ويشير الكاتب إلى القوة التي ظهرت بها "القاعدة" خلال الأزمة اليمنية في المحافظات الجنوبية، عندما سيطرت على عدد من البلدات واستطاعت الاشتباك مع قوات الجيش في معارك شرسة، لكن وقبل الإسهاب في الحديث عن العوامل التي جعلت من اليمن الملاذ الأخير لـ"القاعدة"، يتعقب الكاتب خيوط القصة من بدايتها وتشكل النواة الأولى لـ"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية.
في أوائل عام 2009، وتحديداً في يناير من تلك السنة اجتمع عدد من الرجال بأحد المنازل الآمنة في الجبال اليمنية شمال صنعاء، هؤلاء الرجال قدموا من أماكن مختلفة، فمنهم من جاء من باكستان ومنهم من جاء من القرن الإفريقي. وفي غضون شهور قليلة ستستقطب الجماعة عدداً من الأوروبيين والأميركيين اعتنقوا الفكر الجهادي وانضموا لـ"القاعدة"، كما أن بعضهم تمرس في حروب سابقة، وشارك في معارك أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى خروج بعض آخر من السجون في الدول العربية أو من معتقل جونتنامو، وبعد المصاعب الكثيرة التي عانوها في السجون بدا هؤلاء الرجال مصممين على الانتقام ومحاربة أميركا، ولن يكن ذلك فعالًا إلا باختيار ساحة المعركة التي تناسب إمكانيات "القاعدة" وتوفر الحماية اللازمة للتخطيط لعملياتهم وتنفيذها.
لكن، وفي مكان آخر من العالم، كان أوباما يدشن ولايته الأولى، وفي ذهنه أسئلة عديدة حول تنفيذ بعض ما جاء في حملته الانتخابية وفي مقدمته إغلاق معتقل جونتنامو بعد الانتقادات الدولية وتحفظات القضاء الأميركي. وفي مسعى لترميم سمعة أميركا التي تدهورت كثيراً تحت قيادة سلفه بوش الابن، كان الانشغال الحقيقي الذي يتملك أوباما، هو إقامة التوازن الدقيق والصعب بين محاربة عدو غير تقليدي خارج نطاق الدولة وفي نفس الوقت عدم الانجرار إلى غزو لن يسهم سوى في مفاقمة المشكلة وتعميقها. غير أن اللحظة المهمة التي ستعيد حسابات أوباما، وتدفعه لاتخاذ مواقف حازمة جعلته يكثف من استخدام الطائرات من دون طيار، ويجمد مشروع إغلاق جونتنامو، هي لحظة الشريط المصور الذي أطلقته "القاعدة" في السنة نفسها، والذي ظهر فيه أشخاص كانوا معتقلين في جونتنامو، مثل سعيد الشهري الذي أطلقت سراحه الولايات المتحدة سنة قبل ذلك الوقت، وقد أعلن في الشريط المذكور اندماج فرعي "القاعدة" في اليمن والسعودية تحت مسمى تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" بقيادة اليمني ناصر الوحيشي الذي أمضى سنوات طويلة كمساعد لابن لادن قبل قتله في باكستان. ولم يكن "الشهري" الوحيد الذي كان معتقلًا في جوانتنامو، بل إلى جانبه كان محمد العوفي.
وبعد ظهور الشريط بدأ أوباما يعيد حساباته في التعامل مع اليمن، فبينما كانت الولايات المتحدة منشغلة بالحرب في العراق والتطورات في أفغانستان وجدت نفسها مجدداً أمام خطر قادم من اليمن تمثله "القاعدة" التي نقلت عناصرها وأنشطتها لتلتئم في بلاد معروفة بجبالها ووعورة تضاريسها، ما يجعلها جاذبة للعناصر الإرهابية. كما أن الأوضاع التي يشهدها اليمن وضعف الدولة فيه، ثم سهولة الاختباء في جباله وصحاريه المترامية، دفعت "القاعدة" لنقل مقرها إلى اليمن. غير أن الكاتب يقر أيضاً بأن التغيير في سياسة أوباما الذي أطلق حملة من الهجمات الجوية عبر الطائرات من دون طيار لم تكن دائماً ناجحة، لا سيما، عندما يسقط مدنيون في القصف، الأمر الذي يخدم أيديولوجية "القاعدة"، تلك الأيديولوجية التي تدعي وجود هجمة غربية ضد الإسلام تستوجب الاستنفار ورفع لواء الجهاد!
زهير الكساب
الكتاب: الملاذ الأخير... اليمن و"القاعدة" والولايات المتحدة
المؤلف: جريجوري جونسون
الناشر: نورتون أند كومباني