5000 عاهرة في العالم يروجن لليهودية .. من يقف خلف هذا

الأربعاء 09 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - وكالات
عدد القراءات 5980

 

   

إلى هذه اللحظة ما زالت تتكشف أساليب استخدمتها الحركة الصهيونية التي نشرت مروجيها حول العالم لاستقطاب اليهود من دول الشرق والغرب، وعن طريق الأدب الإسرائيلي والفنون التي يتم بثها يوميا عبر شاشاتهم نتعرف على كيفية وصول اليهود إلى فلسطين وبناء المستوطنات لإثبات أن لهم حقوق في هذه الأرض.

وتقدم الدكتورة دانييلا رايخ من جامعة حيفا مسرحية إسرائيلية أدبية سميت “في تلك الليلة” مستوحاة من دراسة تاريخية كشفت عن آلاف النساء اليهوديات ممن قدمن أنفسهن لجنود الانتداب البريطاني في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي بتوجيه من قيادة الصهيونية من أجل تحقيق أهداف صهيونية.

وتتحدث المسرحية، التي عرضت للمرة الأولى ليلة الاثنين في القدس المحتلة وهي من إخراج وتمثيل الفنانة الإسرائيلية مايا باونوس، عن نحو 5000 فتاة يهودية تتراوح أعمارهن بين 18 و25 قُمن بالتقرب من الجنود البريطانيين بالإضافة إلى 1000 فتاة أخرى عملن كـ"بائعات هوى" وكل ذلك برضا وتوجيه من قادة الحركة الصهيونية.

وفي تلك الفترة كانت تل أبيب المدينة التي بنيت بجانب يافا عام 1908 تمتاز بفعاليات الترفيه والسهر والحفلات في منتديات ليلية ومقاهٍ بلغ عددها نحو 400 وفي مرحلة الحرب العالمية الثانية بلغ عدد الجنود البريطانيين والأستراليين ممن زاروا المدينة حوالي 100 ألف. لكن ظاهرة زواج المئات منهن مع جنود أجانب أثارت غضب الشارع اليهودي في فلسطين وقتها وزاد الغضب حينما تبين أن “الزانيات اليهوديات” تسببن بانتشار أمراض جلدية أثارت قلقا واسعا.

وتتناول دراسة المسرحية الفترة 1940- 1948 التي تقول إن قصص النساء اليهوديات تم طمسها وإقصاؤها من الرواية التاريخية الصهيونية في فترة الاستعمار البريطاني. وتعلل دراستها بالقول إنها رغبت بالبحث عن فعاليات الترفيه والثقافة كالأفلام والمسرحيات والعروض والمطاعم والمقاهي والنوادي الليلية.

وتعكس وقائع الدراسة التاريخية وتتناول حياة 100 ألف جندي أجنبي معظمهم بريطانيون أقاموا بالأساس في تل أبيب التي بلغ تعدادها نحو 200 ألف نسمة.

وتقول إن أعدادًا كبيرة من الجنود الأجانب اعتادوا على التجوال في شوارع تل أبيب ما أتاح لهم اللقاء والاحتكاك بسكانها، منوهة بأن تقرب النساء اليهوديات لهم جاء بتوجيهات متكررة من الوكالة اليهودية، كما تصف تل أبيب كمدينة غربية تحتوي على دور سينما ومقاهٍ ومطاعم ونوادٍ ليلية وخمارات، وتقتبس من صحفي أسترالي يدعى فيلفرد بينز، زارها في تلك الفترة، وقال في تقاريره إن الجنود الأجانب تمتعوا بما عرضته عليهم تل أبيب بل كانت “جنة عدن” لهم بعكس قبرص المجاورة التي تكاد تنعدم فيها أماكن الترفيه.

