تقييم الظواهري زعيم القاعدة الجديد خلف بن لادن

الأربعاء 29 يونيو-حزيران 2011 الساعة 04 مساءً / مأرب برس – وال ستريت جورنال
عدد القراءات 7188
 
   

لم يعد مبارك، ذلك الحاكم العسكري الذي كان السبب في تعذيب الظواهري، هو نفسه بأي شكل، فبعد أن حكم لسنوات طويلة، أصبح اليوم مريضاً وقيد الاعتقال، كما أنه متهم بالفساد وجرائم القتل. لقد أدت ثورة كبرى وناشطة إلى تدمير نظام حكمه، لكن لم تصب هذه الثورة في مصلحة الظواهري أيضاً، فقد نسيه بلده وتخطى مشروعه بأشواط.

في حال اطلع أيمن الظواهري على نتائج استطلاعات الرأي، سيشعر زعيم “القاعدة” الجديد بالإحراج حتماً كونه أقل شعبية من باراك أوباما بنظر مواطنيه السابقين من المصريين، ففي أحدث استطلاع رأي أجراه معهد السلام الدولي، مقره نيويورك، وشارك فيه 800 ناخب مصري، تبين أن نسبة تأييد الرئيس أوباما بلغت 12%، بينما اقتصرت نسبة تأييد أيمن الظواهري على 11%.

كانت تطلعات هذا الرجل المصري الذي غادر بلده الأم منذ ربع قرن تقريباً لتلبية دعوة الجهاد أكبر من ذلك بكثير، فهو سُجن في عام 1981 غداة اغتيال الرئيس أنور السادات، وكان يحلم بعودة الأبطال إلى بلده، وبإسقاط النظام العلماني الذي كان يرأسه حسني مبارك، وبفرض نظام ديني إسلامي

.

لتحقيق هذه الغايات، أعلن دعمه لقضية أسامة بن لادن، وكانت “الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين”، التي تشكلت في عام 1998، عبارة عن اتحاد مجموعة من المجاهدين العرب الهاربين من الأجهزة الأمنية المحلية ومن أوطانهم.

استفاد هؤلاء الأشخاص من تعصّب حركة “طالبان” والفوضى السائدة في الأراضي القبلية في باكستان، لكن لطالما كانوا يستهدفون في المقام الأول الأنظمة العربية التي نفتهم من بلادهم. بالنسبة إلى بن لادن، كانت الحملة الانتقامية تستهدف النظام السعودي، أما بالنسبة إلى الظواهري، نائب بن لادن، فكان غضبه الأساسي يصب ضد النظام العسكري الذي اعتقله وعذبه والذي حول مصر، بحسب رأيه، إلى محمية أميركية خانعة.

يعبر الإرث الذي حصل عليه الظواهري، غداة مقتل بن لادن، عن المفارقات الساخرة التي طبعت هذا المشروع الجهادي بسبب الأحداث التاريخية الحاصلة، فلم يعد مبارك، ذلك الحاكم العسكري الذي كان السبب في تعذيب الظواهري، هو نفسه بأي شكل، فبعد أن حكم لسنوات طويلة، أصبح اليوم مريضاً وقيد الاعتقال، كما أنه متهم بالفساد وجرائم القتل. لقد أدت ثورة كبرى وناشطة إلى تدمير نظام حكمه.

لكن لم تصب هذه الثورة في مصلحة الظواهري أيضاً، فقد نسيه بلده وتخطى مشروعه بأشواط، فلم يشأ الشبان والشابات الذين ملؤوا ميدان التحرير تحمل عواقب تلك المواجهة المميتة بين استبداد النظام وحكم المجاهدين المعروف بالتعصب والرعب. تماماً مثل معظم العرب في الآونة الأخيرة، أدرك المصريون أن الحكام الاستبداديين والمتدينين يحتاج بعضهم إلى بعض، ويستفيد بعضهم من بعض، ولم تنشأ أي طبقة معتدلة ما بين حكام البلد الاستبداديين والمتدينين المسجونين أو المختبئين.

لقد أدت الثورة إلى تغيير معالم مصر، فلم يكن أحد يهتم بمغامرات الظواهري، ولم تكن لإقامته بعيداً في هندوكوش أي أهمية بالنسبة إلى هذه الثورة، فمن المعروف أن الدول تكون عرضة للتقلبات وهي تختار ما تريد الحفاظ عليه أو ما تريد التخلص منه، وقد شهدت مصر، هذا البلد القديم الذي شهد جميع أشكال التغييرات على مستوى الثروات والولاءات، لحظة تاريخية مهمة تستلزم إعادة تقييم الوضع. عدا مصر، طغت أحداث “ربيع العرب” على أعمال الجهاد عموماً، مما يعزز آمال المحرومين والمستائين بتحسن الوضع.

  

ادعى الظواهري أن رياح العدل هبت أخيراً بما يخدم مشروعه، فعند تعيينه زعيما لـ”القاعدة”، اعتبر أن الولايات المتحدة لا تواجه فرداً أو جماعة أو فصيلة، بل إنها تواجه أمة إسلامية كاملة تشهد ثورة حقيقية بعد أن استيقظت من سباتها لإعادة إحياء الجهاد. كما أنه أشاد بزميله المغدور واعتبر أن دفن جثة بن لادن في البحر هو دليل على خوف الولايات المتحدة من قوة سلفه.

لكن لا شك أن الظواهري يدرك تراجع قيمة الإرث الذي حصل عليه، فقد وُلد الظواهري عام 1951- أي قبل ست سنوات من ولادة بن لادن- وكان لا يزال مراهقاً حين اختار السير في طريق التطرف الإسلامي، في منتصف الستينيات، وفي تلك الفترة، كانت الحملات القمعية التي شنها نظام عبدالناصر ضد “الإخوان المسلمين” وجميع الحركات الإسلامية في ذروتها، وفي عام 1966، أُعدم سيد قطب، الشخصية الرمزية لحركة الإسلاميين والشخص الأبرع بين نظرائه، وامتلأت السجون بالناشطين السياسيين والدينيين، وفضل كل من خرج من السجن الاختفاء عن الأنظار أو الذهاب إلى المنفى… بالتالي، انضم أيمن الظواهري إلى تيار الإسلام السياسي حين كان في الحضيض.

وُلد الظواهري في عائلة أرستقراطية مصرية ونشأ في حي المعادي الراقي في القاهرة، وكان والده أستاذاً مرموقاً في الطب، والأهم من ذلك هو أن جده كان إمام الأزهر، أهم مؤسسة دينية وجامعة في مصر بالنسبة إلى المسلمين السنّة، فلم يكن الوضع مختلفاً في ما يخص جذور والدته، وقد كانت عائلة والدته، آل عزام، تتمتع بنفوذ كبير، وكان أحد أقاربها أول أمين عام لجامعة الدول العربية خلال الأربعينيات.

لكن على الرغم من جميع هذه الامتيازات، تبقى خلفية أيمن الظواهري الحقيقية معروفة، فهو كان ناشطاً في المدرسة الثانوية وفي الجماعات الدينية المتعصبة، وكان يكن إعجاباً كبيراً للشهيد سيد قطب، وقد اعتقلته الشرطة بعد أسابيع من اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، لكن تبين أنه كان لاعباً ثانوياً في تلك الحادثة الدرامية ولم يكن يعرف هوية القتلة، وفي المقابل، كان أحد أصدقائه، عصام القمري، ضابط جيش مطلع على المؤامرة، يملك معلومات إضافية.

اعترف الظواهري، بعد تعرّضه للتعذيب، بمكان القمري وأبلغ الشرطة بموقع اختبائه، وفي السجن، سامح القمري الظواهري على خيانته قبل أن يموت لاحقاً خلال إطلاق نار مع قوى الأمن، لكن لا يزال الظواهري يشعر بالذنب والعار مما حصل، إذ يقول منتصر الزيات، محامٍ مصري وكاتب السيرة الذاتية للظواهري لأنه كان يعرفه جيداً، إن الظواهري غادر مصر وتوجه إلى باكستان وأفغانستان بحثاً عن التوبة ومعاقبة نفسه.

إن هذا الشاب الأرستقراطي الذي انضم إلى الإسلام السياسي في عمر الخامسة عشرة يبلغ اليوم 60 عاماً، ويقول المراقبون إن هذا الرجل الصدامي الذي أثار المتاعب وكان متعصباً طوال حياته سينهار قريباً، فهو يفتقر إلى الخبرة في مجال القتال وإلى سلوكيات بن لادن، ففي الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إن بن لادن كان يتمتع بجاذبية غريبة يفتقر إليها الظواهري، كما أن الجذور المصرية لزعيم “القاعدة” الجديد وتركيزه على بلده الأم سيحدان من جاذبيته بنظر المقاتلين من دول أخرى.

ولكن يجب ألا تشكل خلفية الظواهري المصرية أي عائق في الظاهر، ففي مصر وُلد الإسلام السياسي المعاصر ونشأت جماعة “الإخوان المسلمين” في أواخر عشرينيات القرن الماضي، ويبدو أن أصول الظواهري تتحلى بأهمية دينية أكبر مقارنة ببن لادن، ابن مقاول من أصول يمنية أصاب ثروة كبيرة خلال عمله في السعودية.

لا شك أن الظواهري صب كل اهتمامه على مصر في مطلع سعيه، لكن لا ننسى أنه هو مَن طرح فكرة التمييز الواضح بين “العدو القريب” (الأنظمة العربية) و”العدو البعيد” (الولايات المتحدة) وهو مَن قال إن من المقبول والمسموح، لكن ليس ضرورياً، توجيه ضربات للعدو البعيد في محاولة لإسقاط الطغاة العرب، وعلى غرار بن لادن، يجب أن ينال الظواهري ما يستحقه.

* بروفيسور في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز وباحث بارز في “مؤسسة هوفر».