بداية فصل وأد الثورات .. اليمن ومصر نموذجاً
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 8 أيام
السبت 06 يوليو-تموز 2013 04:18 م

كأن ربيع العرب وخريفهم سيان بعد اختلاط الحابل بالنابل وتداخلت المواقف وتباينت الآراء لتطيح بأهم تجربة ديمقراطية لأكبر دولة عربية عانت كابوس حكم العسكر لعقود مضت ، فمنذ بداية صيف هذا العام دخلت بعض النُخب في إحدى اكبر بلدان ما عُرف بالربيع العربي في قناعات ومن ثم سلوكيات غير معتادة ومناقضة لمبادئ الديمقراطية بِجرّ المؤسسة العسكرية للتدخل في اللعبة السياسية والإحتكام للشارع فالتبس الأمر للبعض حول شرعية الثورة بمجرد حشد الملايين في الميادين ، والشرعية الديمقراطية ذاتها التي طالما ناضلت تلك الشعوب من اجلها أفضت في نهاية الأمر لوأد التوجه الجديد الذين لم يعتادوه أصلا والتعامل مع مصطلحات جديدة بماعُرف بربيع العرب الثاني ، فاليمن قد سبقت مصر في احتواء ثورتها ولكنها كانت أشبه بمجازفة بالنظر لخصوصية وظروف الشعب اليمني وعاداته ومنحت الرئيس السابق حصانة مقابل تخليه عن السلطة ، وكان على المعارضة أمام جبروت النظام السابق ان تكون أمام خيارين احدهما مر فأما الزج بمستقبل البلاد والانزلاق للمجهول وأما القبول بمبادئ المبادرة بكل سيئاتها ، ورغم الحصانة التي لم يكن يحلم بها أي مخلوع عربي إلا انه في لازالت تراودهِ أضغاث أحلام في السلطة ،ورغم ذلك فأنه في واقع الحال لم يتخلى عنها إلا صورياً فلازال له أدواته التنظيمية والإعلامية والمادية وهو الأمر الذي يثير جملة من التساؤلات حول مفهوم المبادرة نفسها ، التي لم تدرك تبعات ذلك .

وإجمالاً فقد اختلفت أسباب اندلاع الثورات في بلدان الربيع العربي وكذا تباينت في مألاتها إلا أن هناك خيوط مشتركة وهى تداخل الديني بالسياسي بالمؤسسة العسكرية وسياسة إقصاء الأخر (وهذا هو العنصر المشترك في كل ثورات الربيع العربي) وعدم الأخذ بالمشورة وأساليب الحكم الرشيد الذي طالما تغنوا به فلا تزال تلك القيم التي تردد في أدبيات الثوار من العدل والمساواة والمواطنة المتساوية مجرد أمنيات وقيم افتراضية لم تجد لها مكان في كل الأزمة والأمكنة.

من يتأمل كثافة الحشود المتدفقة في شوارع مصر يتبين له بما لا يدُع للشك بأنها ليست عفوية رغم كونها أكثر عددا من ثورة يناير الأولى نفسها ، فقد كان لدور النُخب ووسائل إعلامه والدعم الإقليمي والدولي دوراً أساسياً في التنظيم والإعداد لتلك الحشود الهائلة مستغلين أخطاء طبيعية ومتوقعة بعد تراكم الفساد لعقود مضت ، وعليه فلو تمت مقارنة النخب المثقفة في منتصف القرن المنصرم وحاليا فخلال ستةِ عقُود مضتْ أو يزيد يفترض بداهة بأن مستوى الوعي قد تضاعف لمرات ولاسيما بعد انتشار التعليم ووسائل الإعلام من صحافة وقنوات تلفزيونية ومن ثم فضائية وانترنت ووسائل تواصل اجتماعي ونحو ذلك فقد غدا الجميع يعرف عن الجميع وفي ضوء تدفق المعلومات وثورة التكنولوجيا غدا الجميع يعرف أدق التفاصيل عن الآخر وبلحظتها وأصبح الصغير والكبير في دور المراقب والمتابع والمُحلِلّ السِياسي بينما على ارض الواقع لم تثمِر كل مخرجات حالات الوعي هذه عن نتيجة فقد تهافتت تلك بعض من تلك النخب أما لأنانية مفرطة أو لشهوة الحكم واستحضار دور العسكر كمحلل والعودة للمربع الأول والدخول في مرحلة فترة انتقالية التي تقود أخرى وهكذا دواليك ، وبحجة حماية الأمن الاجتماعي وأبعاد شبح الفوضى وانزلاق الأمة لمخاطر محتملة ، وهذا يبدو من أول وهلة طرح منطقي ومعقول ولكنه حق أريد به باطل ولا يستبعد عاملان أو أكثر في هذا اللِبس الذي حيّر المراقبين هل هو قوة دفع حقيقية داخليه وتناقضات المجتمع أفضت لمثل هذه النتائج أم الاعتقاد لنظرية المؤامرة إقليمية كانت أو دولية ، أو كلاهما ، وهو الأرجح فهناك مصالح لجماعات وأفراد في كل المجتمعات تعاونت مع استراتيجيات إقليمية ودولية وهذا بداهة واضح للعيان دون مواربة ولا يقتضي الأمر لذكاء ودهاء المراقب والمتابع.

لقد تسابق الفاشلون ومن خلعتهم شعوبهم في التهليل والترحيب بعودة جزمه العسكر في مصر ومنهم من جثموا على شعوبهم لعقود ، ومنوا بفشل وخرجوا بحصانة لم يكن يحلمون بها لولا المبادرة الخليجية التي من خلالها ربما تركت بذرة فنائها في فلول النظام السابق الذين لا يزالون يزاحمون من قاموا بالثورة في الحكومة الائتلافية غير مدركين بأن مساوئ كل بلدان الربيع العربي تكمن في حكمهم الفاشل لنحو ثلاثة وثلاثون عاما من الفساد المطلق والتخلف بكل صورة القبيحة ، فقد رحب مخلوع اليمن بالإنقلاب عن أول شرعية ديمقراطية في مصر ـ ورغم انه لا يُعتد بهوس تصريحاته ـ إلا إننا نشير هنا بأنه يحلوا له وصف ما يصفهم بالإسلاميين في اليمن بأنهم قدم في الحكم وأخرى في المعارضة مع أهم يشكلون فقط احد مكونات التجمع السياسي المشترك المتعدد الأطياف مع شباب الثورة وكلهم لا يمثلون سوى نصف السلطة المسخ التي لازال النظام السابق في الحكم بما لا يقل عن نصف السلطة وهو بهذا قدم في الحكم المستمر لفشله لعقود وأخرى في معارضته ، بل هو السبب الرئيسي لتعثر حكومة الوفاق مستغلاً كل مُقدرات الأمة من قنوات تلفزيونية وصحف ومال من قوت الشعب وفقره المدقِع ، ولا تستطيع حكومة الوفاق إصلاح ما أفسده الدهر لثُلث قرن من التخلف وحكم الفرد والظلم والإقصاء والعبث بمقدرات الأمة فإذا كان في مصر يعزى لانفراد الأخوان بالحكم فأن تعثر حكومة الوفاق في اليمن سببها قياده سابقة ولاحقة لازالت تتحكم في مصير اليمن ، غير مِدركة بأن التغيير سنة الحياة ، فقد عجزت عن تجديد نفسها تنظيمياً والإقتناع بسياسة الإحلال الذي هو سنة الحياة ففي الغرب في حال خسر حزب الحكم يجدد نفسه تلقائيا بقيادات حزبية جديدة ، إلا في اليمن ! وسيضل البعض يستهويه شهوة الحكم من الباب التنظيم الحزبي الذي اثبت فشله الذريع وغدا حزب المصالح لفئة ومجموعة وكأن ذلك الحزب أهم من مصير الوطن بأكمله!

فبداهة فليس من حكم اليمن السعيد بفشل ذريع لعقود وحوله لأتعس الشعوب هو من يبشر بالمستقبل ويعطي النصائح بل عليه الاستفادة من الحصانة التي لم يكن يحلم بِها وأخذ العِبرةِ من تجربة مُصر والآخرين ..... فالسعيد من اتعظ بغيرة!