في مجمل النقاش الدائر حول سير الأحداث ـ كتابة وحديثا ـ بين ناشطي الحراك وغيرهم , يحتل شمال اليمن حيزا كبيرا منه . وغالبا ما يهدف لإثبات سلبية رجال الشمال في التعامل مع الحدث . يكتبون ساخرين عن تأخر حسم معارك تبة المصارية وفرضة نهم , ومحافظتي مأرب وتعز , وأنها مجرد تمثيل وترتيب تقوم به المقاومة للتكسب من التحالف أو لحسابات سياسية أخرى . وبدلا من ذلك كان الآجدر بهم النظر لما في الجنوب من تدهور . وتوجيه الكتابة والنقاش نحو ما يسهم في تحقيق حلم أهله بالعدل والأمان . الحراك اليوم سلطة الجنوب , فلماذا لايتوجه إعلامه لمعالجة مايحدث من تفلت وعنف وفساد فيه . وبدلا من اللمز حول تبة المصارية وفرضة نهم , لماذا يترك جولة ( كالتكس ) بمحافظة عدن ؟. كم أشهر مضت منذ تحرير المحافظة ومازالت قيادتها السياسية والأمنية ـ المنتمية للحراك ـ عاجزة عن تطويق ما يحدث في محيطها من إغتيال وعنف . وبدلا من الغمز حول تحرير محافظتي مأرب وتعز , لماذا لا يلتفت لما يحدث في محافظة عدن , ومدينة عتق عاصمة م / شبوة . شهدت عدن خلال شهر فبراير فقط , تنفيذ ( 12 ) عملية اغتيال , و ( 9 ) عمليات فاشلة , و ( 12 ) عملية تفجير بسيارات وعبوات , استهدفت المباني الأمنية والحكومية ونقاط تفتيش , و ( 6 ) اشتباكات مسلحة . وخلفت هذه الحوادث وراءها عشرات القتلى والجرحى ومزيدا من الدمار والترويع . وشهدت مدينة ( عتق ) في شهر فبراير 6 حالات قتل ’ و 8 إصابات , و3 عمليات خطف . ناهيك عما تشهده المدينة يوميا من حالات بسط ونهب ومواجهات مسلحة وخطيرة في شوارعها . تحدث كل تلك الجرائم في محافظة صغيرة ومدينة أصغر وعلى أرض ليست بالوعرة المجهولة . فلماذا لا نجد إعلاما متذمرا من هذا الوضع , أو لمزا أنه تبادل منافع وترتيب مواقع وتصفية حسابات ؟. ولماذا تقف السلطة سياسيا وعسكريا وأمنيا موقفا سلبيا ؟ . لماذا لا تقوم بفرض الأمن وضبط الجناة وفضح من وراءهم ؟. ماذا تنتظر ؟ هل مهامها تقتضي حماية المواطن وتأمين الوطن ؟ . أم أنها تقوم بتنفيذ مهام تخدم سياسات ومصالح أخرى ؟. وليس الوطن والمواطن من بنودها . وعلى هذا النمط ـ قريبا ـ ستدعو السلطة القبائل والسكان للقيام بدورها في حماية مصالحهم . وسيبدأ كل مربع سكني وإنتماء قبلي وجهوي في اتخاذ اجراءاته الخاصة لحماية أنفسهم وأسواقهم ومدنهم . وعندها سيصل الأمر إلى صراع حدود وتنافس زعامات . إن ما يقع من أعمال إجرامية وما يحدث أمامها من تهاون لا يحقق مكسبا لمن يغمر قلبه حب الوطن والإنسان . إلا مكسبا تريده منظومة إجرام وحقد . فهي تبعث رسائل إثبات قوة وفرض نفوذ , وترسم صورة تجسد وطنا منهارا , يتلاشى كل ما فيه من جمال وأمان وخُلق وإيمان . وشتان بين عين تبحث عن الخير والهدى . وعين تبحث عن القتل والدماء .
عبر سنين كم كتبت عن أخطاء الحراك . عن عشوائية خطواته وعدم وضوح خططه وارتجالية قراراته وتفكك تنظيمه وإزدواجية قياداته وناشطيه . وكم نبهت أن إدارة الدولة وبناء النظام يحتاج لأكثر من العاطفة والحماسة . واليوم تبين هشاشة مكونهم وضعف إدارتهم وتخبط كوادرهم . في عدم تمكنهم من إدارة محافظة , وتأمين مدينة . فكيف بدولة ؟!. بات اليوم مؤكدا , أن هناك من يعبث بالعقول ويحرك الدمى , لتنفيذ لعبة خطيرة . لم تبدأ أشواطها الإضافية بعد .