احتلال الحوثيين للمنطقة سبب معاناة كبيرة للسكان ..الجيش اليمني نجح في السيطرة علي مسقط رأس حسين الحوثي

السبت 09 فبراير-شباط 2008 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - نبيل الكميم - الراية القطرية
عدد القراءات 10074

برحلة خطرة لا تخلو من الإثارة وروح المغامرة قامت بها الراية إلي محافظة صعدة اليمنية التي كانت ساحة للمواجهات العسكرية الدامية بين القوات اليمنية وما عرف بالحوثيين، وهي المواجهات التي بدأت في عام 2004 وما أن تتوقف حتي تعاول الانفجار .

استمرت رحلة الراية أكثر من أسبوع تنقلت فيها الراية بين عشرات المناطق والقري في 13 مديرية بمحافظة صعدة، وطوال هذه الرحلة كانت الهوية الصحفية سرية، فالخطر مطبق والاجراءات مشددة لمنع وسائل الإعلام من اختراق حدود المحافظة.. ليضيف إلي الرحلة الخطرة حافزاً جديداً علي رصد الحقائق ورصد صورة كاملة لما يجري هناك من أحداث.

وفي هذه الحلقة تواصل الراية نشر تفاصيل 7 أيام في مدينة السلام تفوح منها رائحة البارود علي خلفية أحداث دامية مازالت أصداءها تخيم علي المدينة اليمنية.

في الجزء الأول من هذه الوقائع برزت جملة مهمة كانت قد لخصت ما شعرت به وأنا في منزل حسين بدر الدين الحوثي.. فبعد أن سألت الرجل عن سر الأنابيب الموضوعة فوق باب زنزانة حسين بدر الدين الحوثي وأخبرني أنها الفتحات الوحيدة لزنزانة السجن والتي كان السجناء يضطرون إلي صعودها عبر درجات الزنزانة لاستنشاق الهواء.

شعرت بالرعب وتساءلت: كيف كان بناء محافظة صعدة بهذا الوضع وأن يتجاوبوا مع دعوات حسين الحوثي.. فليس من المقبول أن يقبل إنساناً عاقلاً أن يكون عبداً لغيره.

تطمينات

# إننا تناولنا الطعام مع نائب قائد الموقع وأفراد النقطة الأمنية في منطقة مرات داخل منزل حسين الحوثي.. انصبت اسئلتي حول حالة الاستقرار في المنطقة حيث كانت الإجابة أن الوضع مايزال يخضع للمراوحة والترقب.. فبعد مقتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004م، تمكنت قوات الأمن والجيش اليمني من السيطرة علي مسقط رأسه مرات فإن أبناء تلك المناطق استجابوا وتفاعلوا مع بسط الدولة لسيطرتها علي المنطقة والمناطق المحيطة بها إلا أن الكثير منهم كان يظهر الولاء للدولة ولكن ما يخفيه هو مناصرة الحوثيين متخذاً من التقية مبرراً لذلك حيث لم يخفي علي من تحدثت معهم أن التحركات والهجمات التي يقوم بها أتباع حسين الحوثي من تنظيم الشباب المؤن المحظور ضد النقاط الأمنية ومواقع تمركز قوات الأمن والجيش اليمني تتم بدعم ومساندة لعناصر تنظيم الشباب المؤمن من قبل أهالي وأبناء تلك المناطق.. والذين مازال العشرات وربما المئات منهم يعتقدون أن حسين بدر الدين الحوثي لم يقتل.

الشباب المؤمن

ولكن قبل الحديث عن ذلك.. أشير إلي ما يتصل بتنظيم الشباب المؤمن وما يتعلق بصلة حسين بدر الدين الحوثي بتأسيسه واستند في ذلك إلي ما أورده محمد بدر الدين الحوثي من معلومات حول ذلك في رسالته المعنونة ب التعرف علي الحقيقة والتي سبق الإشارة إليها حيث ينفي أن يكون شقيقه حسين هو الذي أنشأ تنظيم الشباب المؤمن موضحاً ذلك بالقول:

قبيل تأسيس حزب الحق كنت مع ثلاثة من الاخوة الشباب في مدينة ضحيان ندرس وندرس العلوم الشرعية بعد اتمامنا للمرحلة الثانوية ولما ننتسب إلي كلية الآداب بجامعة صنعاء.

كان لدينا طموح قوي ونشاط كبير في توسيع هذا العمل وتطويره وتحديثه، ورفده بالوسائل والأنشطة التي تجذب الشباب لطلب العلم، فقمنا باستئجار شقة مكونة من مجلس وغرفة اضافة إلي دورة المياه، وجعلنا من تلك الغرفة الصغيرة مكتبة فيها بعض الكتب والأشرطة وأفلام الفيديو الإسلامية وكان معظمها عارية. واتخذنا من المجلس فصلاً دراسياً وقاعة لعرض الأفلام والمحاضرات وسكناً للطلاب المهاجرين، الذين لم يتعدوا ثمانية طلاب.

في العام الثاني وهو عام 1991م قررنا تنظيم دورة دراسية في العطلة الصيفية من كل عام وتستمر شهرين، ويعد لها منهج خاص من الكتب المختصرة لتتلائم مع زمن الدورة، وهكذا رسمنا البرنامج اليومي وحددنا البرامج والأنشطة، وكلها كانت بدائية نظراً لمحدودية الخبرة وكونها البداية، وأطلقنا علي هذه الشقة التي أستأجرناها اسم منتدي الشباب المؤمن .

كانت هذه الفكرة مبتكرة منا ولم تمل علينا من قبل أحد، بل لم يكن هناك من يلقي لها بالاً ولا يلتفت إليها، وإنما كانت معظم تلك الأنشطة تواجه باستغراب البعض، ونقد البعض الآخر، حيث كانت جديدة علي المجتمع الذي لم يألف مثلاً مشاهدة الفيديو أو أي نشاط فني من مسرح وغيره وخاصة الأسر المحافظة جداً وهي أغلب المجتمع في هذه المدينة، فكنا نواجه ضغوطاً شديدة من البعض وتشجيعاً من البعض الآخر الواعين وهم قلة آنذاك، وكنا في نفس الوقت نهتم بالتواصل مع جميع العلماء ورموز المجتمع ونبين لهم فائدة تلك الوسائل حتي تلطفت الأجواء واقتنعوا بذلك وحظي المنتدي بتأييد معظم العلماء، وكل الشباب المثقفين.

ضد الوهابية

كما أوضح محمد بدر الدين الحوثي أن تأسيس منتدي الشباب المؤمن جاء استجابة لما يعانيه أبناء المذهب الزيدي من اضطهاد وتجاهل.. حيث أشار إلي خمس عناصر وصفها بالمعلومات المهمة و المختصرة التي توضح أهداف ودواعي تأسيس منتدي الشباب المؤمن الذي صار فيما بعد هو الجناح العسكري لحركة الحوثيين، وهذه العناصر الخمسة هي: كانت نشأة المنتدي استجابة للواقع الذي كان يعيشه شباب الزيدية من جهل و ضياع خصوصاً والدعوة الوهابية في صعدة في أوج نشاطها، والحلقات الدراسية في المساجد شبه غائبة نظراً للضغوط السلطوية- كما ذكرنا في موضوع سابق- إضافة إلي الطريقة التقليدية في أساليب التدريس التي لم تتلاءم مع الجيل الناشئ.

وانصبت كل الجهود وتمحورت كل أهداف المنتدي علي الجانب التربوي والتعليمي، والثقافي، والتعارف والتآلف بين طلبة العلم الشريف من مختلف المناطق، وعلي تحقيق الوحدة الفكرية والثقافية من خلال المراكز والمدارس الدينية التي تفرعت عن المركز الأم وسارت علي مناهج وبرامج وأنشطة موحدة في كل المناطق التي تأسست فيها.

واعتمد المنتدي في الجانب المادي علي جهود أهل الخير الذين تفاعلوا حينما رأوا تلك الثمار الطيبة، وبعد سنوات طويلة تم اعتماد مبلغ أربعمائة ألف ريال شهرياً كمساهمة من الدولة في هذا العمل الخيري، وكان ذلك بسعي الوالد العلامة عبدالله يحيي الصعدي رحمة الله عليه لدي رئيس الجمهورية، وانقطعت بعد وفاته بفترة قصيرة، ولم تكن هذه المساعدة مشروطة بشرط، ولم نقبل باستلام ذلك المبلغ إلا بعد التأكد من أنه خالص تماماً من أية شروط أو إملاءات، فلقد كنا منذ البداية وحتي النهاية حريصين علي استقلالية المشروع وعدم الارتهان لأي أحد أياً كان.. وهذا ما حقق- بعون الله- النجاح الكبير لهذا العمل الخيري المفيد.. كذلك تمت مساعدتنا في طباعة المنهج الدراسي طبعة واحدة 5 آلاف نسخة من كل كتاب عبر مطابع الكتاب المدرسي وذلك بعد عرضه علي وزارة الثقافة التي شكلت لجنة لمطالعته ولم تبد أي اعتراض علي شيءمنه سوي عنوان كتاب التاريخ.

لم تكن لنا أي صلة أو علاقة بالسلطة، ولا بأي مسؤول فيها، وكان كل ما نطلبه ونريده أن يتركونا وشأننا ندرس فكرنا بحرية ورفع الحظر عنا من استخدام مدارسها لإقامة الدورات الدراسية خلال العطلة الصيفية فيها. وفي الواقع لم يكن ولا كان وحتي الآن في مشروعنا وكل أنشطتنا ما يدعو لإنكار السلطة علينا، فكل أعمالنا لم تخرج عن نطاق الدستور والقانون، ولو بقيت السلطة علي مسلكها ذلك لما قامت كل هذه الحروب والمشاكل التي وحتي الآن لم نجد أي مبرر لها، وكل ما قيل وما يقال من الأسباب والمبررات فهي كاذبة ولا أساس لها من الصحة علي الإطلاق.. والله المستعان.

ولم يكن المنتدي تنظيمياً سياسياً ولا غيره، ولم يكن لدينا أية فكرة ولا خبرة في هذا الشأن، ومن أدعي غير هذا فعليه أن يثبت دعواه بأية وثيقة أو نحوها.. وأهداف المنتدي كانت مرسومة منشورة موجودة لدي أي طالب من أنحاء اليمن التحق بأية دورة دراسية منذ الدورة الأولي عام 1991م، وحتي آخر دورةعام 2003م، وهكذا المنهج الدراسي، بل كنا قد وزعنا تلك الأهداف و المناهج حتي علي عدد من المسؤولين فضلاً عن العلماء والمثقفين ولكل من طلبها في أي مكان.

سيدي حسين

بعد أن لقي حسين بدر الدين الحوثي مصرعه بعد أشهر من قيادته للمواجهات وفتنة التمرد المسلح ضد السلطات الحكومية في محافظة صعدة اضطرت الحكومة اليمنية إلي نشر صور عن مصرعه وقالت إنها لم تكن تحبذ نشر هذه الصور لتأكيد حقيقة مقتله ولكن دواعي تكذيب مزاعم عدم مقتله التي نجح طابور خامس للحوثيين في الترويج لها ونشرها بأكثر من وسيلة بين المواطنين اليمنيين وخاصة في المحافظات المتأثرة بأفكاره وتوجهاته ا لعقائدية.. استدعت نشرها حيث عمد طابور الحوثيين الخامس إلي بث روايات ومزاعم عن القدرات الخارقة التي يمتلكها حسين بدر الدين الحوثي والتي تمنع اصابته بالرصاص وتحفظه من القتل، مروجين في سياقها عدد من الروايات والوقائع.. حيث استجابت لهذه المزاعم بعض الشخصيات السياسية في أحزاب المعارضة وبعض أعضاء هذه الأحزاب ممن انخرطوا في الترويج لهذه المزاعم عن حصانة حسين بدر الدين الحوثي وتفنيد الرواية الرسمية التي أعلنتها السلطات اليمنية عن مقتله.. ولعل في ذلك إشارة واضحة إلي الخلفية التي جمعت الحوثيين بأطراف حزبية وسياسية معادية لنظام الرئيس علي عبدالله صالح.

وإذا كانت السلطات اليمنية بنشرها صوراً تبين حقيقة مقتل حسين بدر الدين الحوثي.. فإن تحجيم مزاعم عدم صدق ذلك لم يكن كافياً ليصل إلي كل اليمنيين وخاصة أولئك القرويين من أبناء مناطق صعدة الذي كان لحسين بدر الدين الحوثي تأثيره الكبير عليهم.. والذي مازال العشرات منهم يكذب مقتل سيدي حسين كما يسمونه.. وفي هذا الإطار أشير إلي أن هذا الاعتقاد لا يقتصر وجوده عند السذج والبسطاء من القرويين بل إنه مثل أحد مطالب الحوثيين من قيادات الشباب المؤمن والذين تناوبوا علي تزعم حركة التمرد والفتنة وقيادة المواجهات العسكرية ضد قوات الجيش والأمن اليمني خلال السنوات الماضية.. حيث يعتبرون حسين الحوثي هو من بين المفقودين الذي تخفيهم السلطات اليمنية.. حيث يشير محمد الحوثي إلي ذلك بالقول: إن في مقدمة المفقودين وهم بالعشرات ممن أخفتهم السلطات اليمنية شقيقه حسين بدر الدين الحوثي الذي خرج من جرف سلمان الذي كان قد اختفي فيه أثناء إحكام سيطرة قوات الأمن والجيش علي منطقة مرات التي كان يتحصن فيها.. ولم يكن مصاباً سوي بجروح طفيفة.. مضيفاً أن شقيقه حسين تلقي وعوداً وتطمينات بأنه لن يتعرض بسوء عند خروجه من جرف سلمان وتسليم نفسه للقوات الحكومية.. حيث استجاب لتلك الوعود والتطمينات وسلم نفسه ولم يكن مصاباً إلا بجروح بسيطة.. إلا أنه ومنذ أن سلم نفسه مازال مفقوداً ولا يعرف مصيره حتي الآن؟!.

التوجه إلي رازح

كانت منطقة رازح من بين أكثر المناطق في محافظة صعدة التي شهدت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين الذين تمركزوا فيها وعمدوا إلي احتلال المنازل التي تقع علي قمة تلال جبلية مطلة علي الطريق الرئيسي أو علي مناطق يتواجد فيها تمركز للقوات الحكومية.

في منطقة النظير وهي مركز لمديرية رازح يحدثني أحد أبناء المنطقة ويدعي هلال عن قيام عناصر حوثية باحتلال منزلهم المطل علي الطريق الرئيسي والذي استخدموه موقعاً لهم لمنع تقدم قوات الجيش اليمني وسيطرتها علي المنطقة.. قال لي هلال إن عناصر حوثية لم تكن من أبناء المنطقة وإنما من مناطق أخري في صعدة ومن غيرها قامت باحتلال المنزل وإخراج سكانه وعددهم 21 شخصاً معظمهم من الأطفال والنساء حيث ظلوا فيه قرابة الشهر والنصف شهر متخذين من المنزل موقعاً لهم في مواجهة القوات العسكرية.. ويضيف أن منازل أخري احتلها الحوثيون وخاصة تلك التي تقع علي تلال مرتفعة مطلة علي الطريق الذي يصل إلي مديرية رازح.. وأن قطع الطريق قد ألحق بسكان منطقة النظير خسائر مالية كبيرة بسبب عدم قدرتهم علي نقل منتجاتهم الزراعية إلي أسواق المديرية التي تقام عدة أيام في الأسبوع.

وعند سؤالي عن الأشخاص الذين احتلوا منزلهم والمنازل الأخري في منطقة النظير ووصفه لهم بأنهم غرباء.. أجابني هلال: إن الحوثيين من قيادات التمرد والفتنة كانوا يعمدون إلي إرسال أشخاص من أتباعهم لاحتلال منازل السكن حتي لا يتعرفوا عليهم.. وأن مجاميع كبيرة منهم كانوا من غير أبناء منطقة الظفير أو من قري المنطقة وأن ذلك يعود إلي إدراك قادة الحوثيين بأنه لا يمكن لأحد من أبناء منطقة النظير حتي وإن كان من عناصر الحوثيين أو عضو في تنظيم الشباب المؤمن المحظور القبول بأن يقوم بهذا العمل الخسيس والجبان.. لذلك فقد عمدوا إلي إرسال مجاميع من أتباعهم إلي ارتكاب مثل هذه الأعمال في غير المناطق التي يكونوا معروفين فيها أو من أبنائها.

ويختتم هلال حديثه معي بالقول إن أحد أشقائه استشهد علي أيدي عناصر حوثية أطلقت عليه النار أثناء مقاومته لهم عندما جاؤوا لاحتلال منزلهم.

أعادونا أربعين عاماً

علي طول الطريق الأسفلتي الذي يخترق جبال صعدة وفي معظم المناطق التي أصبحت تحت سيطرة القوات اليمنية يسهل عليك مشاهدة المنازل التي تضررت من الحرب والمواجهات.. ويسهل عليك أن تلمح كيف لملم أبناء تلك المناطق خسائرهم وجراح الخوف.. وعادوا إلي بساطة التعامل اليومي في حياتهم.. كانت قد وصلت إلي منطقة تسمي آل حيدر عرابة إحدي مناطق النظير.. في رازح وكان أمامي مشهد للعديد من المنازل المهدمة بالكامل وأخري تعرضت لأضرار فادحة.. لجأ أصحابها إلي نصب خيام للصليب الأحمر بجانبها بعد طرد الحوثيين منها والقضاء علي تمردهم المسلح فيها.. عدد من الأسر المنكوبة لجأت إلي تغطية الفتحات التي أحدثتها القذائف في منازلهم ببقايا أغطية بلاستيكية وأجزاء من خيام قماشية.. وعادت للسكن فيها.. بانتظار أن تحصل علي المساعدة المالية التي وعدت الحكومة اليمنية بتقديمها لإعادة بناء منازلها.

في تلك المنطقة دفع الفضول لمعرفة ما يقوم به أحد أبنائها إلي قطع مسافة ليست بالقصيرة للوصول إلي حيث كنا نقوم بتصوير المدرجات الزراعية المدهشة.. وما إن وصل الينا حتي أخرج من كيس بلاستيكي ترمس قهوة يمنية وبعض الكعك لنأكله.. قال الرجل والذي يقترب عمره من الخمسين عاماً أنه حين رأنا عرف أن الخير قد عاد إلي صعدةوأن كاميرا التلفزيون التي لمحها من نافذة منزله هي الدلالة علي هذا الخير.. حيث كان الرجل صادقاً وترمس القهوة والكعك الذي أحضره كان دليلاً علي صدق استبشاره بالخير وعودة السلام إلي صعدة.. تحدث الرجل عن قطع الطريق الذي تسبب به الحوثيون أبناء المنطقة من المزارعين لم يتمكنوا من بيع منتجاتهم أوحاجاتهم وأنهم لجأوا إلي السيطر والتنقل من وإلي المنطقة باتخاذهم الطريق القديم الذي كان معروفاً منذ أكثر من أربعين عاماً.. وذلك حتي لا يتعرضوا للاستهداف من قبل الحوثيين الذين قطعوا الطريق الأسفلتي.. وأشار الرجل إلي متعرج ضيق لا يتجاوز عرضه المتر يتدرج مخترقاً مسافة طويلة إلي أسفل الوادي.. استخدمه سكان المنطقة كطريق للتنقل ما بين قمة المنطقة وأسفلها قال لي الرجل إن الحوثيين أعادوا سكان المنطقة أربعين عاماً إلي الخلف وأن قطعهم للطريق جعل سكان المنطقة يلجأون لسلوك الطريق الذي كان مستخدماً قبل أكثر من أربعة عقود وقبل أن تقوم الحكومة بشق الطريق الأسفلتي.. واصفاً الحوثيين بالمتخلفين وأذناب الرجعية والنظام الملكي الذي قضت عليه ثورة 26 سبتمبر عام 1962 مضيفاً أن خير دليل علي هذا التخلف هو قطعهم للطريق ومنع أبناء المنطقةمن طلب الرزق والعيش الكريم. حيث تسبب الحوثيون في إحداث هذا الدمار والخراب في محافظة صعدة التي منعوا عنها الخير.

أنت يمني

تعرضت والزميل المصور هادي الشبوطي أحد زملائي في هذه الرحلة تحديداً إلي مواقف طريفة علي الرغم من حالة الترقب والخوف من الوقوع في مطب غير متوقع أو التعرض لمفاجأة لم تكن في الحسبان.. حيث كنت والزميل هادي نسأل عند الوصول إلي أية نقطة تفتيش أمنية عن هويتنا وهل نحن يمنيون وعندما كنا نجيب بالتأكيد علي هويتنا.. كان يطلب منا إبراز البطاقة الشخصية للتأكد من ذلك.. وهو ما كان يتم حيث تكرر هذا الأمر معنا لمرات عديدة.. قبل أن يسمح لنا بمواصلة السير، زملاؤنا من أعضاء فريق تصوير الفيلم السياحي.. وقبل أن نصل إلي حيث تقطع نقطة التفتيش الأمنية كانوا يبادرون إلي الطلب مني ومن الزميل هادي بتجهيز بطاقتنا الشخصية لعرضها عند الطلب من قبل الجنود وحتي لا نتأخر.. وكان طلب زملائنا يترافق مع تعليقات ساخرة وضاحكة.. الأمر الذي دفعني لسؤال أحد الجنود في نقطة أمنية استوقفتنا لماذا يطلب مني البطاقة الشخصيةليتأكد من أني يمني.. والذي أجابني بالقول أنظر في المرآة وأنت تعرف.. وكان ذلك صحيحاً حيث أدت حرارة الشمس والتعرض لها لساعات طويلة علي مدي أيام إلي إصابة وجهي بحساسية شديدة أظهرت فيه إحمراراً غير طبيعي حتي صار شكلي لا يوحي بأن من اليمنيين أصحاب الوجوه السمراء.. الأمر الذي استوجب في ضرورته أن أبادر إلي زيارة طبيب أمراض جلدية وأخذ وصفة العلاج والمراهم التي قررها لي للتخلص من تلك الحساسية وحروق الجلد التي أصبت بها في يدي.

فرزة الحمير

أثناء تنقلنا في مناطق مديرية رازح.. وبعد أن أكملنا تصوير قلعة السنارة وهي من القلاع اليمنية والحصون التاريخية القديمة والتاريخية والتي تطل علي وادي رحبان الزراعي.. لفت انتباهي وجود عدد من الحمير مربوطة بإحكام علي مقربة من حافة سحيقة.. وكانت تقف ساكنة في المكان الذي ربطت فيه وقربها تحلق أعداد من النسور والصقور.. في مشهد يوحي بأن تلك الحمير أحضرت إلي ذلك المكان وتم توقيفها وربطها بإحكام حتي لا تتمكن من الفرار.. فهي الوليمة التي قدمت للصقور والنسور التي تحوم فوقها.. كان المشهد كما تخيلته يوحي بذلك.. لكن مرافقنا وهو من مسؤولي المجلس المحلي في مديرية رازح.. والذي استعنا به ليكون مرشدنا إلي قلعة السنارة أوضح لي حقيقة ذلك المشهد.. فا لحمير التي ربطت في ذلك الموقع كانت قد وصلت إليه في ساعات الصباح الأولي محملة بمنتجات زراعية قات- وخضراوات متنوعة وغيرها من المحصولات الزراعية التي تزرع في قسرية تسمي بقرية اللجج وهي إحدي قري عزلة جبل الأزد.. بمديرية رازح.. حيث يقوم أبناء القرية بتحميل الحمير هذه المنتجات وجعلها تصعد بها إلي قمة الجبل.. وهناك يكون في استقبالها أحد الأشخاص من المشهورين ببيع وتصريف هذه المنتجات الزراعية ويقوم بأخذ حمولة كل حمار من المنتجات الزراعية ليبيعها في سوق المديرية.. ثم يعود في آخر النهار لتحمل تلك الحمير ما اشتراه لأصحابها من طلبات لتعاود الحمير النزول إلي القرية قبل نهاية اليوم محملة بطلبات أصحابها.. قال مرافقنا إن هذه الطريقة كفلت لأبناء قرية اللجج التي تقع أسفل قمة الجبل علي مسافة تزيد عن أربعمائة متر الحصول علي احتياجاتهم من مواد غذائية ومتطلبات بشكل يومي.. من خلال الوسيط الذي يتم وضع ورقة مكتوب عليها اسم صاحب كل حمولة يحملها الحمار ويصعد بها إلي قمة الجبل وطلبات صاحب الحمولة.. والأغراض التي يريد من الوسيط شراءها من أسواق المديرية.

ويضيف أن هذه الوسيلة التي اعتمد عليها أبناء القرية قد خففت عليهم مشقة الصعود إلي قمة الجبل يومياً وأن الحمير التي استخدموها لهذا الغرض تقوم بدورها ومهمتها اليومية دون أن تبدي أي تذمر أو احتجاج.. مضيفا أن أبناء تلك القرية قد رفضوا بشدة تمكين الدولة من إنجاز مشروع طريق يوصلهم با لمديرية بحجة أن الطريق سوف يقتطع أجزاء من أراضيهم..!!.. وكان هذا المشهد وتفاصيله بعضاً من لحظات الدهشة الكثيرة التي سجلتها في أجندة الرحلة إلي قلب صعدة.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن