لماذا حبست سوريا أنفاسها .. عشية سقوط الطائرة الروسية

الأربعاء 19 سبتمبر-أيلول 2018 الساعة 02 صباحاً / مأرب برس - وكالات
عدد القراءات 3594

 

ليلة حرجة شهدتها الأجواء السورية، مساء أمس الإثنين، بعد إسقاط طائرة عسكرية روسية تقل 15 شخصا أثناء تحليقها فوق البحر المتوسط قبالة الساحل السوري، في الوقت الذي كانت فيه مدينة اللاذقية السورية تتعرض لهجوم بصواريخ إسرائيلية.

الطائرة الروسية من طراز "إيل-20" وتخدم أغراض الاستطلاع الإلكتروني، كانت في طريق عودتها إلى قاعدة "حميميم" الجوية التي تديرها روسيا بمحافظة اللاذقية، عندما اختفت عن شاشات الرادار، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية.

ما زاد من تعقيد المشهد، هو رصد أنظمة رادار المراقبة الجوية الروسية إطلاق صواريخ من الفرقاطة الفرنسية "أوفيرن" التي كانت في تلك المنطقة.

ولكن باريس سارعت إلى نفي الاتهام الروسي، وقال متحدث باسم الجيش الفرنسي إن "الجيوش الفرنسية تنفي أي ضلوع لها في هذا الهجوم".

فيما سارع الجانب الأمريكي إلى نفي أي علاقة له بأحداث الليلة الماضية، مرجحا أن تكون المدفعية السورية المضادة للطائرات أسقطت الطائرة الروسية دون قصد، أثناء تصديها لصواريخ إسرائيلية.

ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول أمريكي قوله إن واشنطن علمت بالحادثة بسبب بث القوات السورية نداءات للإنقاذ والبحث عبر الترددات الدولية.

   روسيا تتهم (إسرائيل)

ولم تنتظر روسيا وقتا طويلا حتى حسمت الأمر، عبر بيان لوزارة دفاعها، حمّل تل أبيب المسؤولية الكاملة عن إسقاط الطائرة الروسية.

وبحسب بيان وزارة الدفاع الروسية، فقد كانت الطائرة فوق البحر المتوسط على بعد نحو 35 كيلومترا عن الشريط الساحلي السوري، واختفت عن رادارات المراقبة الجوية أثناء هجوم شنته 4 طائرات إسرائيلية من طراز "إف-16" على منشآت سورية في محافظة اللاذقية.

ورغم الترتيبات القائمة مع (إسرائيل) لمنع وقوع تلك الحوادث، جرى إبلاغ قيادة القوات الروسية قبل دقيقة واحدة فقط من الهجوم الإسرائيلي، ما يحمّل (إسرائيل) كامل المسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها، بحسب البيان الروسي.

وكشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية "إيغور كوناشينكوف"، أن (إسرائيل) لم تبلغ قيادة مجموعة القوات الروسية في سوريا بالعملية المخطط لها، وقد جاء البلاغ عبر الخط الساخن قبل أقل من دقيقة من توجيه الضربة، ما لم يسمح بانسحاب الطائرة الروسية إلى منطقة آمنة.

وأشار "كوناشينكوف" إلى أن الطائرة الإسرائيلية تمكنت من التغطية بالطائرة الروسية، لتتلقى الأخيرة ضربة منظومة الدفاع السورية، موضحا أن "الطيارين الإسرائيليين دفعوا الطائرة الروسية في مسار أنظمة الدفاع الجوي السورية"، مضيفا أن الطائرات الإسرائيلية تعمدت خلق وضع خطير في منطقة اللاذقية.

فيما رأت صحيفة "جيروزالم بوست" أن المضادات السورية اعتبرت الطائرة الروسية، هدفاً وأصابتها نظراً إلى أنّها أصغر حجماً من الطائرة الحربية الإسرائيلية "إف-16" التي شنت الهجوم الصاروخي على اللاذقية.

وعلى خلفية تلك التطورات، استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي لدى موسكو، فيما امتنعت (إسرائيل) عن التعليق على الاتهامات الروسية.

ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني عن عضو الكنيست من حزب "الليكود"، "يؤاف كيش" قوله: "يجب معارضة المحاولة الروسية لتحميل (إسرائيل) المسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية، المسؤول الوحيد هو الشخص الذي ضغط على الزر لإطلاق الصاروخ الذي أسقط الطائرة".

   مصير اتفاق إدلب

وأثارت تطورات الليلة الماضية تساؤلات حول مصير اتفاق إدلب الذي اعلن عنه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين" قبل ساعات قليلة من التطورات التي شهدتها الأجواء السورية.

لكن الناطق باسم الرئاسة الروسية "ديمتري بيسكوف"، أكد أن إسقاط الطائرة الروسية لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تنفيذ الاتفاق، الذي يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين النظام السوري والمعارضة.وردا على سؤال صحفي حول هذا الأمر، قال "بيسكوف": "هذا الاتفاق مهم وتقدم مصيري من وجهة نظر مستقبل سوريا، ولن تؤثر الأحداث الأخيرة عليه"

واعتبر أن هذا الاتفاق يعكس قدرة موسكو وأنقرة على التوصل إلى حلول وسط ذات فعالية بما في ذلك مصلحة تحقيق الهدف النهائي المتمثل في تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية الدبلوماسية.

وعلى الرغم من الاتفاق التركي الروسي، رأى المحلل الإسرائيلي "سيث فرانتزمان"، أنّ الضربات الجوية على اللاذقية تؤشر إلى أنّ كل خطوة غير محسوبة قادرة على أن تؤدي إلى حصول أخطاء، محذراً من التبعات المحتمل وقوعها في حال حصول تصعيد.

   احتمالات وتداعيات

ويرى مراقبون أن هناك احتمالين وراء هذه الحادثة، أولهما عدم مراقبة الدفاعات الجوية السورية للطلعات الجوية الروسية، وثانيهما قصور الدفاعات الجوية السورية في التعرف على الطائرات الصديقة.

وبالإشارة إلى أن الدفاع الجوي السوري فعل منظومة "سام 200" السوفييتية الصنع، يرى مراقبون أن هذه المنظومة القديمة قد لا يكون تم برمجتها بكود لتمييز طائرات الحلفاء.

وتطرح الحادثة أسئلة حول قدرات "إيل-20" الروسية التي يعتقد أنها ليست مزودة بأنظمة تشويش حديثة ضد الدفاع الجوي، الأمر الذي يمثل تحديا لسمعة سلاح الجو الروسي.

الأيام المقبلة ستكشف المزيد من تفاصيل هذه الحادثة التي قد تدفع الروس لتجاوز الاعتراضات الإسرائيلية السابقة على تزويد النظام السوري بمضادات جوية أكثر تطورا مثل منظومة "إس-300".

ومن المتوقع أن تحمل هذه التطورات ظلالا على قواعد الاشتباك والتنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا، فقد تلجأ موسكو إلى إجراءات صارمة من شأنها وضع قيود على حرية الطيران الإسرائيلي داخل الأجواء السورية

وقد تستخدم إيران تلك الحادثة من أجل كسب موقف روسي أكثر تحفظا تجاه الهجمات الجوية الإسرائيلية، وخلق فجوة بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، بعد أن بدت موسكو وتل أبيب، خلال الفترة الماضية، في جانب واحد يستهدف تقويض النفوذ الإيراني.

وإجمالا، فإن المعركة المعقدة التي تكشفت فصولها فوق اللاذقية تشير إلى مخاطر احتشاد عدد كبير من القوى بالقرب من بعضها البعض في هذه المنطقة، حيث تنتشر فيها قوة بحرية وجوية روسية، ودفاعات جوية سورية روسية الصنع، فيما تنتشر قوات تركية إلى شمالها، وتتواجد فيها قوات إيرانية ومصانع مزعومة لصناعة الصواريخ.

المصدر | الخليج الجديد