بريطانيا تساند تركيا اقتصادياً بعد فرنسا وألمانيا… هل تملأ القوى الأوروبية الثلاث الكبرى الفراغ الأمريكي؟

الأربعاء 29 أغسطس-آب 2018 الساعة 07 مساءً / مأرب برس ـ وكالات
عدد القراءات 3358

بعد أيام فقط من رسائل الدعم الاقتصادية المباشرة التي أوصلتها ألمانيا وفرنسا إلى تركيا، دخلت بريطانيا على الخط معلنة نيتها تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع تركيا التي تعاني من أزمة اقتصادية بفعل العقوبات الأمريكية وغيرها من المشاكل الاقتصادية الداخلية.


والاثنين، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، العلاقات الثنائية والقضايا الراهنة والإقليمية في اتصال هاتفي، جرى بينهما ركز على مناقشة العلاقات الاقتصادية والتجارية المشتركة، وأكدا على أهمية تطوير الاستثمارات المتبادلة، كما جرى خلاله الاتفاق على عقد لقاء بين وزير الخزانة والمالية التركي براءت ألبيرق، ونظيره البريطاني فيليب هاموند، في أقرب وقت ممكن.


هذا الاتصال جاء بالتزامن مع وصول البيرق إلى العاصمة الفرنسية باريس، وعقده لقاءاً هاماً مع نظيره الفرنسي برونو لومير، ركز على بحث اتخاذ إجراءات مشتركة لمواجهة الخطوات الأمريكية الأخيرة ضد الاقتصاد التركي وسط توافق على ضرورة العمل على رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.


ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على تركيا ودخول الاقتصاد التركي في مشاكل كبيرة تمثلت في تراجع تاريخي بسعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، سارعت فرنسا وألمانيا أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي إلى تأكيد وقوفهم إلى جانب تركيا وأعلنوا مرحلة جديد من تعزيز التعاون والعلاقات الاقتصادية مع أنقرة وذلك من خلال اتصالات هاتفية جرت بين أردوغان ووزير ماليته من جهة، وأنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون ووزيري ماليتهما من جهة أخرى.


وبلغة الأرقام، تقيم تركيا مع الاتحاد الأوروبي علاقات تجارية واقتصادية أوسع بكثير جداً من تلك القائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فبينما لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين أنقرة وواشنطن الـ20مليار دولار، اقترب حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي من 160مليار دولار، كأكبر شريك تجاري لتركيا حوال العالم، فيما تتصدر دوله أيضاً قائمةً أكثر الدول التي تقيم تبادل تجاري مع تركيا حتى بشكل منفصل.


وحسب إحصائيات عام 2016، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والاتحاد نحو 160مليار دولار، شكلت صادراتها إلى الاتحاد 66.7مليار يورو، ووارداتها منه 78.01مليار يورو.
وتعتبر ألمانيا الشريك التجاري الأول لتركيا من بين دول العالم، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 40مليار دولار، وتعتبر ألمانيا السوق الأول للمنتجات التركية وتتصدرها قطاعات السيارات، والملابس الجاهزة، والحديد، والماكينات، وأجهزة التكييف، والبندق، والفواكه والخضراوات، والفواكه المجففة، ومن خلال التقارب الأخير ومحاولات تعزيز التعاون، تهدف تركيا إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع برلين تدريجياً ليصل إلى 70مليار يورو.


وبعد ألمانيا، تحل بريطانيا في المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري لتركيا في الاتحاد الأوروبي، فإلى جانب الاستثمارات البريطانية الضخمة، وصل حجم التجاري بين البلدين إلى قرابة 16مليار دولار، ويهدف البلدين إلى رفع هذا الرقم خلال فترة قصيرة إلى أكثر من 20 مليار دولار.


وتعتبر بريطانيا ثاني أكبر سوق مستورد للمنتجات التركية بعد ألمانيا، حيث ارتفعت من قرابة 6مليار عام 2009، إلى قرابة 10مليار عام 2017، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام الحالي وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 5مليار دولار ما يعزز الأمل بالوصول إلى الرقم المطلوب (20مليار) مع حلول نهاية العام، كما أن رجال الأعمال البريطانيين لديهم استثمارات مباشرة في تركيا بقيمة تصل إلى 10مليار دولار، كما ينشط في تركيا أكثر من 3آلاف شركة بريطانية.
وفي المرتبة الثالثة، تحل فرنسا التي يصل حجم تبادلها التجاري مع تركيا إلى أكثر من 14مليار دولار، فيما يحاول وزير المالية التركي الذي أجرى الاثنين مباحثات مع نظيره الفرنسي إلى الوصول إلى آلية حقيقية ترفع هذا الرقم إلى 20مليار دولار سنوياً بشكل سريع.


وبينما يضمن تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا من جهة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى وتعزيز التبادل التجاري بينهما تعويض جزء كبير من آثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية على تركيا إلا أن أنقرة تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.


فالهدف التركي الأساسي والذي تسعى إليه أنقرة منذ سنوات طويلة هو التوصل إلى صيغة لتحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الموقع مع الاتحاد الأوروبي بحيث يشمل المنتجات الزراعية والحيوانية كونه يقتصر حالياً على المنتجات الصناعية، وهو الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام مضاعفة حجم التبادل التجاري بين أنقرة وبروكسل بما يتيح رفعه إلى أكثر من 200 مليار دولار خلال فترة قصيرة جداً، وإلى قرابة 500 مليار دولار خلال 5 سنوات فقط.


ولا يرى الاتحاد الأوروبي من مصلحته أبداً أن تشهد تركيا أزمة اقتصادية تنعكس على الاتحاد في كافة المجلات، حيث يخشى أن تؤدي أزمة اقتصادية في تركيا إلى هز الاستقرار السياسي فيها الأمر الذي يمكن ان يتصاعد على شكل انعدام للاستقرار الأمني يقود تركيا لأن تصبح دولة فاشلة تعاني من تراجع الاستقرار السياسي والأمني، في سيناريو يراه مراقبون «مرعباً» لأوروبا التي تعتبر تركيا حائط الصد الأول عنها أمام مناطق النزاع في العالم العربي لا سيما في سوريا والعراق.


ويعطي الاتحاد الأوروبي أولوية لمنع تحول تركيا إلى دولة ضعيفة أو فاشلة على الصعيد الداخلي ما يعني فقدان الاستقرار الأمني وخطر انتقال الإرهاب من مناطق النزاع في سوريا والعراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، إلى جانب انفجار أزمات غير مسبوقة كأزمة لاجئين نحو الاتحاد الأوروبي، والآثار الاقتصادية الكبيرة التي ستلحق بالأسواق الأوروبية في حال تعمق الأزمة الاقتصادية في تركيا.