كيف سيكون وضع القضاء اليمني في الدستور المنتظر
بقلم/ أنور عبدالله السبيت
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 12 يوماً
الأحد 02 يونيو-حزيران 2013 05:14 م

تحرص السلطات الفردية والمستبدة على أن تكون سلطة القضاء بيدها ـ كل ما أمكن لها ذلك ـ ولأن هدفها من السلطة عادةً ما يكون تحقيق أهداف شخصية أو فئوية أو كليهما ، فهي تعمد إلى وضع دستور وبالتالي قوانين تمكن أفرادها من السيطرة الشخصية على المؤسسات الوطنية وتمنع الوصول إليهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم.

أما في السلطة الديمقراطية فإن مبدأ الفصل بين السلطات شرطٌ أساسي من شروط تمامها و وجود المجتمع الديمقراطي. لذلك نجد وضع السلطة القضائية في المجتمعات المطبقة للديمقراطية كما هو وضع السلطة التشريعية ، وضع موازي للسلطة التنفيذية ولا تداخل بينهما أو سيطرة لإحداهما على الأخرى بما في ذلك سلطة التعيين. ويأتي الدستور(الديمقراطي) ليحد من التبعية وينظم العلاقة بينهما بشكلٍ واضح وصريح ويمنع بالتحديد تغول السلطة التنفيذية وتدخلها في صلاحيات وأعمال تخص السلطة القضائية.

وبوصف السلطة القضائية سلطة يلجأ إليها جميع أفراد المجتمع بمن فيهم الأعضاء في السلطة التنفيذية سواءاً بصفاتهم الشخصية أو باعتبارهم ممثلين عن الجهات الرسمية للتقاضي والبحث عن الإنصاف والعدالة بالإضافة إلى محاكمة المفسدين والعابثين بأموال ومقدرات البلاد ممن تثبت إدانتهم من المسؤولين الرسميين التابعين للسلطة التنفيذية، فلذلك لا بد أن تكون هذه السلطة مستقلة ومحايدة وتقف على مسافة واحدة من الجميع. وفي ذلك صلاح المجتمع ومصلحته.

 ومن أجل أن يتحقق لها ذلك ويكون المستفيد المجتمع بأكمله ، لا بد من امتلاكها لمجموعة من المقومات المادية. أولها أن تُسن التشريعات والقوانين وفي مقدمتها الدستور بما يؤكد على هذا الاستقلال ويعززه ، وبما فيها إنشاء المحكمة الدستورية العليا المعنية بالفصل بدستورية القوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية والقرارات الصادرة عن أعضائها.

والخطوة الأولى في ذلك أن يتضمن الدستور وبشكل واضح وصريح مبدأ استقلال القضاء وضمان عدم تبعيته لأي جهة. وإنشاء المحكمة الدستورية العليا.

وإذا كان المجتمع اليمني منذ العام1990م مجتمعاً ديمقراطياً ـ من الناحية النظرية ـ فإن القضاء وسلطته وبالتالي استقلالهما لم يلقيا حظهما مما تفرضه الديمقراطية من مبادئ ـ على الأقل في هذا المستوى النظري. وظل القضاء في الدستور الحالي تابع بشكلٍ أو بآخر للسلطة التنفيذية كما هو الحال في ظل ما قبل تطبيق الديمقراطية. ولم يفكر أحد عند وضعه أو عند إجراء تعديلاته في وضع السلطة القضائية ومنحها الحق الشرعي في استقلالها كما يتطلبه الوضع الديمقراطي المتحول إليه.

لذلك نجد في هذا الدستور كثير من صلاحيات السلطة القضائية تتحكم بها السلطة التنفيذية وعلى وجه الخصوص رئيسها.

وبرغم أن استقلال السلطة القضائية حق أصيل لهذه السلطة وأبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أي مجتمع فضلاً عن أن يكون ديمقراطي ، وهي الخطوة الأهم و أول شروط قيام المجتمع المدني الحديث ، وهو ما يحتاجه مجتمعنا اليمني وما يبحث عنه أي مجتمع يسعى نحو الحرية والتقدم والبناء والرفاه والعيش الكريم ، إلا أننا نجد القليل ممن يتحدث أو يطالب بذلك وإن وجد فباستحياء و بطريقة الاستجداء. في الوقت الذي يجب أن يُخاطب بصيغة المغتصب والمتعدي على هذه الحقوق وبأن عليه وجوباً ردها لا منةً منه وتفضلاً.

ولا شك أن السلطة التنفيذية من مصلحتها بقاء الوضع كما هو عليه طالما وليس هناك من أو ما يجبرها على ذلك !. فمن الطبيعي ألا تفكر في التنازل عن أي حق من حقوق السلطة القضائية.

لذا ونحن على أبواب وضع دستور جديد أو هكذا نسمع. ما يجب أن يكون في هذا الدستور أمورٌ كثيرةٌ ؛ أهمها وضع السلطة القضائية واستقلالها. ومن أجل ذلك وقبله ألاَّ يكون كسوابقه معد ومصاغ بعقولٍ وأيادٍ محترفة للكذب والتزوير وكما أراد آمرها بوضعه وكما يخططون له نحو تحقيق أهداف وضيعة ليس لها علاقة بمفهومي الوطن والوطنية.

ويعتبر استقلال القضاء وطريقة وضع الدستور وما يحتويه من أسس ومبادئ يجب أن يحتويها أهم وأقوى اختبارات صدق وحسن النوايا لمن يمتلكون الإرادية السياسية لهذا الشعب في هذه الآونة ، وسيتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض وبشكل جلي لا لبس فيه في موضوع التأسيس لدولة النظام والقانون وبنائها. إذ أن البداية من هنا وليس من مكانٍ أو شيء آخر.

ومن ثم لن نكون بحاجة إلى سماع دعاياتهم ووعودهم و برامج أحزابهم السياسية. لأنها ببساطة بُنيت على عدم وضع الأسس الصحيحة والطبيعية في بناء مؤسسات الدولة وعلى عدم الصدق في التخطيط ، أي على الباطل وتسليم الأمر إلى غير أهله وأخذ ما ليس حق ومنح ما ليس بواجب ، الأمر الذي نتيجته بالضرورة ستكون سرابٌ وأوهام يحصدها الشعب. ولن يعدو كل ما حدث أكثر من أناس انقضوا على السلطة ووضعوا لهم دستوراً يجعلهم يتحكمون ويسيطرون على كل شيء ؛ التجربة التي طالما تتكرر كل حين على شعبنا اليمني.

وفي ظل غياب الإرادة السياسية عن هذا الأمر وهي غائبة بالفعل وعن سبق إصرار وترصد ، وفي ظل صمت المجتمع وقواه الحية من مفكرين وكتاب وقوى سياسية وغيرهم عن المطالبة بأول حقوق المجتمع وأهمها فمن المتوقع ألاَّ يحدث تغيير يذكر في هذا الجانب وبالتالي ستكون سلطتنا القضائية القادمة ككل السلطات في عهد الأنظمة الفردية واللا ديمقراطية وسينسحب هذا الأمر على بقية المؤسسات والجهات، وبقية القضايا الوطنية من الجنوب إلى صعدة ، ناهيك عن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للبلد.

وإذا كان ما من همسٍ يمكننا أن نهمس به إلى آذان أولئك فنقول: إذا كان ولا بد من وضع دستورٍ بهذه الطريقة المشابهة لتلك في حقب سابقة ، فعلى أقل تقدير يجب أن يُعلن بأنه مؤقت نظراً لما تعيشه البلاد من ظروفٍ استثنائية ـ وسيكون ذلك مبررا وليس دائم لأن الدساتير الدائمة الوطنية هي التي تجد فيها ما يدل على الحرص على الوطن وتُحقق فيه مصالح الشعب وهذه لا تعد ولا تصاغ بتلك الطرق المشبوهة وغير الشرعية.