ماذا بعد اتهام الأمم المتحدة لنظام السيسي بقتل مرسي؟

الأحد 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 01 صباحاً / مأرب برس- الخليج أونلاين
عدد القراءات 4306

 

لا تزال آثار وفاة الرئيس محمد مرسي المفاجئة مستمرة وعلى أشُدِّها، ولا صوت يعلو فوقها، مع خروج تقرير أممي يتهم السلطات المصرية بالتسبب في وفاته.

 

وكان رد الفعل المحلي والعالمي على وفاة مرسي هو الذي كشف جريمة سجن الرئيس الراحل والتسبب في وفاته، واتهام مصر بأنها أصبحت دولة تسيطر عليها الديكتاتورية العسكرية بالكامل، خصوصاً مع المعاملة المجحفة التي تلقاها مرسي، مقارنةً بـ"الديكتاتور" مبارك الذي حكم ثلاثين عاماً، وخرج من السجن بلا أي تهم.

 

ولم تُقََم لمرسي، الذي توفي في 17 يونيو 2019، جنازة رسمية، كما دُفن جثمانه سريعاً دون إجراء التحقيق اللازم في سبب الوفاة، ورُفض طلب عائلته دفنه في قريته التي نشأ فيها، ولم يُسمح إلا لزوجته وأبنائه بحضور جنازته.

 

ما الجديد في حادثة وفاة مرسي؟

في الـ8 من نوفمبر الجاري، وصفت الأمم المتحدة ظروف سجن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، بأنها كانت "وحشية"، مرجحة أن تكون ظروف الاعتقال هي التي أودت بحياته.

 

وقالت الأمم المتحدة في بيان، إن خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة أكدوا أن نظام السجون في مصر ربما يكون سبب موت مرسي، مشيرين إلى أنه قد يضع صحة آلاف المعتقلين بالسجون وحياتهم في خطر شديد.

 

وأكد البيان، الموقَّع باسم خبيرة الأمم المتحدة أغنيس كالامارد، أن الرئيس المصري الراحل اعتُقل في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها "وحشية"، خصوصاً خلال سنوات الاعتقال الخمس في مجمع سجن طرة، مضيفاً: إن "موت مرسي بعد استمرار هذه الظروف، يمكن أن يصل إلى القتل التعسفي العقابي من قِبل الدولة".

 

وختم البيان بالقول: إن هذه "ممارسة متعمَّدة من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية، لإسكات المعارضين".

 

بيان جيد ويجب استغلاله بالتصعيد

المحامي والقانوني المصري علاء عبد المنصف رأى أن البيان الصادر عن الأمم المتحدة بادرة جيدة تؤكد أن "المنظمات الدولية ما زالت مستمرة في مطلب فتح تحقيق دولي فيما حدث مع مرسي، أو في حالات قريبة أو ما شابه، وتسليط الضوء على أن السجون تحولت إلى مكان للموت، وليس لقضاء العقوبة بداخلها".

 

وأوضح عبد المنصف أن العمل الحقوقي مستمر حتى اليوم، للضغط بالوسائل القانونية كافة، للوصول إلى النتيجة المرجوَّة، مشيراً إلى أن هذا الأمر "مرتبط بمصالح دول وتقييمات دولية".

 

لكنه أكد مجدداً في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أهمية أن تواصل المنظمات العاملة والجهات الدولية مثل الأمم المتحدة، الضغط في هذا الأمر، مشيراً إلى أن "الخبراء ليسوا جهات تنفيذية، ولذلك يجب أن يُستغل التقرير الأخير بشكل صحيح".

 

وطالب المحامي المصري، بالتصعيد والضغط الدولي، "للوصول إلى النتيجة المرجوة فيما يتعلق بفتح تحقيق في وفاة مرسي"، مضيفاً: "التقرير والاستعراض الدوري الأممي الشامل الذي سيتم بعد أيام قليلة للملف الحقوقي المصري، يجب أن يطالبا بفتح تحقيق في هذه القضية".

 

كما رأى أن أهمية هذا التقرير تأتي من أنها أكدت ما تنادي به المنظمات الحقوقية المستقلة غير الحكومية بمصر، والتي تكشف باستمرار عن الانتهاكات التي تتم في البلاد بشكل ممنهج وواسع الانتشار، مضيفاً: "ومن ثم تعد هذه خطوة مهمة تؤكد أن هذه الادعاءات حقيقية وليست خيالية".

 

وشدد قائلاً: "سنعمل نحن كحقوقيين وقانونيين بالضغط المستمر على الحكومة المصرية، للعمل على تقليل أو وقف الانتهاكات كافةً التي تحدث بمصر".

 

وفيما يتعلق بإمكانية أن تتحول قضية مرسي إلى قضية دولية مثل قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر 2018، قال عبد المنصف: إن "التقارير الكبيرة فيما يتعلق بمرسي أو خاشقجي، ترتبط أساساً بسياسات دولية".

 

التحرك لإنقاذ من تبقى في السجون

الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز قال إن التقرير الذي أصدرته مقررة الإعدام خارج إطار القانون والاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة، حول وفاة مرسي "مهمٌّ لدرجة لا يمكن تجاهله، لقد كانت كل الشواهد تؤكد أن الرئيس قُتل".

 

وأوضح مدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط سابقاً، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن مرسي كان قد اشتكى إلى المحكمة أكثر من مرة، أن حياته مهدَّدة، وسبقتها شكوى محاميه من أنه يخشى على حياته من الطعام المقدَّم إليه، ومن الإهمال الطبي المتعمَّد الذي يتعرض له من إدارة السجن، مشيراً إلى أن "شواهد استشهاد الرئيس ورواية المشهد الأخير لحياته تصل بالعالِمين في الطب إلى حد اليقين بأن الرجل قُتل".

 

وأضاف: "الرئيس لم يحصل على العناية اللازمة كمريض سكر وضغط دم، وفقد تدريجياً الرؤية بعينه اليسرى، وعانى إغماءات متكررة في الفترة التي سبقت استشهاده، وهو ما يجعل الأطباء يُخرجون هذه الشواهد إلى مرتبة الدليل على قتل النظام له".

 

وأكد أن هذا التقرير "ورقة مهمة في ملاحقة النظام المصري ورئيسه بالمحاكم الدولية، لا سيما أن النظام استخدم سلاح القتل بالإهمال الطبي خلال السنوات التالية للانقلاب، للتخلص من المعارضين وتصفيتهم جسدياً"، مضيفاً: "هذا يؤكد أن النظام يتخذ من الإهمال الطبي وسيلة ممنهجة في معتقلاته"، متهماً في الوقت ذاته بأن مرسي قُتل "إثر سم دُسَّ له، وهو ما حذَّر منه الرئيس نفسه".

 

كما دعا المعارضة إلى التحرك في كل الاتجاهات، "ليس فقط لأخذ حق الرئيس الشهيد ومِن قبله مئات من معتقلي الحرية، بل لوقف نزيف تصفية المعارضين داخل سلخانات النظام ومجازره"، مطالباً المجتمع الدولي بـ"أن يكون أكثر اتساقاً مع مبادئه، ويتحرك بحسب المحددات الإنسانية التي تمليها عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية، للضغط على النظام، ليس فقط لوقف هذه الجريمة المستمرة التي لا تسقط بالتقادم، بل للتحرك نحو إطلاق سراح ما يقارب 70 ألف معتقل على خلفيات سياسية".

 

مطالبة بالتحقيق سابقاً.. واستنكار مصري

ولم يكن هذا التقرير الأممي هو الأول الصادر من الأمم المتحدة، حيث سبق أن دعت مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في 18 يونيو 2019، إلى إجراء "تحقيق مستقل" في ظروف وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في أثناء احتجازه.

 

وقالت المفوضية: "إن التحقيق يجب أن يتناول كل جوانب علاجه خلال فترة احتجازه ما يقرب من ست سنوات"، وأضاف المتحدث باسم المفوضية روبرت كولفيل: "أي وفاة مفاجئة في السجن يجب أن يتبعها تحقيق سريع ونزيه وشامل وشفاف تجريه هيئة مستقلة، لتوضيح سبب الوفاة".

 

وأضاف: "أثيرت مخاوف بشأن ظروف احتجاز محمد مرسي، ومن ضمنها إمكانية حصوله على الرعاية الطبية الكافية، والوصول إلى محاميه وعائلته، خلال فترة تصل إلى نحو ست سنوات في الحجز".

 

ويوم 19 من الشهر ذاته، خرجت مصر بتصريحات عبَّرت عن "استنكارها دعوة مفوضية حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، إلى "تحقيق مستقل" في الأسباب التي أدت إلى وفاة مرسي.

 

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ، في بيان: إنه "يستنكر بأقوى العبارات، التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول وفاة محمد مرسى".

 

واعتبر حافظ أن تصريحات المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، روبرت كولفيل، "تنطوي على محاولة تسييس حالة وفاة طبيعية بشكل متعمد"، على حد تعبيره.

 

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً بتاريخ البلاد، ولم يستمر في الحكم سوى عام وحيد، واجه خلاله "الدولة العميقة"، وانتهى بانقلاب عسكري نفذه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي صيف 2013، مستغلاً احتجاجات شعبية طالبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وليس تعطيل العمل بالدستور.

 

وبعد أقل من عام، أصبح السيسي رئيساً لمصر إثر انتخابات شابها "كثير من التزوير وغياب الشفافية والنزاهة"، في مشهد أعاد إلى الأذهان ما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك