اختار الرئيس موعد توقيع المحضر بعناية فائقة: اليوم الذي يحتفل فيه بمرور 31 عاما على توليه مقاليد الحكم في البلاد

الثلاثاء 20 يوليو-تموز 2010 الساعة 06 مساءً / مأرب برس
عدد القراءات 9673

-سنلاحظ كيف أن هذا المحضر الذي تم التوقيع عليه في ابريل الماضي، هو نفسه الذي وقعت عليه الأحزاب السبت بحضور الرئيس صالح، باستثناء البند المتعلق بالحملات الإعلامية ووسائل الإعلام، وبند المعتقلين السياسيين

-اختار الرئيس موعد توقيع المحضر بعناية فائقة: اليوم الذي يحتفل فيه بمرور 31 عاما على توليه مقاليد الحكم في البلاد. ربما كان يريد التأكيد على أنه لا يزال المحرك الأساسي للفعل السياسي واللافعل في البلاد بأسرها

السبت الفائت، 17 يوليو، تحركت عجلة السياسة في اليمن مجددا، تحركت قيد أنملة فقط. لقد قام ممثلو المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك، بالتوقيع على محضر مشترك لتنفيذ أتفاق فبراير 2009، لا سيما البند الأول المتعلق بتشكيل لجنة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل.

اختار الرئيس موعد توقيع المحضر بعناية فائقة: اليوم الذي يحتفل فيه بمرور 31 عاما على توليه مقاليد الحكم. ربما يريد التأكيد على أنه لا يزال المحرك الأساسي للفعل السياسي واللافعل في البلاد بأسرها. حتى إن الإعلام الحكومي راح يطلق على وثيقة السبت، اتفاقية 17 يوليو.

السبت، تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وهذه المسألة كانت تقف حجر عثرة أمام أي تقدم في التفاوض. فقد وجه النائب العام عبدالله العلفي بالإفراج عن 28 معتقلا على ذمة الأحداث بالجنوب ، وفقا للعفو العام الذي أعلنه رئيس الجمهورية عشية الذكرى العشرون للوحدة اليمنية.

عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني محمد غالب أحمد أكد تسلم المرصد اليمني لحقوق الإنسان مذكرة الإفراج من النائب العام لـ 28 سجين. وأوضح غالب أن من بين المفر ج عنهم أحمد بامعلم، والسفير قاسم عسكر جبران وفادي باعوم، إضافة إلى 23 شخصا من معتقلي الحراك في حضرموت ، و2 من عدن.

وأحمد بامعلم، برلماني سابق في الفترة بين 1997 و 2003، حكم عليه في 23 مارس 2010 بالسجن 10 سنوات من قبل محكمة امن الدولة، بتهمة المساس بالوحدة الوطنية. واعتقل بامعلم، وهو من مواليد 1954، وضابط متقاعد، في أبريل 2009.

وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة قضت، في أواخر مارس العام الجاري، بالسجن 5 سنوات على السفير السابق قاسم عسكر جبران بعد إدانته بارتكاب أفعال إجرامية بقصد المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على إثارة الفتنة وتعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر. واعتقل عسكر في السادس عشر من أبريل 2009 في مدينة عدن.

فيما فادي باعوم، والذي صدر حكما بسجنه 5 سنوات بتهمة المساس بالوحدة، اعتقل أثناء مداهمة منزله في مدينة المكلا 27 أبريل 2009، وفادي هو نجل السياسي حسن باعوم.

...

في 23 فبراير 2009، وقعت الأطراف نفسها اتفاقية تتكون من 3 بنود. كانت الوثيقة تنص على تعديل المادة 65 من الدستور التي تحدد فترة مجلس النواب بـ6 سنوات بما يسمح التمديد عامين إضافيين، وذلك من أجل: "أولاً : تهيئة الأجواء المناسبة لإتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية. ثانياً: تمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من استكمال مناقشة المواضيع التي لم يتفق عليها أثناء إعداد التعديلات على قانون الانتخابات وتضمين ما يتفق عليه في صلب القانون. ثالثاً: إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقاً لما ينص عليه القانون".

لم تكن هذه البنود واضحة ولم تكن ألفاظها دقيقة. صحيح أن الأحزاب الممثلة في مجلس النواب قامت على ضوء هذه الوثيقة بتمديد فترة المجلس سنتين إضافيتين. لكن عدا هذا الإجراء لم يتم شيء. ذلك أن بنود الاتفاق وبالذات الأول والثاني، كانت مصاغة بطريقة يسهل تأويلها بحسب الأمزجة والأهواء. ولسوف ينخرط الفرقاء في مارثون التأويل والتأويل المضاد، لعبة مملة وبائسة.

بعد التوقيع على الاتفاقية التي كان للارياني دورا جوهريا في انجازها من طرف المؤتمر، اظهر الجميع تفاؤلهم حيالها بنفس القدر. لكن لعبة التفسيرات جاءت فيما بعد، وراح الأطراف يتسابقون في وضع آليات تنفيذ كل بما يتناسب مع تصوره. ولان الثقة منعدمة فإن كل معسكر كان يرى في ما يقدمه الآخر فخا للإيقاع به، وفي كل تنازل كمين يتربص.

طرأت متغيرات كثيرة بعيد التوقيع على وثيقة 23 فبراير 2009. اندلعت حرب سادسة في صعدة، وتصاعدت أعمال العنف في الجنوب، وتضاعف المعتقلون، وراحت أيام السنتين الإضافيتين تتسرب من بين أصابع الساسة مفرطو الذكاء.

في ابريل 2010، توصل المشترك مع الدكتور عبدالكريم الإرياني إلى صيغة اتفاق شبه نهائية. كان الاتفاق يقضي بتشكيل لجنة مشتركة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل استناداً إلى ما نصت عليه الفقرة الأولى من اتفاق فبراير 2009 والتي تنص على: "إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني من مناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي النظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية".

ولقد تضمن الاتفاق 12 بندا. منها التالي: "أن تلتقي أحزاب اللقاء المشترك مع المؤتمر الشعبي العام كممثلين لشركائهم وحلفائهم في لقاء تمهيدي يقوم فيه كل من الطرفين بتحديد وتسمية شركائهم وحلفائهم والذين سيمثلون الطرفين في اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني، ولا يجوز لأي طرف الاعتراض على ما يقدمه الطرف الآخر. تشكيل اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني من القائمتين بالتساوي بعدد إجمالي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين. يستحضر الطرفان إلى جانب ما ورد أعلاه قائمة أخرى بأسماء الأحزاب والقوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي سيتم الاتصال بها والتشاور معها من قبل لجنة الإعداد والتهيئة للحوار، وضم كل من يقبل بفكرة الحوار الوطني إلى قوام اللجنة بنفس المعايير التي يتم بها تشكيل اللجنة من حيث العدد والتمثيل".

وانطوى الاتفاق إضافة إلى ما سبق، على: "إيقاف الحملات الإعلامية التي تقوم بها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الرسمية ضد المعارضة السياسية وأحزاب اللقاء المشترك عملاً بالدستور والقانون. وأن تكون أعمال لجنة الحوار الوطني شفافة ومعلنة بما يمكن الرأي العام والأشقاء والأصدقاء من متابعة أعمالها أولاً بأول. وتم الاتفاق على إتاحة الفرصة لعرض موضوع المعتقلين على الرئيس".

سنلاحظ كيف أن هذا المحضر الذي تم التوقيع عليه في ابريل الماضي، هو نفسه الذي وقعت عليه الأحزاب السبت بحضور الرئيس صالح، باستثناء البند المتعلق بالحملات الإعلامية ووسائل الإعلام، وبند المعتقلين السياسيين.

نستطيع أن نتفاءل، لكن ليس إلى ما لا نهاية. الأمور أكثر تعقيدا مما تبدو عليه. ففي السياسة تبقى المسافة بين المعلن والمضمر كبيرة، وكلما تقلصت الهوة بين المواقف المعلنة والمخفية، زادت فرص الحل والتسوية والتوافق.

على أن الجميع يخشى لعبة جديدة للتأويلات. يحمل المحضر الأخير بذرة التباس لا تخطئها العين. إنه لم يتطرق للانتخابات النيابية مطلقا، وهل ستجرى في موعدها أم لا. هذا يعني إنه مكرس كليا للبند الأول من اتفاقية فبراير، التي نجح المشترك في فرض تفسيره لمضمونها والذي يتلخص في تشكيل لجنة تحضيرية للتهيئة للحوار الوطني الشامل.

لا يزال الأمر مفتوح على احتمالات لا حد لها. عبدالكريم الارياني قال عقب التوقيع على الوثيقة إنها تتضمن فقط آليات إجراء حوار وطني شامل وذلك فيما يخص البند الأول من اتفاق فبراير 2009، مشيرا إلى أن البندين الثاني والثالث المتصلان بقانون الانتخابات واللجنة العليا للانتخابات، ستعنى بهما الأطراف من خلال مجلس النواب.

فهل كان الارياني يومئ إلى أن ثمة تفاهمات جانبية تقضي بالسير بموضوع الانتخابات في مسار ثان بعيدا عن أعمال لجنة الحوار الوطني؟ أم إننا بصدد تأجيل ثان للانتخابات، ريثما تنجز لجنة الحوار الوطني برنامج عملها؟ وما هو برنامج عملها أصلا، إن لم يكن إخضاع كل القضايا محل الخلاف للنقاش والتفاوض والتسوية؟

هل سيتغاضى المشترك عن مقاربته للإصلاح السياسي الشامل، وتأجيلها إلى بعد الانتخابات؟

ممثل اللقاء المشترك عبد الوهاب محمود أعرب عن أمله بأن تكون الفترة القادمة فترة ثقة وتعاون، لأن البلد تحتاج إلى هذه الثقة وهذا التعاون لانجاز المهام الكبيرة وجمع شمل كل اليمنيين، مؤكدا تمسك اللقاء المشترك باتفاق فبراير بكل بنوده وسنقوم بتنفيذ هذا الاتفاق. وكأنه يرد على الارياني!

الرئيس تحدث بايجابية عن الاتفاق، لم يحتوي تصريحه على تلميحات من أي نوع. لقد اعتبر التوقيع خطوة إيجابية نحو "الانفراج السياسي والترفع فوق كل الصغائر". وقال: "نبدأ مرحلة جديدة لأن الوطن ملك للجميع وليس ملكا للسلطة الحاكمة ولا للمعارضة، فالبلد يتسع للجميع ومسئولية الجميع، والمعارضة هي الوجه الآخر للنظام السياسي، وبلدنا بلد تعددي، بلد ديمقراطي، وكلما حدث للأسف فيه تشويه للديمقراطية في اليمن وتضخيم إعلامي، لان ما يحصل من مماحكات ومساجلات تندرج في الإطار الديمقراطي، والمفروض ألا يضيق صدر أحد من العملية الديمقراطية".

وأضاف صالح: "نحن نعتبر ما تم توقيعه اليوم خطوة إيجابية، وإنشاء الله يمثل انفراج سياسي، وان يتم الترفع من قبل المعارضة والسلطة الحاكمة، والبدء بمرحلة جديدة، ووقف الحملات الإعلامية والتسريبات، فنحن في سفينة واحدة، ويجب أن نبحر بها سوياً، وأن يكون هناك قيادة لهذه السفينة من كل القوى السياسية".

وكرر الرئيس استعداده لتشكيل حكومة وطنية من كل أطياف العمل السياسي وذلك للسير قدماً نحو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، لكن "إذا نفذنا البنود المتفق عليها والآلية التي تنظم اتفاقية فبراير إنشاء الله ".

كلام الرئيس يوحي بأن إجراء الانتخابات يتوقف على نتائج عمل لجنة الحوار الوطني التي كان المحضر مكرس لآليات تشكيلها وعملها. لا يتعلق المحضر بالقائمة النسبية ولا تشكيل اللجنة العليا ولا التعديلات الدستورية اللازمة لإجراء الإصلاحات السياسية.

تقول المعلومات أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها. وتشير إلى أن اجتماع الرئيس صالح بالهيئات القيادية لحزبه الأسبوع الماضي، وتلويحه بالمضي في الانتخابات، كان له علاقة وثيقة بتأييد الأمريكيين لإجراء الانتخابات في موعدها، شريطة تهدئة جبهة صعدة. فيما تتحدث مصادر في اللقاء المشترك إن الاتحاد الأوربي أبدا تفهما في مسألة تأجيل قصير للانتخابات بالنظر إلى التعقيدات التي تكتنف الجدل السياسي.

لكن في نهاية المطاف تبقى الضبابية والالتباسات سمة مرتبطة بالعمل السياسي في اليمن.

الطريقة التي جلس بها ممثلو الأطراف الموقعة على الاتفاق تعيد الأذهان وقائع مشابهة مهمة وفاصلة في التاريخ اليمني. أغلبها انتهت إلى بلورة قواسم مشتركة وإرساء تقاليد ونظم وآليات عمل. بالمقابل فسجل السياسة اليمنية أيضا لا يخلو من لحظات اتخذ فيها الفرقاء مواقعهم وجلسوا حول طاولة مستديرة ووقعوا على الوثائق وارتصوا للتصوير وتعانقوا وفي الأخير انتهى كل شيء إلى تعقيدات وحروب ومآس لا حد لها.

* بالتزامن مع صحيفة اليمن

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن