هل يسمح الشعب اليمني أن يحكمه شخص؟

الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - أحمد شبح
عدد القراءات 8672
 
 

يدرك عبدالملك الحوثي -قبل غيره- أن الشعب الذي خرج ثائراً ضد حكم "عائلة" لن يقبل بالتأكيد أن يحكمه "شخص". لن يقع الشعب تارة أخرى في جحر الشخصنة وتقديس "الذوات"، وينسحب الأمر ذاته على استحالة قبول الشعب بأفكار ومعتقدات تعطي الشخص وحده حق الحكم أو الولاية على الأمة وما سواه مجرد عبيد يتوجب عليهم الانصياع ودفع خمس أموالهم جباية بغير حق.

فكرة التمييز العنصري والسلالي والمذهبي التي تقوم عليها أفكار الحوثي تتعارض بصورة كاملة مع مبادىء المواطنة المتساوية التي ينتظر أن تأتي بها الدولة المدنية القادمة، مثلها في ذلك مثل قواعد الإسلام الحنيف الذي ساوى بين علي بن أبي طالب وسلمان الفارسي رضي الله عنهما. فأبجديات المواطنة المتساوية تتعارض مع التقسيم الفئوي للمجتمع؛ تقسيم (السيد والأشراف والقبائل والعبيد). والأمر ذاته ينطبق في أحقية كل من ينظر إليه كعبد في الولاية والحكم بدرجة ومعايير مساوية مع من ينظر إليه كسيد، إنها تساوي بين السيد والعبد في الحقوق والواجبات ومن بينها حق الولاية التي لا تفرق بين فقيه وعامل نظافة.

جاء الإسلام الحنيف وستأتي الدولة المدنية بالتأكيد بمبدأ أحقية من ينظر إليه على أنه "عبد" في حكم "السيد" (ولو كان عبداً حبشيا) بذات الدرجة لحق "السيد" في حكم "العبد".

لعلهم لا يعلمون أو لا يريدون أن يعلموا أن فكرة تقديس "السيد" قد تجاوزها اليمنيون وأنها ستكون مسيئة لثوابت المواطنة والعدالة الاجتماعية والحقوقية المتساوية التي سوف تأتي بها الدولة المدنية، وبالتالي لن يقبل المواطن بكل ما يتعارض مع تلك الثوابت ولن تسكت عليها الدولة ما دامت مناقضة ومسيئة لأهم ما يطالب به اليمنيون من الحرية والعدالة ودفعوا ثمناً لذلك -حتى الآن- مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

سيكون من أول واجبات الدولة المدنية القادمة أن تكفل حرية المعتقد والانتماء، وبالمقابل سيكون من أهم واجباتها عدم السماح بحياة أفكار تزرع الدونية والفرقة المذهبية أو الفكرية أو العنصرية، وأية أفكار تتعارض مع مسلمات المواطنة المتساوية. لا وجود لمحميات مذهبية أو سلطنات فكرية.. لا مكان للاستقواء بحسب أو نسب أو سلالة أو قبيلة.

ضحية الأمس وجاني اليوم

كان ينظر إلى الحوثي كضحية من ضحايا نظام صالح إلا أنه يصر على قلب المعادلة، إذ أظهر ويظهر أنه متمرد وذو نزعة عدوانية وزعيم لحركة يصر سيدها على أن تكون متمردة. إنه لا يقل إجراماً وعدوانية من علي صالح وعصابته. إذا كان صالح طلب من فقهاء السلطة "فتوى" كي يقتل المدنيين فإن الحوثي يقتلهم بلا فتوى. كان علي صالح يفرض حكم "النهدين" بمزاعم الديمقراطية والحوثي يريد فرض حكم "البطنين" بالقوة والسلاح. الشعب الثائر ضد "النهدين" لن يقبل الاحتكام لـ"البطنين".

صعدة.. المحمية الحوثية

كانت صعدة أولى محافظات الجمهورية سقوطا بيد الثورة السلمية التي أعلن الحوثيون انضمامهم لها. صارت المحافظة اليوم مغلقة أمام المواطنين وأمام الزائرين الذين بات مطلوبا منهم الحصول على موافقة حوثية للدخول كما لو أنها إقطاعية أو محمية قيدت باسم عبدالملك الحوثي.

وفي كل مرة تلوح بيارق انتصار الثورة يسرع الحوثي من توسعه العنيف في محافظة حجة والجوف وحاول في عمران في غير مرة. والتوسع المتزامن مع أية نجاحات تحققها الثورة يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مخفيات علاقة الحوثي بنظام صالح الذي كشفت قيادات معارضة في محافظة الجوف عن إعطاء الأخير للأول الضوء الأخضر للاستيلاء على الألوية والمعسكرات بالمحافظة.

يواصل الحوثيون معاركهم ضد القبائل بهدف الوصول إلى ساحل البحر الأحمر في محاولة لاستغلال عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد.

وبالتالي لا يمكن استساغة الجشع الزائد الذي يبديه الحوثي في استخدام القوة والتوسع العنيف على الإطلاق، ربما كان ذلك هروباً من السقوط المحتم الذي سيأتي به ربيع الثورات العربية التي ستجتث التطرف العقدي والمذهبي من جذوره.

كما لا يمكن أن يكون ذلك التهور في توسع العنف الذي يسرف فيه الحوثي ناتجا عن عقل عاقل سياسي كان أو مهرب أو زعيم عصابة، إذ أن الانتشار السريع والتشتت في القوة وفتح جبهات متعددة تولد ثقوباً وثغرات عميقة وتمكن الخصوم أو الأعداء من اختراق جدار الحماية والتسلل من نقاط الضعف.

الاستثمار في العنف

يستثمر الحوثي الأموال الكبيرة -التي حصل عليها من دول تدعم نشاطه وتوسعه إذ أغرق الأسبوع الماضي محلات الصرافة بعملة "اليورو"- في توزيع الأسلحة وشراء الولاءات غير المضمونة. هي قمة الغرور بالعظمة والتملك الزائف. لو قدر للحوثي استثمار تلك الأموال في إحداث تنمية وخصص زكاتها في دعم البنى التحتية وفتح مشاريع استراتيجية وتوظيف أيادي عاطلة واستثمار أرصدته في الوطن، لأكسبه ذلك عددا كبيرا من المناصرين والموالين والأتباع. ربما كان ذلك أجدى له من توزيع الأسلحة وتخويف الآمنين واستثمار أمواله في تركيع المدنيين.

وشهدت مزارع عبدالملك الحوثي خلال الأشهر الأولى من العام الجاري ارتفاعاً في عدد الزائرين، كان الحوثيون يستضيفون شبابا من الثورة حاولوا كسبهم من الساحات. سوق الحوثيون أنفسهم كمدنيين يقبلون بالآخر وقابلين للتطور والتعايش السلمي واستعطفوا بذلك كثيرا من شباب الثورة الذين اغتروا بإعلان الحوثي ثوريته ودفعه عناصر من أتباعه إلى الساحات التي سجلت إعجابا كبيرا بالتحولات المفاجئة في الفكر الحوثي الذي خيب آمالهم بقتل شباب وأنصار الثورة في محافظة الجوف فيما تبدت مع مرور الوقت لشباب الثورة حقائق النزعة الإقصائية التي تملأ فكر ومعتقدات ومعاملة الحوثي الذي لم يفلح في إخفاء ضيقه بالآخر ونظرته الدونية وخصومته لقوى المعارضة.

مع انكشاف تلك الحقائق تسلل الإدراك والوعي إلى عقول وقلوب الشباب وتسللت الفراغات إلى خيام "شباب الصمود" التي كانت تزدحم بالمغرورين بالانفتاح الحوثي، صارت نفوس شباب الثورة تتقزز من موائد الغداء التي تقام على مقربة من خيمة لجنة الاستقبال التابعة لشباب الصمود.

تكميم الأفواه في العاصمة

الاثنين قبل الماضي، جند الحوثي مجموعة من أنصاره وسط العاصمة لعرقلة مؤتمر صحفي لصحفيين وحقوقيين زاروا محافظة صعدة التي ينظر لها كمحمية مذهبية وقتالية. إنه يمنح لنفسه حق الوصاية على الصحافة ويتوجه نحو نقابة الصحفيين للاستقواء بنزعته العنيفة لمحاولة تكميم الأفواه وحجب الحقائق وتركيع الناس لجنونه في التسلط. ما حدث لم يكن في منطقة دماج أو مديرية ضحيان بل حدث وسط العاصمة.

هذه الخطيئة استبقها القائد العسكري لجماعة الحوثي، أبو علي عبدالله الحاكم، بتهديده بإحراق جميع المشاركين في وفد شباب الثورة إذا هم عقدوا مؤتمرا صحفيا لكشف حقائق الوضع الإنساني جراء القصف والحصار على منطقة دماج. لم يكتف الحوثي بمحاصرتهم ووضعهم تحت المراقبة ونهب كاميراتهم وأجهزتهم الاعلامية، بل طالبهم بإصدار بيان صحافي لصالحه مقابل تأمين خروجهم.

وتعرض عدد من الصحفيين والناشطين الحقوقيين زاروا منطقة دماج خلال الأيام الماضية لمضايقات من قبل الحوثيين حيث صودرت هواتفهم وكاميراتهم من قبل الحوثيين، كما تعرضوا لتفتيش دقيق ومراقبة لكل تحركاتهم في المنطقة -طبقاً لبيان صادر عن الوفد الذي زار المنطقة. وتلقى الزميل الصحفي محمد الأحمدي المشارك في الوفد تهديدا بقطع لسانه.

إذا كان هذا التعامل الحوثي مع الصحفيين ووسط العاصمة فكيف يكون تعامله مع المواطنين في صعدة وحجة والجوف وعمران؟! وصل الجنون بالحوثيين حد منع الأغاني والاستماع لمقرئين لا ينتمون إلى الطائفة الشيعية، بما فيهم القارئ السديس، وأشرطة الشيخ القرضاوي والزنداني. مع العلم أن صعدة ليست محمية شيعية وأن التقديرات تقول أن الخارطة المذهبية في صعدة قد تغيرت لمصلحة المنتمين للسنة إذ تقدر نسبتهم بأكثر من 50% ومع ذلك يجيد الحوثي ممارسة سياسة المنع لكل شيء لا يتوافق مع هواه. ومع ذلك يقولون إنهم حركة قرآنية!

مع الثورة ضد الثوار

في الوقت الذي وزع فيه الحوثي بياناً يرفض فيه المبادرة الخليجية ويؤكد استمراره مع الثورة الشعبية ضد "النظام الظالم ووقوفنا إلى جانب الثوار الأحرار"، ويدعو فيه "الجميع للعمل المشترك في إطار العمل السلمي حتى تتحقق كافة مطالب الثورة وأهدافها"، كان مسلحوه يشنون حرباً عنيفة على المواطنين في منطقة كشر بمحافظة حجة. ربما يقول الحوثي إن المعارك التي يخوضها ضد المواطنين في صعدة وحجة وعمران والجوف هي "دفاع عن النفس" كما قال في كل بياناته، ولنا أن نسأل: من من يدافع الحوثي عن نفسه في تلك المناطق؟ وهل تندرج تلك الجرائم ضمن العمل السلمي والدفاع عن الثورة؟

أين زعماء الحوثية وعلماء الزيدية؟

هناك قيادات حوثية بارزة من أسرة الحوثي ومن غيرها من الأسر الهاشمية البارزة قد تكون تعارض ما يتفرد به السيد، لا يمكن أن تفهم ما إذا كانت تلك القرارات المتسمة بقدر كبير من الجهل والمغامرة تنتج عن حركة منظمة ذات تجربة. فيما إذا كانت تتخذ بالتشاور مع القيادات الداخلية والخارجية، يمكن القول بأن رموز الحركة يجرونها أو يتفرجون على مضيها نحو التهلكة الحتمية، هذا إن لم تكن هناك أطراف تعمل على تعجيل سقوط الحوثية وتوسيع حدة كراهيتها سياسياً وإعلاميا ومجتمعيا. ما لم فإنها تبقى قرارات ارتجالية تجبر أتباعها على تنفيذها بالإغراء بالمال أو بالقوة أو الجهل. قرارات تقول المعطيات إن احتمالات خطأها أكثر بكثير عن احتمالات صوابها التي تكاد تكون معدومة.

ليس هناك أدنى شك في رفض شخصيات من أسرة الحوثي وقيادات بارزة في الحركة وأسر هاشمية أخرى وغالبية علماء الفكر الزيدي لما يقوم به عبدالملك فعائل وما ينفرد به من قرارات غير وطنية وإصراره على تهميشهم وإقصائهم. كما ليس هناك أدنى شك في أن سكوتهم جميعاً ليس رضى بما يجري، تبقى احتمالات اتخاذهم قراراً شجاعاً في وقته المناسب مفتوحة تضع حداً لتلك القرارات المتهورة وتعيد الاعتبار لهم وللفكر الزيدي. في جميع الأحوال، ربما ينتظر منهم إعلان موقفهم من ذلك رفضاً أو تأييداً، وربما يسهم ذلك في انتشال الحركة من مقصلة عبدالملك.

نستحضر هنا مثلاً مواقف محمد عبدالعظيم الحوثي الذي يناهض ما يقوم به عبدالملك، وكان الأخير اعتدى على الأول واندلعت اشتباكات مسلحة بين أتباعيهما (يونيو 2010م) أسفرت عن قتلى وجرحى وقيام العناصر التابعة لعبدالملك بتفجير 13 منزلا ومسجد ومدرسة وتشريد عدد كبير من المواطنين في المنطقة بحجة موالاتهم لمحمد عبدالعظيم.

يعتبر محمد عبدالعظيم أن جماعة "الشباب المؤمن" التي تولى قيادتها عبدالملك منذ ما بعد مقتل شقيقه الأكبر حسين بدر الدين (سبتمبر 2004م) خرجت عن الدين وأنها "طلائع الدجال"، ويقول إن عبدالملك الحوثي وجماعته "لا يمثلون الزيدية بل ويعادونها ويمثلون مذهباً غريباً هو المذهب الاثنى عشري".

وفي حوار سابق مع محمد عبدالعظيم نشرته "الأهالي" (ديسمبر 2010م) قال الإمام الزيدي محمد عبدالعظيم إن أتباع حسين الحوثي ليس لهم مذهب "ما هم زيدية ولا جعفرية ولا شافعية ولا معهم مذهب من المذاهب، والدليل على ذلك استباحتهم لأموال المسلمين ودماءهم بغير الحق وهذا ما هو مذهب أحد، لا هو مذهب الجعفرية ولا الشافعية ولا مذهب الزيدية، فالشباب المفتون هم أعداء الإسلام كله وأعداء الدين وأعداء المؤمنين".

نقلاً عن صحيفة الأهالي.

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن