مع الرئيس صالح.. موقفي من الزيدية وصاحب السُّقَيْفة.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 3 أشهر و 20 يوماً
الخميس 13 يوليو-تموز 2023 08:21 م
 

 قال لي الرئيس علي عبدالله صالح بداية حرب صعدة الرابعة في دائرة لقاء ضيقة : وأنت ما علاقتك بهؤلاء الحَوَثة(يقصد علاقة مذهبية فكرية) قلت له هؤلاء شباب زيدي مظلومين، والوحدة اليمنية صهرت الشافعي والزيدي، وأنا ليس مع خيار الحرب)).

وطلب لحظتها من عمار محمد عبدالله صالح إبن أخيه كتاباً قرأه الليلة الماضية ليطلعني عليه. كان كتاب تربية إسلامية لصف سادس ابتدائي، وضع الرئيس من قبل على بعض سطور إحدى صفحاته علامات بلون أصفر فسفوري، وطلب من أحد الحاضرين القراءة : ((من كنت مولاه فعلي مولاه من بعدي).

قلت له : هذا المقتطف من الحديث لا يستشهد به الزيدية ولا يقرون إنه وصية بالحكم لعلي وذريته، بل الهادوية الباطنية والجارودية.

وأشار صالح إلى فهرس أسماء مؤلفي الكتاب المدرسي، ومنهم أحد المتمذهبين. قال مازحاً: باين ما تقرأ في التاريخ ..

وخلليك وكتاباتك عن الماركسيين. لخص الرجل لي بذلك وباختصار شديد دوافع حرب صعدة، وبدأت صورتها تكتمل لجهة ما قرأته أيضاً بحذر شديد في بعض ملازم ومحاضرات حسين بدر الدين الحوثي(الإيمانية في وجه المستكبرين) وإن سبب نكبة الأمة الإسلامية هو عمر بن الخطاب وبيعته مع الصحابة بالخلافة لأبي بكر الصديق رضوان الله عليهم.

. ولتصحيح وضع الأمة المسلمة لابد من عودة الحكم والإمامة إلى أهلها الأمناء برؤية حسين الحوثي.

تغيرت قناعتي أكثر إن الصرخة وشعار الموت لأمريكا وإسرائيل مجرد غطاء تعبئة لإخفاء نوايا انقلابية أبعد، تعززت مع تمسك الأب بدر الدين الحوثي المعلن في مقابلة صحيفة الوسط معه قبل حرب صعدة الثانية بحق ولاية البطنين.

لم تكن حرب الدولة على الحوثيين بنظري الخيار المناسب لكارثة معتقدية ثقافية بهذا الحجم، لكن كل طرف اعتبرها مصيرية مع تعنت الحوثيين أكثر وتوسيعهم خارطة القتال لاحقاً.

كتبت مقالاتي السابقة عن الحوثيين التي أزعجت الرئيس صالح من مخزون التأثر بفكر ومعتقدات الزيدية الثورية التي اعتقدت انتسابهم لها خطأً، وكذلك بسبب نظام الرجل المُعاند الرافض لإصلاحات دستورية في نظام الإنتخابات البرلماني وادارة مؤسسات الدولة الذي وصل إلى طريق مسدود.

إنطلت مزاعم ودعاوى تدثر الحوثيين بالزيدية على مناوئي صالح الحزبيين أيضاً ، وأن حروب صعدة سوف تضعف نظام صالح العسكري وحده وتقوية المعارضين. ضحك عبدالملك الحوثي حتى على الزيدية المذهبية والحزبية التي انخرط جزء منها معه ككتلة سياسية إجتماعية بمشروع وثيقة تحالف قبل اكتشاف معظمهم لاحقاً إنحرافه لصالح مشروع حكم عائلي عنصري موالي لإيران وولاية الفقيه قام على دماء وأشلاء أبنائهم وأقاربهم في الجبهات.

* مفترق طرق الزيدية *

بعض النخب المحسوبة على الزيدية اليوم رغم جئيرهم العالي بالشكوى ونكبتهم أكثر من غيرهم بما أوصلت إليه همجية وظلم مشروع صعدة البلاد والعباد في كل اليمن، لا يزال في وضع المنزلة بين المنزلتين، وتبرير منكرات الممارسة الظالمة للحكم.

وما يعتبره مستشار معروف مثل الأستاذ أحمد علي محمد جحاف في مقال أخير له عن سقيفة بني ساعدة أعاد نشره من مشروعية مطالبة المعارضين للحوثي بنظام حكم عادل، يعلن نقيضه تماماً في نهاية السطر مباشرة بتزكية صحة دعاوى عبدالملك الحوثي بالحق الإلهي في الحكم بنص الوصية(حديث الغدير))..

وعند جحاف هذا((إن من يؤمن بالأصطفاء يستندون إلى نصوص واضحة وقوية، والولاية هي نصية يؤمنون بها، وذلك حق لهم، ألمهم يكون ذلك بالاختيار وليس بالفرض)).

مراوغات فكرية كهذه أضرت بأهل الزيدية قبل غيرهم، تقوم على تأكيد خرافة مزاعم الولاية والاصطفاء كأمر واقع بقوة السلاح، ولا تؤكد إن حاملي مجامر السلطة أفضل وعياً من عبدالملك الحوثي بتزيين أوهام الولاية.

ألزيدية الحقيقية المضطهدة الآن تبدو على مفترق طرق بعد أن شبعوا من ولاية أصحاب مَرَّان وحيدان وجامع الهادي، وجربوا وَقْع مَكْوى حاكميتهم وهمجيتها الغاشمة.

ولا يستطيع عبدالملك وإخوته وأصهاره الهروب من أزمته الداخلية العميقة بالحروب كالعادة، فالمخزون الزيدي البشري(فينيش) ومن بقي من شباب العائلات الزيدية الهاشمية المتضررة لن يشرب من الكأس نفسه عشرات المرات. إستنفذ عبدالملك الحوثي توظيف غطاء الزيدية كمذهب عقيدي وفكري وطاقة بشرية وأفرغ مضمونه الأنساني من مقاومة الظلم إلى تكريس الطغيان والأستبداد في أبشع صوره.

حتى إن من يحاول إنصاف الوجه الحقيقي للمذهب الزيدي وعدالته يضرب المختلفون معه المثل بنموذج تسلط عبدالملك الحوثي الكارثي، فكل ما هو من الهضبة وأحراش صعدة عندهم زيدي بالضرورة ولو كان بعضهم مظلومين.

ومن يتحدث عن يوم السقيفة وواقعة التحكيم والقرون التي شبع أهلها موتاً، ويطالب ناس هذا الزمان بتركة أجداده المزعومين وبحقوق وهمية يرفعها كقميص عثمان، إنما يتواطأ بخبث مع الظلم القائم اليوم في عقر داره ويشغل الناس عن الجاني الحقيقي الذي سرق لقمة العيش من أفواه اطفالهم وأوصل أحوالهم وكرامتهم إلى الحضيض.

ومن يتحدث عن حجة الوداع ويوم الغدير في خم قبل ١٤٤٠ سنة كغنيمة يتهرب من يوم الغَدْر الذي وقع في صنعاء قبل ٨ سنوات فقط عندما رفع قطاع الطرق والمفسدون في الأرض شعارات تظاهراتهم لأسقاط جرعة البنزين.

وكأن المعاناة المريرة المشتركة لكل اليمنيين بفعل سلطة القهر والأستبداد الحوثي لا تقرب مسافة المصير الواحد. وما لم يقله المستشار أحمد جحاف إن أسلوب وطريقة ممارسة عبدالملك الحوثي وعائلته للحكم الإستبدادي الظالم أسوأ من ادعاءآته المذهبية بالحق الإلهي والوصية والوراثة السلالية مما قد يتجاهلها الناس بالعدالة. ويتفهم عقلاء الزيدية والهاشمية المتبرئين من ظلم الحوثي إن مخزون السخط الشعبي العام عليهم من واقع قهري وحكم جاهل مستبد باسم الواجهة الاجتماعية والمذهبية لهم.

وبقي الكثير لتمييز هؤلاء أنفسهم عن الطغاة والمستبدين وإنكار جرائمه باسمهم، لتعرف الناس الفرق بين أتباع الإمام زيد بن علي الأصليين، وأتباع عبدالملك الهادويين الضالين.