أساطير ثورية.. هل هناك كيان أسمه «شباب الثورة»؟
بقلم/ عبدالناصر المودع
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الثلاثاء 20 ديسمبر-كانون الأول 2011 10:58 م

خلال الثورة تحولت بعض الأفكار الخاطئة والمشكوك فيها لتصبح حقائق مطلقة، دون أن تحلل وتمحص بشكل كافي، ورغم أن بعض من هذه الأفكار قد تكون مفيدة في أوقات وظروف معينة، إلا أنها تصبح مشكلة في أوقات أخرى، حين تحجب الروية عن الكثيرين فلا يستطيعون قراءة الواقع قراءة صحيحة فيخلطون بين الأوهام والحقائق. ومن أجل توضيح الصورة، خاصة للشباب، فقد ارتأيت في هذه السلسلة من المقالات تفكيك هذه الأفكار على أمل إيضاح الصورة. وفي هذا المقال سأحاول تفكيك مقولة شباب الثورة.

بعد قيام الثورة المصرية، أطلقت بعض وسائل الإعلام لقب شباب الثورة على من قام بالثورة، استنادا إلى الطريقة التي تم فيها إشعال الثورة، والتي تمت من خلال قوى شبابية، لا تنتمي في معظمها لأحزاب سياسية. ورغم أن من قاد الاعتصامات والاحتجاجات فيما بعد كانت قوى سياسية محترفة، إلا أن صفة شباب الثورة، وثورة الشباب المرادفة لها، ظلتا ملازمتين للثورة المصرية حتى نجاحها في 11 فبراير 2011. وفي اليمن وبعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس على عبدالله صالح عقب سقوط نظام حسني مبارك مباشرة، أُطلق على من قام بهذه الاحتجاجات صفة شباب الثورة تأسيا بالثورة المصرية ورغبتا في استنساخها. ومنذ ذلك الحين ومصطلح (شباب الثورة) يتداول وكأنه يشير إلى كيان سياسي قائم بذاته ومختلفا عن القوى السياسية المعروفة، ويتولى إدارة «الثورة» من قبيل تنظيم الاحتجاجات، وإدارة ساحات الاعتصامات، وتنظيم المظاهرات، واتخاذ المواقف مما يطرح من مبادرات وغيرها من النشاطات التي تنسب له في وسائل الإعلام.

ولم نجد في التحليلات السياسية لمن يتبنى فكرة وجود كيان «شباب الثورة» من يتولى تعريف هذا الكيان من حيث بنيته التنظيمية، والأهداف التي يسعى لتحقيقها، والفكر الذي يعتنقه، وعلاقته بالقوى السياسية الأخرى. وهي أمور تجعل من الممكن التعامل مع كيان سياسي حقيقي وليس كيان هلامي لا وجود له.

أن متابعة سير الأحداث، منذ بدايتها وحتى الآن، يكشف غياب لكيان سياسي قائم بذاته أسمه شباب الثورة. فعندما بدأت حركة الاحتجاجات في يوم نجاح الثورة المصرية، لم يتعدى الأمر حالة من التعبير عن الفرح والابتهاج بذلك الحدث، وحين قامت المظاهرات المطالبة بسقوط النظام، كانت هذه المظاهرات تدار من قبل نشطاء سياسيين ينتمي معظمهم لأحزاب سياسية، كتوكل كرمان وخالد الأنسي وسامية الأغبري ومحمد الظاهري وأحمد سيف حاشد وغيرهم، وهؤلاء لا يمكن القول أنهم شباب عفويون غير سياسيين، وهي الصفة التي تطلق على شباب الثورة. وحين تحولت هذه الاحتجاجات إلى ساحات اعتصامات دائمة، أصبحت تدار من نشطاء تابعين لقوى سياسية معروفة، ومن ثم أصبحت هذه الساحات تدار بشكل فعلي من قبل القوى السياسية. وهذه الحقائق تؤكد أنه لم توجد حركة عفوية، فيما يسمى شباب الثورة منفصلة عن أحزاب المعارضة والقوى المتحالفة معها.

اننا حين نقول أنه لا وجود لشيء أسمه شباب الثورة فإننا نقصد بذلك غياب كيان بهذا الاسم بالمعنى التنظيمي، لكننا لا ننكر أن هناك الكثير من الشباب «المستقلين» – بالمعنى التنظيمي - الذين يشاركون في الاعتصامات والاحتجاجات، إلا أن هذه المشاركة، ما كان لها أن تكون وتستمر دون إدارة وتنظيم من قبل قوى المعارضة، فدور الشباب غير التابع للقوى السياسية، يقتصر على تنفيذ الخطط والأهداف التي تديرها وتخطط لها القوى السياسية المعارضة للنظام، والتي تملك موارد مالية وبنية تنظيمية سياسية. ويعرف المشاركون، في المظاهرات والمعتصمون في الساحات، أن هناك قوى محددة تدير جميع النشاطات، من تسمية الجمع إلى تحديد النشاطات والفعاليات في المنصات، وكذلك مواعيد المظاهرات ومسارها والشعارات التي ترفع فيها. وهذه القوى معروفة للجميع والتي هي: حزبية (أحزاب اللقاء المشترك وتحديدا حزب الإصلاح) وقبلية (أبناء الشيخ الأحمر وتحديداً الشيخ حميد) وعسكرية (اللواء علي محسن الأحمر). ومع ذلك فإن مشاركة الشباب وغير الشباب، ممن لا يتبع القوى التي تدير الاحتجاجات، لا يعني بأنهم ليسوا سوى قطيع يقادون بدون وعي من قبل هذه القوى، كما يردد الرئيس صالح وإعلامه، إذ أن الواقع يشير إلى أن الكثير منهم يحركهم في الأساس دافع الرغبة في التغيير السياسي وبناء نظام سياسي جديد.

لقد ساهم في خلق كيان «شباب الثورة» أطراف كثيرة من بينها السلطة والمعارضة ووسائل الإعلام وتحديداً قناة الجزيرة، فالسلطة حين شاركت في خلق هذا الكيان، أرادت الإيحاء بأن حركة الاحتجاجات لا تعدوا من أن تكون مطالب حقوقية للشباب تتعلق بالوظائف ورسوم الجامعات وغيرها من القضايا المطلبية. وهي قضايا قامت السلطة بتركيز الأضواء عليها، خاصة في بداية الاحتجاجات، وأطلقت الكثير من الوعود لحلها، كتوظيف الآلاف من الشباب، وتخفيض الرسوم الجامعية، وغيرها من القضايا التي أعتقد الرئيس صالح أنه بحلها سينهي الثورة. وقام الإعلام الرسمي بإبراز الآثار الإيجابية لهذه الوعود والقرارات على الشباب. واستضافت وسائل الإعلام الحكومية بعض الشباب ممن قيل أنهم كانوا من المشاركين في الاحتجاجات والاعتصامات، ليقولوا أن مطالبهم تحققت وأنه لم يعد هناك من سبب للاعتصامات والاحتجاجات، وأن «شباب الثورة الحقيقيين» انسحبوا من الساحات ومن تبقى فيها ليسوا إلا أفراد تابعين لأحزاب المعارضة.

إلى جانب ذلك استمر معسكر الرئيس صالح في ترديد مقولة أن أحزاب المعارضة واللواء علي محسن وأولاد الشيخ الأحمر، قد تسلقوا على مطالب الشباب ليحققوا مكاسب خاصة بهم. وقد أدت هذه المقولة إلى حشد جزء من السكان إلى صف الرئيس.

من ناحيتها استخدمت المعارضة، كيان شباب الثورة الوهمي، لأغراضها الخاصة، كان من أهمها التستر خلف هذا الكيان لإخفاء أجندتها السياسية، والقول بان ما يحدث لا علاقة لها به وإنما هي ثورة شبابية منفصلة عنها، وأن دورها يقتصر على الدعم والمساندة المعنوية والحماية. وقد هدفت المعارضة من ذلك إلى تبادل الأدوار فيما بينها وبين كيان شباب الثورة، فمن ناحية تتولي هذه القوى العمل السياسي، بما يعني ذلك من مناورات وحلول واقعية، فيما تترك لما يسمى شباب الثورة اتخاذ المواقف المتشددة، وهي مواقف تصاغ عمليا داخل أروقة هذه القوى. وهذا السلوك لا يعد بالأمر المعيب سياسيا، فالمعارضة حين كانت تستخدم ضغط الساحات فإنها كانت تستخدم ما تملك من أوراق للحصول على تنازلات من السلطة، التي لم يكن بالإمكان الحصول عليها لولا ضغط الشارع.

يعلم الجميع أن ساحات الاعتصامات الدائمة، خاصة ساحة التغيير في صنعاء، ليست سوى معسكر أو مدينة مصغرة، كما وصفتها صحيفة أمريكية، ففي هذه الساحة هناك قيادة مركزية تتولى تنظيمهاً وحفظ الأمن فيها، وتوفير المستلزمات المعيشية للمعتصمين والإداريين، وهذه المهام تتطلب موارد مالية كبيرة وجهاز إداري كفء وبدونهما لم يكن بالإمكان استمرار الساحة وغيرها من الساحات الشبيهة هذه الفترة كلها. وبما أن الأمر على هذا النحو فإن الشباب العفويين لا يمكنهم أن يديروا ساحة بهذا الحجم وبهذه الطريقة، إلا لأيام معدودة، في أحسن الأحوال.

وهناك سبب أخر ينفي وجود ما يسمى «شباب الثورة» يتمثل في حقيقة أن الأحزاب والقوى السياسية في جمع دول العالم لا تتشكل على أساس العمر، فلا وجود لأحزاب للشباب أو الكهول. فالأحزاب السياسية تتشكل على أساس الانتماء العقائدي أو الطائفي أو الديني أو المصلحي/الطبقي. وما يؤكد هذه الحقيقة نتائج الانتخابات في تونس ومصر والتي لم تفرز أي كيان حزبي اسمه الشباب على الرغم من إنشاء أحزاب لما يسمى بشباب الثورة في هذه الدول، إلا أنها لم تحرز أي نتائج تذكر. وسينطبق الشيء نفسه على اليمن، ففي حال أجريت الانتخابات في المستقبل فإن من المتوقع أن تفوز فيها الأحزاب الحالية، وتلك التي ستنشأ على الأسس التي ذكرناها، فيما لا يتوقع للكيانات الشبابية، التي أعلنت في الساحات أو التي ستتشكل في المستقبل تحت لافتة (شباب الثورة) أي وجود حقيقي في الحياة السياسية، لأن هذه الكيانات، إن وجدت، ستكون عبارة عن تجمعات صغيرة من الشباب الذين لا يجمعهم رابط إيديولوجي حقيقي وتنقصهم الموارد المالية اللازمة للعمل السياسي الحزبي، والمختلفون بشكل دائم وهي السمة الغالبة للكيانات التي يعلن عنها في الساحات.

أن نفي صفة شباب الثورة، وثورة الشباب المرادفة لها، عن ما يحدث في اليمن ونسبها للقوى السياسية المعارضة، لا ينتقص من شرعية الثورة، فشرعية الثورة تكمن في لا شرعية النظام الذي ثارت ضده وليس في طهارة الثوار كما يحاول النظام أن يروج له، فلا يضير الحق أن يطالب به فاسق أو ظالم.

أن الهدف من هذا المقال ليس الدخول في جدل بيزنطي حول تسمية الثورة، بقدر ما هو توضيح للمشهد السياسي، كي يمكن فهمه والتعامل معه بعيدا عن الأوهام والأحلام التي سادت خلال المرحلة الراهنة.