بعد جهود عُمانية وعراقية.. ما دلالات نجاح وساطة الصين بين الرياض وطهران؟

السبت 11 مارس - آذار 2023 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - الخليج أون لاين
عدد القراءات 4305

بعد سنوات من القطيعة والسجالات السياسية، أعلنت السعودية وإيران في بيان مشترك من الصين، استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، والعمل على حل الخلافات من خلال الحوار المشترك.
وتكتسب هذه الاتفاقية التي تزامن إعلانها مع انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لفترة رئاسية ثالثة مدتها خمسة أعوام، أهمية بالغة؛ لكونها تسهم في تعزيز استقرار المنطقة وإنهاء سنوات من التوتر والصراع بين أكبر قوتين إقليميتين في الخليج العربي.

بيان مشترك

أعلنت الرياض وطهران عن اتفاق لاستعادة علاقاتهما الدبلوماسية، إثر مفاوضات استضافتها الصين، لتنتهي بذلك 7 سنوات من القطيعة، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية في 10 مارس 2023، أن الصين قامت باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة وإيران؛ رغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما. 

وكشفت الوكالة أن مباحثات الجانبين جرت ببكين في الفترة من 6 إلى 10 مارس 2023، حيث ترأس الوفد السعودي مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني، فيما ترأس الجانب الإيراني الأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.

وأعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما لجهود العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار السابقة التي جرت بين الجانبين خلال العامين الماضيين، فضلاً عن تقديرهما لمبادرة الصين في استضافة المباحثات الأخيرة ورعايتها وإنجاحها.

وكشفت الدول الثلاث في البيان عن التوصل إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدةٍ أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
واتفق الجانبان على عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية لتفعيل مخرجات الاتفاقية، وترتيب تبادل السفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما المبرمة عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب لعام 1998.

وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

 

انتصار دبلوماسي لبكين

وفي تعليق لها على نجاح الوساطة الصينية قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن الصفقة تمثل انتصاراً دبلوماسياً لبكين في منطقة هيمنت فيها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، على الجغرافيا السياسية.
لكن أستاذ العلوم السياسية في الإمارات عبد الخالق عبد الله رد على الصحيفة بقوله إن رعاية الصين الاتفاق بين السعودية وإيران اليوم "لا تعني بالضرورة تراجع أمريكا وتقدم الصين في المنطقة".

ورجّح الأكاديمي الإماراتي في تغريدة عبر تويتر، أن يتضمن الاتفاق بنداً يلزم إيران بوقف إرسال أسلحة إلى الحوثيين، وهو مطلب لا مساومة عليه، على حد قوله.

من جانبه لفت الباحث والمحلل السياسي لقاء مكي إلى أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، "حدث مهم وله تأثير مباشر على أبرز الملفات في الشرق الأوسط".

وأكد مكي في تغريدة له عبر "تويتر"، بأن الصين إن نجحت في تنظيم هذا الحدث بشكل ينهي الصراعات الراهنة، "فستكون قد حققت أهم خرق جيوسياسي لها في المنطقة".

وقوبل إعلان المصالحة بين السعودية وإيران بترحيب واسع من مسؤولي الجانبين ومختلف دول المنطقة والإقليم والأسرة الدولية.

وقال مستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، إن ترحيب بلاده بمبادرة الصين يأتي انطلاقاً من نهج التمسك بمبادئ حسن الجوار وتعزيز الأمن.

من جانبه وصف شمخاني المحادثات التي جرت بين البلدين بأنها كانت "صريحة وشفافة وشاملة وبناءة".

ولفت كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، إلى أن نجاح محادثات وحوار السعودية وإيران في بكين، بمنزلة نصر كبير للسلام في المنطقة والعالم.

وفي أول تعليق أمريكي على الاتفاق، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن بلاده ترحب بجهود خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.
وأشادت بغداد ومسقط اللتان استضافتا جولات سابقة من الحوار السعودي الإيراني، بإعلان عودة العلاقات؛ على أمل أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار بالمنطقة.

الوساطة الصينية

تأتي هذه التطورات بعد نحو شهر من تقارير صحفية كشفت عن وساطة صينية لتقريب وجهات النظر وتسريع عودة العلاقات بين الرياض وطهران.
ونقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية، في 6 فبراير 2023، عن "مصدر رفيع المستوى" في الخارجية الإيرانية، أن "الصين بدأت تقوم بمساعٍ وتحركات دبلوماسية على خط الوساطة بين إيران والسعودية، جوهرها مبادرة من مرحلتين".

وبحسب المصدر، فقد عرض الرئيس الصيني شي جين بينغ، مبادرته لتسوية العلاقات بين الرياض وطهران خلال زيارته للمملكة، مطلع ديسمبر الماضي، وحصل على موافقة مبدئية من السعودية.

ومن المرجح أن تكون الخطوة الأخرى في الوساطة الصينية، عقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية، ثم دعوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية في الصين، بعد التوصل إلى صيغة تفاهم شاملة.

ومع ختام زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية، في ديسمبر 2022، تزايد الحديث عن إمكانية قيام بكين بجهود لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، والعمل على تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج.

وعزز الرئيس الصيني خلال السنوات الأخيرة، وجود بلاده في منطقة الخليج من خلال استثمارات مشتركة واتفاقيات طويلة الأمد مع دول مجلس التعاون من جهة وإيران من جهة أخرى.

ويعزو مراقبون دوافع جهود الوساطة الصينية إلى ارتباطها بعديد من التغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، مع تصاعد التنافس العالمي بين القوى العظمى على النفوذ في المنطقة، حيث تسعى الصين لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج؛ على أمل الحصول على استثمارات هائلة.

ونقلت صحيفة "إندبندنت عربية" عن الخبير السياسي المتخصص في سياسة الصين تجاه دول الخليج جوناثان فولتون، قوله إن هذا الاتفاق بمنزلة أول غزوة رئيسة للصين في الدبلوماسية الإقليمية.

الضامن الرئيس

يرى المحلل الاستراتيجي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي، أن الصين تلعب دوراً مهماً وكبيراً على الساحة الدولية، حيث تعتبر الصين هي الضامن الرئيس للاتفاق السعودي الإيراني، مبيناً أن الصين تعد حليفة لإيران، وتتمتع كذلك بعلاقات قوية وجيدة مع السعودية.

ويشير "الشتلي" في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن الاتفاق يتضمن ثلاثة بنود رئيسة واجبة التنفيذ، تتمثل في عدم تدخل الجانبين في الشؤون الداخلية بين الدولتين، واحترام سيادة الدول بالمنطقة والعالم، فضلاً عن تفعيل اتفاقيات أمنية وتجارية سابقة.

ويتابع الشتلي أن المحور الثاني من البنود يتضمن تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الرياض وطهران في عام 2001، والتي تنص على التنسيق الأمني بين الجانبين وتبادل المعلومات، بينما يتضمن المحور الثالث تعزيز اتفاقية التعاون التجاري في مجال الاقتصاد والاستثمار والموقعة في 1998.

ويلفت إلى أن الإعلان عن نجاح الوساطة الصينية في إعادة العلاقات السعودية الإيرانية يعتبر نجاحاً للدبلوماسية الصينية على الصعيد الدولي، حيث تريد بكين أداء دور مهم في الشرق الأوسط وأفريقيا، معتبراً أن هذا سيضيف الكثير لرصيد الرئيس الصيني الذي أعيد انتخابه للمرة الثالثة من الحزب الحاكم في الصين.

ويبين أن الاتفاقية ستمهد الطريق لعملية سلام شامل تنسجم تماماً مع مصالح الدول المؤثرة بمنطقة الشرق الأوسط، وسيسهم في حل عدة ملفات عالقة بالشرق الأوسط، لا سيما بوجود محور جديد وهي الصين.

هزة جيوسياسية

يشار إلى أن الإعلان المفاجئ عن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، حظي بتغطية واسعة في الصحف الأمريكية التي انتقدت تراجع دور واشنطن في المنطقة.

ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية هذا التطور بأنه "اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسم الشرق الأوسط"، لكنها ترى أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على صمود هذا الاتفاق.

واستشهدت الصحيفة بوصف إدارة الرئيس جو بايدن لتعاظم دور الصين بأنه "أكبر تحدٍّ جيوسياسي للقرن الـ21".
بدورها ركزت صحيفة "نيويورك تايمز" على تأكيد كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، عقب الاتفاق، بأن بلاده قامت بدور رئيس في استئناف العلاقات بين الرياض وطهران.

وذهبت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن الصفقة بمثابة "هزة في الجغرافيا السياسية" للشرق الأوسط، في إشارة إلى تزايد النفوذ الصيني بالمنطقة بعد انزواء واشنطن عنها بشكل واضح.