وتروي الدراسة المسرحية قصة انتشار “تجارة الزنا” نتيجة كثرة الجنود الأجانب البعيدين عن عائلاتهم من جهة، ووجود يهوديات مهاجرات فقيرات وعائلات يهودية كثيرة تكابد أزمة اقتصادية من جهة أخرى. وتكشف أنه في 1943 نشرت صحيفة أمريكية عن الظاهرة وقالت إن نسبة الزانيات مقابل عدد السكان في تل أبيب كان الأعلى في العالم مقارنة مع الأماكن التي تواجد فيها جنود أجانب وقتذاك.

ومع تفاقم الظاهرة، توجهت عائلات يهودية لجمعية “الحفاظ على شرف بنات إسرائيل” من أجل مضاعفة رقابتها على مواخير تل أبيب.

 

وكانت تلك اللجنة قد تأسست في 1942 بمبادرة الحاخامية المركزية وهي جزء من المجلس الديني في تل أبيب بهدف مكافحة الزنا في المستوطنات اليهودية.

وأنجزت اللجنة اليهودية المذكورة عام 1945 استطلاعا حول ظاهرة الزنا وقالت إنها تنقسم لأربعة أنواع: زنا داخل مواخير، زنا بمساعدة سائقي سيارات التاكسي، في المقاهي، وفي الشوارع. وشهدت الظاهرة انتشارا واسعا لدرجة أن جنودا بريطانيين قدموا شكاوى بأنه لم يعد بالإمكان دخول أماكن ترفيه دون تحرش نساء محليات بهم.

كما تكشف الدراسة المسرحية عن شكاوى سكان عاديين يتذمرون لبلدية تل أبيب عن تحويل بيوت الجيران لمواخير في الليالي.

أما ما أثار قلق قادة الجيش البريطاني فهو تفشي الأمراض الناجمة عن هذه العلاقات والتي أصابت نحو 250 جنديا بأمراض معدية، وهذه خلفية تأسيس معهد طبي بريطاني في تل أبيب لمعاينة كل من كان على اتصال بنساء محليات.

ودفعت تلك الظاهرة الشاعر الصهيوني مناحم بيالك للقول في 1934 إن عشرات “مواقع الترفيه” تزدهر في تل أبيب وتروج لثقافة الانحلال المثيرة للشبهات، لكن الظاهرة أخذت بالاتساع مع وصول عشرات آلاف الجنود البريطانيين والأستراليين ولاحقا التشيكيين والبولنديين للبلاد عام 1940 ضمن المجهود الحربي في الحرب العالمية الثانية.

وتقول الدراسة والمسرحية إن قيادة الصهيونية رغبت بتكريم الجنود الأجانب الذين قاتلوا ضد النازية، ولتوفير رد على الضيافة الفلسطينية الكريمة لهؤلاء الأجانب، لكن الأهم تم التعامل مع النساء اليهوديات كسفيرات ومروجات للمشروع الصهيوني لدى الجنود الأجانب.

 

ولم تقتصر الظاهرة على تل أبيب فقد تم تأسيس “بيوت ضيافة” في المستوطنات اليهودية بتمويل مؤسسات صهيونية وبلدية، قدمت خدمات لعشرات آلاف الجنود الأجانب علاوة على نوادي تل أبيب الليلية التي بلغ عدد روادها 20 ألف جندي كل شهر.

وداخل “بيوت الضيافة” هذه وجد الجندي الأجنبي وجبات شهية بأسعار مخففة، ومكتبة ودورات لتعليم العبرية، ومحاضرات وحفلات ورحلات وخدمات أخرى لرفاهية الزائرين، وكذلك بادرت المضيفات لدعوتهم لزيارتهن في بيوتهن.

وحسب الدراسة والمسرحية فإن القسم الدبلوماسي في الوكالة اليهودية كان الجهة الموجهة المنفذة لبيوت الضيافة اليهودية هذه. وبعد صدور الكتاب الأبيض عام 1939 والذي اعتبرته الصهيونية انحيازا للفلسطينيين اعتقدت الوكالة اليهودية بضرورة زيادة خدمات “بيوت الضيافة” بعكس جهات يهودية طالبت بوقفها.

وفعلا هذا ما حصل، حيث انضمت لدعم “بيوت الضيافة” بدءًا من عام 1940 “الاستخبارات الصهيونية” و”الصندوق القومي لإسرائيل” و”كيرن يسود”. وجاء ازدهار المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية في ثلاثينيات القرن الماضي نتيجة الهجرات اليهودية من شرق أوروبا ومركزها، وفي هذه المرافق السياحية عملا النادلات في تقديم “خدمات الزنا” أيضا

وتوضح رايخ أن “بيوت الضيافة” اشترطت قبول الفتيات اليهوديات للعمل فيها بأن يكنّ شابات ويجدن الإنكليزية وعدم التجند للجيش البريطاني. كما طلب منهن إرفاق ثلاث صور لكل منهن ومعطيات شخصية وتوصيات ضمن طلبات العمل المقدمة من طرفهن، علاوة على التزامهن باجتياز دورة في الصهيونية ومعرفة البلاد ضمن تأهيلهن كحاملات رسائل علاقات عامة.

وتتابع الدراسة والمسرحية في وصف تلك الحياة الليلية في النوادي وبيوت الضيافة: “الأضواء الخافتة والموسيقى الهادئة والأجواء الرومانسية في الليالي ساهمت كثيرا في نشوء القرب بين الفتيات اليهوديات وبين الجنود الأجانب”.

وتوضح رايخ أن هذه المساعي الصهيونية أثمرت، وتدلل على ذلك باستعراض رسائل شكر بلغت من الجنود، وفي واحدة منها يقول جندي تابع لسلاح البحرية البريطاني في مذكرته للوكالة اليهودية إنه لم يجد مثل هذه الضيافة وهذا الكرم في أي واحدة من مستعمرات المملكة المتحدة في العالم”. وكتب جندي بريطاني آخر في رسالة شكر: “نجحتم بتحويل إسرائيل لبيت ثانٍ لي”.

وتقول رايخ في دراستها إن لكل شيء ثمناً، فقد أثارت الظاهرة غضب وعدوانية أوساط يهودية واسعة وقتها، خاصة أن هذه اعتبرت “بيوت الضيافة” بيوتا للدعارة. وتشير لنشاط منظمة يهودية تدعى “حلف الغيورين” التي لاحقت المضيفات اليهوديات، وغب حال ضبطت واحدة منهن برفقة جندي أجنبي، كان قادة هذه المنظمة يعاقبونها بحلق شعرها ونشر اسمها في مناشير في الشوارع دون تمييز بين من رغبت بالارتباط و”الزواج المختلط” مع الجندي الأجنبي أو مجرد قضاء أوقات معه. وتضيف: “رغم الاحتجاجات والغيرة والتوجهات الذكورية لدى الرجال اليهود استمرت ظاهرة بيوت الضيافة”.

أما المنظمات الصهيونية الإرهابية مثل “الليحي” و”ايتسل” فقد رصدت تحركات الفتيات اليهوديات لضمان عدم تعاونهن الاستخباراتي مع الجيش البريطاني وفي بعض الحالات تم قتل بعض النساء اليهوديات من متطرفين صهاينة. وكمثال على ذلك، تشير لقتل الفتاة كاديا مزراحي في 8 مارس 1947 على يد منظمة “الايتسل” التي قالت لاحقا في بيان إنه تم إعدامها لتسليمها أسماء ناشطين صهاينة للمخابرات البريطانية.

كذلك تم قتل ابنة بخور شطريت، القاضي في محكمة الصلح ولاحقا وزيرا للشرطة بعد 1948، لأنها تزوجت من جندي بريطاني قُتل معها في عملية الاغتيال، علمًا أن المنظمات اليهودية الإرهابية قد اتهمت الفتيات المتزوجات من أجانب بالرعونة.

وتعتبر رايخ أن تهميش هذه القضية في الرواية التاريخية الصهيونية جاء لكونها سرا وموضوعا حساسا رغب الإسرائيليون بنسيانه.