صنعاء والمبعوث الأممي والأجندة البريطانية للحل
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 4 أيام
الإثنين 02 إبريل-نيسان 2018 10:38 ص
 


أنهى المبعوث الأممي الجديد البريطاني الجنسية مارتن جريفث، أمس السبت زيارة إلى صنعاء كان قد بدأها في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس المنصرم، بعد أن أثار العديد من الأسئلة حول سر بقائه الطويل نسبيا في هذه المدينة، التي تفتقد إلى التنوع أكثر من أي وقت مضى، بعد أن غادرتها النخب السياسية والفكرية، وحتى العسكرية إثر عملية تجريف شاملة مارسها الحوثيون بتواطؤ صريح من الإقليم.


لست بحاجة إلى أن أدخل في رهان مع أحد لتأكيد أن هذا المبعوث لن يخرج من زيارته الطويلة إلى صنعاء، بنتيجة من شأنها أن تحدث اختراقا حقيقا في جدار الأزمة والحرب المستعرة منذ أكثر من أربعة أعوام ويشكل الحوثيون الطرف الرئيسي فيها، على الرغم من أنه التقى زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي، وهو اللقاء الذي لن يزيد عن كونه فرصة للتعرف على اللاعبين الرئيسيين في حرب اليمن.


لقد كان لدى المبعوث الأممي دليل تواصل أعده له على ما يبدو من الفريق البريطاني الذي عمل بعض أعضائه في صنعاء باسم الأمم المتحدة أيضا، وعلى رأس هذا الفريق جيمي ماكغولدريك المنسق الأممي السابق للشؤون الإنسانية، لا يهدف دليل كهذا إلى بناء الثقة المحفزة لتفاعل أكبر مع جهود هذا المبعوث الأممي، بقدر ما يهدف إلى بناء علاقات تترتب عليها مكاسب خاصة للحوثيين.
يتضح ذلك من خلال تصريحات أدلى بها رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي وهو الرجل الثاني في جماعة الحوثيين، التي طالب فيها من المبعوث الأممي نقل مكتبه إلى صنعاء والعمل منها في إنجاز مهمته.


والسؤال الذي يتعين طرحه هنا: يا ترى ما المكافأة التي ينتظرها المبعوث جريفث مقابل تحمله عبء التجاهل المتعمد، الذي مارسه الحوثيون بحقه عندما قرروا توجيه واحدة من أكبر ضرباتهم الصاروخية على السعودية، بينما يوجد هو في صنعاء من أجل البحث عن حل سياسي للأزمة والحرب.


لا إجابة سريعة على هذا التساؤل، لكن ثمة مؤشرات على خيبة أمل مبكرة لدى الحكومة اليمنية وتاليا السعودية من المبعوث الأممي، عكسها الإعلام الرسمي الموالي للشرعية. فقد تضمنت عناوين النسخة الحكومية من "صحيفة 26 سبتمبر" الناطقة باسم الجيش اليمني انتقادات صريحة ومباشرة للأمم المتحدة وحملتها المسؤولية عن إطالة أمد الحرب.


وكانت أحدث تصريحات السفير البريطاني الجديد لدى اليمن، مايكل إيرون، لصحيفة الشرق الأوسط، قد عكست استمرار النبرة المساندة للحوثيين والمتصالحة مع مهمتهم السياسية والطائفية. ويبدو أن بريطانيا ترمي بثقلها من أجل إقناع السعودية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين لإنهاء الحرب.


وثمن خطوة كهذه بالضرورة هو بقاء الحوثيين قوة مؤثرة ويصعب السيطرة عليها أو التحكم بها من جانب السعودية أو حتى من جانب إيران، ومن شأن نتيجة كهذه أن تُبقي السعودية تحت التهديد المنفلت والمتصلب، والمحمول بطموحات طائفية قديمة وإرث من الصراع على النفوذ في هذه المنطقة، بين حكام المملكة العربية السعودية والأئمة الزيديين في صنعاء، استغرق معظم النصف الأول من القرن العشرين الماضي، وانتهى بنتائج حاسمة لصالح السعودية.


من الواضح أن الدور البريطاني يزداد ثقلا وتأثيرا في الساحة اليمنية، ودور كهذا محكوم بهدفين يمكن القول إنهما متضادان نوعا ما. الأول يتعلق بالسعودية ومطالب تحقيق الأمن على حدودها الجنوبية، التي تتعمق في ظل تصورات واقعية بشأن إمكانية أن تنجح إيران في تأسيس "حزب الله" جديد في جنوب الجزيرة العربية. 


أما الهدف الثاني، فيتعلق في ضمان مكانة رئيسية للحوثيين بصفتهم الحركية الطائفية والسياسية المدججة بالسلاح، وهو أمر سيفضي بالضرورة إلى وضع الدولة اليمنية رهن إرادتهم يتحكمون بها كيفما يشاؤون.


بالتأكيد ليس هناك حساسية لا أوروبية ولا أمريكية من زيادة نفوذ الحوثيين في صنعاء، ولكنهم لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية الكبرى التي تربطهم مع الرياض، يضطرون إلى ممارسة النفاق السياسي، ويحاولون بوسائل عديدة جر الرياض إلى فخ التسوية المباشرة مع الحوثيين، وهذا سيكون على حساب الشرعية والطيف الواسع من المكونات اليمنية، والأهم من ذلك أن تسوية كهذه لن تضمن استقرارا مستداما في المنطقة.


إننا أمام أطراف دولية وإقليمية تتعامل مع اليمن بمنسوب أخلاقي منخفض جدا، ولا تكترث لطموحات هذا الشعب في تأسيس دولة الكرامة والديمقراطية والتعددية السياسة، ورغبته الملحة في دفن المشاريع السياسية التي تستند إلى النزعات الجهوية والسلالية.


يتعرض اليمن اليوم لموجهة إرهابية هي الأخطر في تاريخه، مصدرها اللاعبون الإقليميون والدوليون الذين قرروا قتل اليمنيين وتدمير مقدراتهم، ووضع كل الإمكانيات المادية والعسكرية والفرص السياسية بين يدي الجماعات التخريبية، ممثلة في الحوثيين والتشكيلات العسكرية الانفصالية في الجنوب.


لذا لا عجب أن يمضي المبعوث الأممي كل هذا الوقت في صنعاء، كما أمضاه من قبله المبعوثان الدوليان السابقان جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ، اللذان أسهما في مضاعفة الرصيد السياسي للحوثيين، والتغطية على الخطة التدميرية للتحالف التي تستهدف السلطة الشرعية وتطلعات الشعب اليمني.