استراتيجية الدماء واستراتيجية السلمية: من ينتصر؟
بقلم/ سعيد البصير
نشر منذ: 13 سنة و يومين
الأربعاء 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 05:27 م

لعل المفكر الصيني ماو تسيتونج صاحب المقوله الشهيرة \" السياسة هي حرب بلا اراقة دماء والحرب هي سياسة تريق الدماء\" لم يكن يتصور بان هناك حالة ثالثة تقوم فيها السياسة ايضا باراقة الدماء. هذه الحالة الشاذة هي احد ابتكارات الرئيس اليمني وعائلته الحاكمة حيث يقوم بسفك دماء اليمنيين باسم السياسة. بالنسبة للجندي والمواطن اليمني يسترخص حياته عندما يتعلق الامر بالدفاع عن الوطن تربة أو كرامة, ولكن أن تزهق الأرواح وتسفك دماء اليمنيين دفاعا عن بقاء عائلة فهذا امر لا يمكن قبوله لا عرفا ولا قانونا.

في بدايات الثورة الاولى, عمدت العائلة الى سفك دماء العشرات من دماء اليمنيين في لعبة قذرة كان هدفها ارهاب الثوار واثارة الرعب في نفوس اولئك الذين قد يفكرون بالانضمام اليهم. بل تعدت السلطة الحدود الوطنية وارسلت اشارات متعددة ان استمرار الازمة يعني لجوء العائلة الى تفجير حربا اهليه وهو ما يعني تحمل الدول المجاورة وخصوصا السعودية ويلات ذلك. لسوء حظ العائلة فان كل تلك الاشارات لم تقرأ بحسب هواها بل قرأها الثوار والمجتمع الدولي ايضا على انها اشارات ضعف لا قوة. ولعل اشارة المبادرة الخليجية في بندها الاول صراحة على التنحي الفوري للرئيس دليل على ذلك, فلو أن السعودية قرأت اشارات النظام على انها اشارات قوة لكانت الاستجابة مختلفة. بل الاسوء من ذلك بالنسبة للعائلة الحاكمة هو ان تلك الدماء اصبحت عبئا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا شكلا كابوسا مزعجا لها ولكل أزلامها.

لا يختلف اثنان بان العائلة الحاكمة اصبحت اليوم مقتنعة باستحالة بقائها في دار الرئاسة. ولكن العائلة مازالت تبحث عن المسكن لان خياراتها اصبحت محصورة بين النفي او السجن او القتل كعائلة القذافي واي من هذه الخيارات له من المرارة والقسوة حظ وافر. وان كان هناك من يرى بان النفي الاختياري خارج الوطن هو ايسر الخيارات وأكثرها أمنا, فانه وبقليل من التمعن نستطيع ادراك ان العائلة قد جعلت خيارا كهذا أكثر خطورة. لقد غرقت العائلة في الدماء واصبحت امكانية ملاحقتها قانونيا امام المحاكم الدولية امرا واردا بل ويسيرا نظرا لتوفر الادلة الكافية ولان كثيرا من الدول والمؤسسات العدلية الدولية لا تعترف باي ضمانات لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الانسان.

اذا ما المخرج؟ من وجهة نظر النظام فان هناك طريقا رابعا. هذا الطريق الرابع يتمثل في سفك المزيد من الدماء ربما كمحاولة اخيرة لفرض شروط معينة من باب \"وضع رجل في السلطة ورجل أخرى في المعارضة\" ربما عن طريق الاحتفاظ بقيادة الحرس الجمهوري واخراج هذه النقطة من أي تسوية سياسية وبهذا تضمن التحكم في اي توجهات للحكومة المقبلة لمحاسبتها عن جرائمها. هذا الأمر يبدو واضحا من خلال متابعتنا لخطوات رأس النظام والذي طالب في أحد خطاباته الأخير بالحصول على ضمانات خليجية و أوروبية وأمريكية. ان ما يخيف المواطن اليمني الذي يعاني الأمرين جراء العقايب الجماعي الذي تقوم به سلطة على عبدالله صالح هو استمرارحالة الاستعصاء والجمود بسبب غياب الحلول التي تتناسب مع عمق الأزمة، وبسبب طغيان الحلول السياسية لصالح الحلول الأمنية على الأقل حتى الأن، فالمواطن لايفهم ان الحرب في الحصبة او تعز او أرحب هي تكتيك تقوم به السلطة ام انها مقدمات حرب أهلية. ما يفهمه المواطن هو أن كل طلقة تعني مزيدا من الانحدار الى وضع أكثر خطورة. مساعي النظام لتصوير الثورة على انها أزمة سياسية لم تفلح ولكنها على الاقل قد اعطت انطباعا سلبيا لدى الكثير من الاطراف الاقليمية والدولية أن الثورة في اليمن ليست بيد الثوار ولكن بيد المعارضة السياسية, ولعل بعض التصريحات غير الموفقة لبعض قيادات المعارضة في بدايات الثورة بانهم يستطيعون اقناع الثوار باي حل سياسي يتم التوافق عليه قد ساعدت السلطة كثيرا في هذا الجانب. وهكذا اصبحت السلطة ومعها الاطراف الدولية تتعامل مع الثوار كوجه اخر للمعارضة وليس كطرف يجب ان تؤخذ مطالبه الخاصة بالاعتبار. احد العوامل الاخرى التي ساعدت في اطالة حالة الجمود هو ان الولايات المتحدة عجزت حتى الان في الاقتناع بان المعارضة المفترض انها ستخلف السلطة القائمة ممكن ان تكون شريكا كفؤا. طبعا الكفاءة المقصودة هنا ليست الكفاءة الادارية للدولة ولكن الكفاءة في تلبية الطلبات الأمريكية والتي عادة تكون متعارضة مع الاسس السليمة للعلاقات بين الدول, اذ ان امريكا اقامت علاقتها مع نظام على عبدالله صالح –على الاقل خلال السنوات العشر الاخيرة- على اساس التابع والمتبوع.

عامل أخر يتعلق بالسياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الاسط. فبعد قرار الإدارة الأمريكية الانسحاب من امريكا يدور الحديث حول جديتها او قل بداية تنفيذها لخطتها المرسومة سلفا وذلك بالبحث عن تعويض استراتيجي عن خروجها من العراق وذلك بتقوية وجودها في الخليج. واذا عرفنا بانها اصلا موجودة بقوة في الخليج, فان حديثا كهذا ربما ينبي عن تغيير في شكل هذا التواجد وطبيعة العلاقات التي تربطها مع تلك الدول. ولأن اليمن تمثل العمق الاستراتيجي للخليج وفي ظل السياسة الخارجية العقيمة للسعودية فان اليمن تصبح ذات شأن للإدارة الأمريكية.

رغم ان السياسة الامريكية معروف عنها انها سياسة مؤسسات وليس نزوات فالمراقب يذهل عندما يعرف بان الإدارة الأمريكية لم تقم خلال الفترة الماضية باقامة أي روابط سياسية حقيقية مع المعارضة وهذا ان دل على شيء فانما يدل على قدرة علي عبدالله صالح على اقناع الامريكيين بان حكمه ثابت ولا خوف عليه ولذا تراخت الإدارة الأمريكية في بناء روابط مع المعارضة. ونتيجة لذلك فان أمريكا اليوم في مأزق حقيقي فهي من جانب تدرك ان على عبدالله صالح قد انتهى سياسيا ولكنها من جانب أخر تحاول اغماض عينيها عن رؤية هذه الحقيقة للأسباب المذكورة أعلاه ولانها تدرك بانه لايمكن لها ان تجد وضعا افضل من الوضع الذي منحه اياها نظام على عبد الله صالح. لا يمكن باي حال من الاخوال اتخاذ اي قرارات بناء على التصريحات للمسؤولين الامريكيين ولعل مواقف الثورة المصرية تكشف ذلك حيث كانت تصريحات الادارة الامريكية تتبدل بحسب معطيات الواقع الميداني في مصر. من هنا فانه يجب علينا ان ندرك بان الحل هو حل داخلي وانه لا سبيل آخر سوى الاستمرار بالتصعيد السلمي للثورة وعندها فقط ستفهم الاطراف الدولية انها تتعامل مع ثورة فرضت نفسها وليس مجرد تظاهرات كما تحاول العائلة الحاكمة تصويرها للخارج. نجاح المعارضة بتقوية الجبهه الداخلية امرأذهل النظام العائلي بل والإقليمي والدولي واسقط كثيرا من الاوراق الرابحة في يد علي عبدالله صالح ولكن يجب في نفس الوقت العمل من الان على وضع اسس قوية لاستمرار هذا التحالف في مرحلة مابعد السقوط الحتمي للعائلة على الاقل خلال الفترة الانتقالية نظرا لحساسية تلك الفترة. واذا كان هناك من يعتقد بان تشكيل المجلس الوطني كان مجرد ترف سياسي لدى المعارضة حيث انه لم يغير شيئا من الواقع قانني أعتقد أنه احدى خطوات الحفاظ على تماسك المعارضة في المرحلة الانتقالية ولهذا فاهميته ستبرز هناك وليس الان. ان النهج السلمي للمعارضة والثورة قيد النظام بقيود لم يعد لها عدة, اذ انه كبقية الانظمة الدكتاتورية أعد نفسه للنزال بالسلاح ولكنه الان يجد نفسه عاجزا عن منازلة سياسة الصدر العاري. لذا لا خوف على ثورتنا ما تمسكت بسلميتها.