المعاهد التي تعلم اللغة حدث موقف يحمل القدر الكبير من الطرافة والألم، حدث أن حمل المعلم المساحة الموضوعة فوق طاولته ليمسح بقية الكلام العالق في السبورة منذ الحصة السابقة، وما إن رفعها حتى تناثرت إلى ثلاث قطع منفصلة، غضب ذلك المعلم وألقى شتيمته بأدب: هذه أكيد صناعة يمنية!

 أردفت طالبة وهي تكتم ضحكتها: ليش أبو يمن يقدر يصنع شيء!

ضج الجميع بالضحك، بينما بقيت أنا أتأمل حقيبتي ، وأقلامي والمنضدة، والسبورة، والكراسي، والستائر، للأسف لأول مرة أشعر أني مزيفة، فلا شيء مما أحمله وأستخدمه يحمل هويتي، تلك النكتة المفاجئة لفتت نظري إلى قضية مهمة للغاية، وهي أننا نعيش على ( الهامش)! حتى تلك المنتجات المحلية للدور الأخرى والتي تستهلك اقتصادنا ،لا يزور أسواقنا إلا المتردي منها، وكأنها تعكس وجودنا واقتصادنا وعملتنا بالنسبة لتلك المصانع.

ليس من المعقول أن نعرف سبب المرض ثم نتغابى في وصف العلاج! اليمن صاحب الموقع المتميز والاقتصاد الميت، سبب مرضه غياب التنمية، والتنمية لا تقوم إلا بالاقتصاد، والاقتصاد الذي يستند على الديون المهولة يدعوا للدمار أكثر مما يدعوا للبناء، أما الإقتصاد الذي يعتمد على القرش البسيط والذي لن ينبت فجأة، بل يحتاج للكثير من الجهد المضني، هو الذي سيعمر اليمن بحق.

حتى توجد نهضة اقتصادية حقيقية في اليمن نحتاج على تنمية ذلك القرش البسيط الذي يمتلكه النجار والحداد، والحرفي والمزارع والمعلم ومختلف العاملين في القطاع الخاص والعام، بحيث ننشر ثقافة الاستثمار الحقيقي الذي يروج لفكرة الإنتاج على مختلف قطاعات التنمية في اليمن.

الاقتصاد في اليمن يحتاج للعديد من الجهود أهمها على الإطلاق: السياسات الاقتصادية الحكيمة التي تعمل على إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية المعمول فيها في اليمن، بحيث نوجد قروض ميسرة لأصحاب المشاريع المحليين، وترشيد الاستيراد خصوصاً فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية ،لتشجيع المنتج المحلي على نظيره الأجنبي، أو على الأقل ليتم رفع تكلفة السلع الأجنبية من خلال زيادة نسبة الضرائب عليها ،بحيث نفسح المجال لتشجيع المنتج الوطني.

والجانب الآخر هو الاستثمار المسؤول في شتى قطاعات التنمية، البعض يتحجج بالوضع الأمني في اليمن، صحيح أنه يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد اليمني فيما يتعلق بالصناعة والسياحة، لكن هناك قطاعات تنموية يمنية لا تقل أهمية عن تلك القطاعات ، وهي قطاع الصحة والتعليم، فلو أن السياسات الاقتصادية عملت على التنسيق مع الأجهزة الرقابية في البلد ومتابعة قضايا الفساد في قطاعي الصحة والتعليم لتم إصلاح الكثير من المشاكل التي تجبر الكثير من اليمنيين على صرف كل مدخراتهم في الخارج بدل الداخل،وهذا بالطبع يؤثر على اقتصاد اليمن على المدى البعيد.

الاقتصاد اليمني لن يقوم إلا إذا تضافرت جهود الجميع، من ساسة وحزبيين، وكتاب ونقاد، وعمال وتجار، ومفكرين وبسطاء، وذلك إن عرف كل فرد ما هو دوره بالضبط وقام به، ونتمنى في الفترة القادمة أن نجد حتى سلة كتب عليها(صنع في اليمن) .