اليمن في آخر النفق.. دفن حقبة الرئيس

الجمعة 02 ديسمبر-كانون الأول 2011 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - صادق ناشر
عدد القراءات 6470
 
 

بعد 33 عاماً من الجهد المتواصل، يجد اليمنيون أنفسهم أمام فصل جديد من تاريخ ناضلوا من أجل صنعه قبل نحو خمسين عاماً، فالأسبوع الماضي وبعد مخاض عسير وقّع في العاصمة السعودية الرياض أطراف الأزمة في البلاد على المبادرة الخليجية، التي دفنت أو تكاد، حقبة طويلة من حكم الرئيس علي عبدالله صالح، الذي استطاع أن يترك بصمته على هذه المرحلة التي دخلت فيها البلاد الكثير من الحروب والمآسي، واستمرت تقاوم حتى اللحظات الأخيرة، رغم الضربات التي وجهتها إليها الثورة الشبابية التي بدأت منذ الحادي عشر من فبراير/ شباط الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

يعتبر الكثير من المراقبين أن التوقيع على المبادرة الخليجية، رغم أنها لم تحقق ما يطلبه الشباب من اقتلاع جذري للنظام، حمل الكثير من الإيجابيات، فنظام الرئيس صالح، بموجب المبادرة يكون قد طوي بالكامل، وحان وقت البدء بصفحة جديدة تؤرخ لعهد جديد يكون قادراً على صناعة فجر جديد لليمنيين . بصرف النظر عما تحقق للمعارضة وللنظام من مكاسب وخسارة، إلا أن مرحلة جديدة بدأت في الظهور أخيراً بعد مخاض لثورة الشباب استمر عشرة أشهر، وما زال الثوار مصرين على الاستمرار فيها حتى اكتمالها .

صحيح أن مطالب الشباب كانت ولاتزال مرتفعة، إلا أن ما تحقق لم يأت من فراغ أو هبة من الخارج أو تنازلاً من الرئيس علي عبدالله صالح أو نظامه، بل جاء بفعل ضغوط متزايدة من الشباب والشابات الذين نزلوا إلى الساحات طلباً للتغيير.

من يعتقد أن الثورة اليمنية جاءت تقليداً لمصر وتونس خاطئ، إنما تعد امتداداً للشرارة التي أطلقها محمد البوعزيزي، لكن الثورة في اليمن تبقى متميزة كونها خرجت للمطالبة بتغيير وضع استمر جاثماً على صدور الناس عشرات السنين.

مجرد قبول الرئيس صالح بنقل صلاحياته إلى نائبه يعتبر بحد ذاته إنجازاً، فبعد الأشهر العشرة من الثورة ونحو ثمانية أشهر من الوعود بالتوقيع على المبادرة الخليجية، لا يمكن التصديق بأن صالح كانت لديه الرغبة في تكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، أو أن يقبل بأن يكون أي طرف سياسي شريكاً له في الحكم.

لقد ظل القادة في حزب المؤتمر الشعبي العام يؤكدون خلال السنوات الماضية أن الائتلافات غير ممكنة، وأن هذه التجربة التي عاشها اليمن بعد الوحدة عام 1990 لم تكن مفيدة، مبررين ذلك بأن الحكومة ذات اللون الواحد هي الأنسب، لأنها تدار بعقل واحد، لكن هذا التقييم يفيد دولاً متحضرة لا دولاً فاسدة، فحزب المؤتمر الشعبي العام تحول مع الأسف إلى أداة حكم غير نظيفة، ففي عهد الحكومات التي شكلها وانفرد بها وحده انتشر الفساد بشكل كبير جداً وتحولت الدولة من مؤسسات تدار بالنظام والقانون إلى مؤسسات في أيدي أفراد، عاثوا فساداً في البلاد.

بتوقيعه بنفسه على المبادرة الخليجية يكون صالح قد أنهى عهده بيده، صحيح أن هناك مخاوف من أن ينقلب على المبادرة بوسائل شتى، إلا أن العالم الذي يراقبه يجعله غير قادر على المناورة أكثر، كما حدث خلال المرحلة التي أعقبت توقيع وثيقة العهد والاتفاق في فبراير/ شباط ،1994 والتي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية التي قضت على الأخضر واليابس.

التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في العاصمة السعودية الرياض تعد نصراً ناقصاً للشباب، لكن يجب عدم التقليل من شأن هذا الانجاز، فالرئيس صالح لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة لو لم يشعر بأن الأرض اهتزت تحت قدميه، وبغض النظر عن أن التوقيع لم يجلب للثوار كل ما كانوا يطلبونه، إلا أن ما تحقق هو شيء كبير .

مضامين الآلية التنفيذية

لقد لعبت الأطراف السياسية في السلطة والمعارضة، المدعومة بمواقف خليجية دولية دوراً في التوصل إلى صيغة توافقية لآلية يتم بموجبها تنفيذ المبادرة الخليجية التي وضعت في إبريل/ نيسان الماضي وجرى تعديلها أكثر من مرة بناء على طلب من الرئيس صالح نفسه .

فالآلية التنفيذية للمبادرة رأت أن "المأزق الذي وصلت إليه عملية الانتقال السياسي زاد من تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية التي لا تزال تتدهور بسرعة فيما يعاني الشعب اليمني مصاعب جمة، وأن للشعب اليمني بما فيه الشباب، تطلعات مشروعة إلى التغيير".

كما رأت المبادرة أن الوضع الذي يعيشه اليمن يتطلب وفاء جميع الأطراف السياسية بمسؤولياتها تجاه الشعب، عبر التنفيذ الفوري لمسار واضح للانتقال إلى حكم ديمقراطي رشيد في البلاد، وذلك بعد سنوات طويلة من الانفراد بالحكم.

على أن النقطة التي وضعتها الآلية التنفيذية وتنسف كل المواقف السياسية التي ظل أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأنصار "الشرعية الدستورية" يتمسكون بها طوال الأزمة التي تؤكد "التمسك بالدستور" لحل أية قضية تتمثل بالنقطة التي وردت في الآلية التنفيذية التي تقول إن الاتفاق "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”" يحل محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة.

وهذه النقطة التي ظل "أنصار الشرعية الدستورية يتغنون بها طوال أشهر الأزمة" فالدستور بموجب المبادرة يعتبر لاغياً، بما فيها المؤسسات القائمة، التي لا يزال النظام يلعب على أساسها ويبرر بقاءه فيها.

تؤكد الآلية التنفيذية أن نائب الرئيس عبدربه منصور هادي حصل على التفويض اللازم والقانوني لممارسة مهامه كرئيس عوضاً عن الرئيس صالح، الذي تحول بموجب الآلية التنفيذية إلى "رئيس شرفي" أو "رئيس فخري"، وذلك بعد أن فوّض نائبه عبدربه منصور هادي بموجب المرسوم الرئاسي رقم 24 لعام ،2011 تفويضاً لا رجعة فيه، الصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشأن هذه الآلية وتوقيعها وإنفاذها، إلى جانب جميع الصلاحيات الدستورية المتصلة بتنفيذها ومتابعتها وممتد الصلاحيات لتشمل الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، وجميع القرارات اللازمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك تنصيب أعضائها وغيرها من الهيئات المنصوص عليها في هذه الآلية.

وبموجب المبادرة فإن هادي تسلم السلطات كاملة من الرئيس صالح، وأنه مخول باتخاذ الخطوات اللازمة لإنجاز التسوية السياسية من خلال المراسيم الرئاسية التي سيصدرها، وأصدرها في ما بعد، ومنها مرسوم يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية خلال تسعين يوماً وتكليف مرشح المعارضة، وهو محمد سالم باسندوة لتشكيل حكومة وفاق وطني.

ومنحت الآلية نائب الرئيس صلاحيات عدة من بينها: الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ممارسة جميع مهام الرئيس المتصلة بمجلس النواب، إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني في المرحلة الأولى وتنصيبها، جميع المسائل المتصلة بمهام لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، إدارة العلاقات الخارجية إلى المدى الضروري لتنفيذ هذه الآلية، إضافة إلى إصدار المراسيم اللازمة لتنفيذ هذه الآلية.

وتحتسب مدة الفترة الانتقالية منذ اليوم الذي جرى فيه التوقيع على المبادرة الخليجية ولمدة ثلاثة أشهر، ويتوقع أن يكون اليمن بلا علي عبدالله صالح في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط المقبل، وذلك انسجاماً مع المرسوم الرئاسي الذي يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية يكون فيه نائب الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي مرشحاً توافقياً لمرحلة تمتد عامين يجري خلالها الإعداد لدستور جديد وتشكيل لجنة عليا للانتخابات وغيرها.

وبموجب الآلية التنفيذية للمبادرة فإن الفترة الانتقالية تتألف من مرحلتين: تبدأ الأولى مع بدء نفاذ هذه الآلية وتنتهي مع تنصيب الرئيس عقب إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، فيما تبدأ الثانية ومدتها عامان مع تنصيب الرئيس الجديد بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد.

وبشأن الحكومة الجديدة فإن تأليفها يجب ألا يتجاوز الأسبوعين من يوم إصدار قرار التكليف برئيس جديد لها، وأن تكون حكومة تشاركية بالتساوي بين حزب المؤتمر الشعبي العام والمعارضة المؤتلفة في اللقاء المشترك، مع مراعاة تمثيل مناسب للمرأة، على أن تتخذ الحكومة قراراتها بتوافق الآراء.

معالجة الأوضاع العسكرية

تعتبر قضية إعادة الأوضاع الأمنية إلى سابق عهدها، أي إلى قبل نزول القوات الحكومية والموالية للثوار إلى الشوارع، مهمة لتطبيع الوضع في البلاد، الذي شهد انتكاسة كبيرة منذ بدء المواجهات بين الطرفين.

وحددت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية للحكومة اتخاذ العديد من الخطوات اللازمة، بالتشاور مع سائر الجهات المعنية الأخرى، لضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني، وفض الاشتباك بين القوات المسلحة والتشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها، وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة.

وأعطت الآلية لنائب الرئيس والحكومة صلاحية وضع وتنفيذ برنامج أولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية الاقتصادية وتلبية الاحتياجات الفورية للسكان في جميع مناطق اليمن، تنسيق العلاقات مع الجهات المانحة في المجال الإنمائي، وضمان أداء المهام الحكومية على نحو منظم بما فيها الإدارة المحلية وفقاً لمبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة، الموافقة على ميزانية مؤقتة والإشراف على إدارة جميع جوانب مالية الدولة وضمان الشفافية والمساءلة الكاملتين، اتخاذ الخطوات التشريعية والإدارية اللازمة لضمان إجراء الانتخابات الرئاسية خلال 90 يوماً من بدء نفاذ هذه الآلية.

ومن القضايا الحساسة في هذه المرحلة تلك المتصلة بإنشاء لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، التي تقع على عاتقها مهمة إبقاء الأوضاع الأمنية، ومنحت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية النائب حق تشكيل لجنة الشؤون العسكرية في غضون خمسة أيام من بدء نفاذ المبادرة وآلية تنفيذها، بحيث يقوم النائب خلال المرحلة الانتقالية الأولى بتشكيل ورئاسة لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار.

وحددت المبادرة للجنة عدداً من المهام من أبرزها إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، إنهاء جميع النزاعات المسلحة، عودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية، إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات المستحدثة في المحافظات كافة، إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأي إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في البلاد.

وأناطت المبادرة باللجنة خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون.

انتخابات رئاسية مبكرة

منحت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حق إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لمنح السلطات الجديدة شرعية دستورية، على الرغم من كونها انتخابات توافقية، ومن المقرر، وفقاً للمبادرة الخليجية المدعومة من مجلس الأمن الدولي أن تجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة في فترة أقصاها 90 يوماً من تاريخ التوقيع على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها، على أن تجرى الانتخابات المبكرة لمنصب الرئيس في ظل إدارة اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء الحالية وتحت إشرافها باستخدام سجل الناخبين الحالي بصورة استثنائية، بعد أن كانت اللجنة مثار خلاف بين الأطراف السياسية خلال السنوات القليلة الماضية.

وتلزم المبادرة الطرفين الموقعين على الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، وذلك لحين إجراء حوارات موسعة في المرحلة الثانية التي تتمثل في انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة إعداد وتحضير للمؤتمر ولجنة التفسير والهيئات الأخرى المنشأة بموجب الآلية، وأن يتم تأسيس عملية للاصلاح الدستوري تعالج هيكل الدولة والنظام السياسي وعرض الدستور بعد تعديله على الشعب اليمني في استفتاء وإصلاح النظام الانتخابي وإجراء انتخابات مجلس النواب ورئيس الجمهورية وفقاً للدستور الجديد.

مرحلة انتقالية

تؤكد المبادرة وآليتها التنفيذية أنه "مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي، والحوثيون وسائر الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي، وينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة"، وحددت المبادرة للمؤتمر أن يبحث في عدد من القضايا، من أبرزها صياغة دستور جديد بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها، الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها .

وأناطت المبادرة بلجنة الحوار مهمة الوقوف أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه، والنظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومنها أسباب التوتر في صعدة واتخاذ خطوات للمضي قدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل، بما في ذلك إصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية، إضافة إلى اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً .

كما أناطت المبادرة بالحكومة مهمة إنشاء لجنة دستورية فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر، على أن تكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وأن تقوم اللجنة باقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور والاستفتاء عليه لضمان مشاركة شعبية واسعة وشفافة وإدارة الانتخابات في ظل الدستور الجديد .

ومنحت المبادرة حق تشكيل لجنة اتصال تتولى بشكل فعال التواصل مع حركات الشباب في الساحات من مختلف الأطراف وبقية أنحاء البلاد لإطلاق نقاش مفتوح حول مستقبل البلاد الذي سيتواصل من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل وإشراك الشباب في تقرير مستقبل الحياة السياسية.

* الخليج

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن