المسلسلات لا تقدم تاريخا..
بقلم/ د. قائد غيلان
نشر منذ: 7 أشهر و 3 أيام
الجمعة 29 مارس - آذار 2024 10:55 م

المسلسلات لا تقدم تاريخا، بما في ذلك المسلسلات التاريخية، فعندما يتناول أي مسلسل شخصية تاريخية هو يقدمها من حيث هي مادة فنية لا تاريخية، أي إن المتعة والفن هما الغرض الأساسي من أي عمل فني. إن كل المسلسلات اليمنية التي تُعْرَض لا تقدم تاريخا لمنطقة أو مدينة، وإنما تقدم مادة للفرجة والمتعة الفنية. ومن هنا فإن الاعتراض على عدم إتقان اللهجة الفلانية أو الاعتراض على التنوع اللهجي داخل العائلة الواحدة في مسلسل معين هو اعتراض في غير محله، لأن الغرض كما أسلفنا ليس تقديم تاريخ أو فيلم وثائقي عن منطقة معينة بل تقديم عمل فني خالص. قرار التنوع اللهجي في الأعمال الدرامية هو قرار قديم، حيث كانت كل المسلسلات تقَدَّم باللهجة الصنعانية، فاعترص الناس حينها على ذلك التكريس للمركزية وهيمنة مدينة واحدة وبيئة واحدة ولهجة واحدة على كل المسلسلات، فكان أن تركوا لكل ممثل التعبير بلهجته الخاصة تخلصا من ذلك المأزق المناطقي. 

 يعترض البعض على اللهجة البدوية في مسلسل #دروب_المرجلة إذ يعتبرونها لهجة لا تمثل اللهجات البدوية في اليمن، فيقول أحدهم أنا من مأرب وهذه ليست لهجتي، وآخر يقول إنه من الجوف أو شبوة أو أبين وتلك ليست لهجته، وهذا يعني أن المسلسل اخترع له لهجة خاصة به هي خليط من لهجات المسلسلات الأردنية والسورية، فيحسّ اليمني أنه يشاهد مسلسلا غريب الوجه اليد واللسان، مسلسلا مختلفا عن بيىته ولهجته. 

حرص المسلسل على عدم تسمية منطقة بعينها لكنه تناول قضية التقطُّع والسلب والنـ ـهب والقـ ـتل، وهي حوادث تتركّز بين محافظتي مأرب والجوف، وأبناء هذه المناطق وإن لم تذكرهم تحديدا فهم يعلمون ضمنا أنك تقصدهم، وأنك تسيء إليهم مرّتين، مرّة حين تشير إليهم بأصابع الاتهام وإلصاق تلك الحوادث بهم، ومرّة حين تشوِّه لهجتهم وتقدم بيئتهم بطريقة لا تمثلهم ولا تشبههم، كما تقدِّم نساءهم على أنهن أكثر رجولة وشهامة من رجالهم، فأنت في نظرهم تسلبهم أهم ما يفاخرون به وهو الشجاعة والشهامة والكرم وتقدمهم على أنهم سرَق وقتلة وقُطّاع طرق، وإن قدمت التقطع والنهب أعمالاً يستنكرونها ويرقصونها ويحاربون من يقوم بها، لكن التقطع موجود ومستمر ولديه من يحميه داخل تلك البيئة نفسها وإن صوَّر المسلسل من يقوم بذلك فئة صغيرة محدودة ومنبوذة، فأنت لا تستطيع المرور من تلك المناطق إلا بسائق من أبنائها يتقاضى على تلك الخدمة مبالغ كبيرة، وذلك نوع من الابتزاز المشرعن الذي لا يستطيع المسلسل التقليل من بشاعته وحصره في مجموعة خارجة عن القانون وأعراف القبيلة.

يقدم المسلسل صورا متناقضة للبيئة البدوية، فهو يقدمهم على أنهم يمتلكون أحدث السيارات وفي ذات الوقت مازلوا يستخدمون الحطب في الطهي، فمن باب أولى مادام وصلتهم السيارات الحديثة أن يكون قد وصل إليهم الغاز المنزلي، فمن غير المعقول أن المرأة عندهم تقود سيارة حديثة وتحمل رشاشا آليا غالي الثمن وتستخدم تنورا يعمل بالحطب. هكذا يظهر المسلسل تناقضات المجتمع البدوي، فهو حداثي في استخدام السلاح والسيارات وتقليدي في الطهي والسكن، كريم وشهم في النهار وقاطع طريق في الليل، يعطي المرأة بندقية وسيارة حديثة لكنه يبخل عليها ببوتجاز.

يقدم المسلسل شخصية "رشة" التي جسدته الفنانة المبدعة أشواق علي امرأة قوية تتصف بالشجاعة والنبل والمرجلة، لكنه يقدمها باعتبارها حالة خاصة ومختلفة، فكل النساء عداها دورهن هامشي يقمن بخدمة الرجال وليس لهن أي أدوار أخرى، وأبرز منهن "خضراء" واسنده للفنانة هديل مانع قدمها المسلسل نموذجا للمرأة السلبية، أشبه بأراجوز، شخصية كاريكاتورية تتصف بكل ما تكرهه المرأة العصرية من صفات مثل النميمة والتجسس ونقل الأخبار وليس لها دور غير ذلك، فالميزة التي أعطاها المسلسل لرشة لم يعطها ذلك باعتبارها امرأة بدوية يجب أن تكون قوية تحصل على ذلك الاستحقاق بقدراتها الشخصية، بل لأنها ابنة الشيخ، فتدليل الشيخ لها كما تقول أمها هو ما جعلها كذلك، فهي هكذا لأنها بدوية مدللة بصلاحيات إضافية باعتبارها الابنة الوحيدة للشيخ وليس لأنها امرأة تمتلك وعيا حقيقيا بما لها من حقوق وما يجب أن تؤدي من أدوار في المجتمع.