عملة روسية صينية لوقف هيمنة الدولار.. كيف تتأثر دول الخليج؟

الخميس 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 01 صباحاً / مأرب برس - الخليج اون لاين
عدد القراءات 5633
 

خلع الدولار"... هدف تسعى إليه روسيا والصين بقوة من خلال إصدار عملة دولية جديدة مدعومة بالذهب تتخذها الدول حول العالم بديلاً للعملة الخضراء في احتياطاتها الأجنبية ومشترياتها.
ولكن هذه المساعي تصطدم بعامل الأمان الذي يوفره الدولار وغير موجود في أي عملة جديدة أو قديمة، وهو ما ثبت في الأزمة الاقتصادية الراهنة التي انهارت فيها جميع العملات باستثناء الدولار الأمريكي.

مدعومة بالذهب

وفي 29 أكتوبر الماضي، قالت شبكة "fox business" الأمريكية إن الصين وروسيا ربما تعملان على إطلاق عملة جديدة مدعومة بالذهب.
وذكرت الشبكة الإخبارية الاقتصادية، أن ثمّة ما يشير إلى أن الصين وروسيا تسعيان لاعتماد عملة جديدة مدعومة بالذهب، بهدف نزع الصفة من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أولى عالمياً ومهيمنة بلا منازع على نظام التجارة العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945.

ولم تعلن الصين أو روسيا أي خطوات تجاه ذلك رسمياً، إلا أن بكين كانت أطلقت منذ عدة أشهر حملة كبيرة لشراء كميات ضخمة من الذهب، بالتزامن مع اضطرار موسكو للتخلي عن الدولار بسبب العقوبات المفروضة عليها جراء غزوها أوكرانيا، هذا الغزو الذي أدى إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن بامتياز.

ويشكل الدولار الأمريكي 61٪ من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، إضافة إلى أن حجم التجارية العالمية بالدولار بلغت العام الماضي 28.5 تريليون دولار، وهو ما يجعله العملة الأكثر شعبية وقوة في العالم.

هل تنجح؟

ولكن هل يمكن أن تنجح روسيا والصين بإصدار عملة معادلة بالذهب: المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر يجيب عن ذلك قائلاً: "هذا المشروع يمكن أن يتحقق على أرض الواقع لكنه لن ينجح بتحقيق أهدافه بالوقت الحالي".

وأضاف أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هذا المشروع يمكن أن يفشل حالياً بسبب قوة الدولار الأمريكي، لكن من غير المستبعد أن ينجح على المدى البعيد بعد عقدين أو ثلاثة عقود في حال استمر".

وأوضح أن إصدار مثل هذه العملة لتكون بديلاً عن الدولار في حركة التجارة الدولية واحتياطات البنوك المركزية من النقد الأجنبي يحتاج إلى كميات كبيرة من الذهب ربما لن تنجح روسيا والصين بجمعها.

وأشار إلى أن الاقتصاد الروسي والصيني لا يمكنهما وحدهما إنهاء هيمنة الدولار على اقتصاد العالم حالياً لكن ذلك يمكن أن يتحقق على المدى البعيد.

الدافع الروسي الصيني

وذكر أن ما يدفع روسيا والصين إلى مثل هذه الخطوة هو الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس دونالد ترامب على بكين، من خلال استغلال قوة الدولار بحركة التجارة الدولية.

كما أن مساهمة أمريكا في فرض عقوبات على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا، من خلال استغلال نفوذ عملتها دولياً وتحكمها بنظام التحويلات المالية العالمي، يشجع روسيا على مثل هذه الخطوة.

وقال المحلل الاقتصادي إن "روسيا والصين وصلتا لنقطة ضرورة إنهاء الهيمنة الأمريكية، وهذا لا يتم في مدة قصيرة".

وأشار إلى أن فقدان بعض دول العالم الكبرى الثقة بالدولار بسبب السياسات المالية الأمريكية، ورفع أسعار الفائدة بشكل كبير وهو ما أثر على الاقتصاد العالمي سلباً، سيكون له دور مهم بنجاح العملة الروسية الصينية.

ولفت إلى أن الدول تتوجه حالياً نحو شراء الذهب باعتباره الملاذ الأكثر آماناً من أي عملة، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية ومخاوف الركود الاقتصادي الذي بدأت تهز أركان دول العالم.

الدولار القوي

وفي توافق مع سابقه، قال الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات الآسيوية بالولايات المتحدة، مين هوا تشيانغ، إن "الدولار الأمريكي سيبقى العملة الأكثر أماناً واتساقاً والأكثر استخداماً في آسيا والعالم".

وأضاف تشيانغ، في تصريحات لشبكة "fox business"، أنه "لا توجد عملة أخرى مدعومة بالذهب أو بغيره يمكن مقارنتها حالياً بالدولار، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في المستقبل القريب".

ويعتقد تشيانغ أن عدم نجاح العملة المحتملة بالوقت الحالي هو بسبب حجم التجارة الصغير نسبياً للصين وروسيا.
وأوضح أنه في حال استخدم كلا البلدين عملة جديدة في المعاملات التجارية الثنائية، فإن حجم التجارة الصغير نسبياً سيحد من التأثير في الدولار.

وفي أغسطس الماضي، تمّ إجراء 43% من المدفوعات العالمية بالدولار الأمريكي، و34% باليورو، فيما بلغت المدفوعات العالمية بالرنمينبي، وهو الاسم الرسمي للعملة الصينية، 2% فقط من إجمال المدفوعات العالمية، وفقاً لموقع " RMB Tracker".

ولفت تشيانغ إلى أن عملة دولية مثل اليورو تتطلب أرضية سياسية وتنسيقاً وتكاملاً اقتصادياً، وهذا الأمر غير موجود حالياً في آسيا.

وفي السياق، أشار الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون الصين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بأمريكا، كريغ سينغلتون، إلى أن المسؤولين في الصين لطالما تحدثوا خلال العقدين الماضيين عن ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن وضع حدّ لهيمنة الدولار الأمريكي على سوق المال العالمية.

ورأى سينغلتون، في تصريح لشبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أنه "من حيث المبدأ، تسعى بكين وموسكو إلى بناء مجال نفوذ خاص بهما يتمتع بعملة موحدة؛ مما يضمن لهما حصانة ضد العقوبات الأمريكية".

هل تتأثر دول الخليج؟

ولكن ما تأثير إصدار هذه العملة على دول الخليج التي تبيع نفطها الخام بالدولار، وتملك احتياطات أجنبية ضخمة منه، إضافة إلى أنها تربط عملاتها به وهو ما يحافظ على استقرار سعرها؟
حول ذلك يقول أبو قمر: "لو تم إصدار هذه العملة فإنه لن يكون هناك أي تحرك من دول الخليج العربي لتقليص احتياطي النقد الأجنبي بالدولار أو فك الارتباط بالعملة الأمريكية؛ لأن ذلك سيقود اقتصادها إلى اضطرابات كبرى هي في غنى عنها بهذه المرحلة الحساسة التي يواجهها اقتصاد العالم".

لكنه يعتقد أنه بعد سنوات طويلة يمكن أن تبدأ دول الخليج بالتخلي عن الدولار كعملة احتياط لتنتقل بعدها إلى فك ارتباط بيع النفط بالدولار، وأخيراً ستعمل على التخلي التدريجي عن ربط عملاتها المحلية بالعملة الأمريكية.



وهناك 66 دولة حول العالم على الأقل تربط عملتها بالدولار أو تستخدم الدولار كعملة قانونية خاصة بها.

ورأى المحلل الاقتصادي أن التوجه الخليجي نحو هذه الخطوات المالية الحساسة سابق لأوانه حالياً، ومن ثم فلن يحدث أي تغيير جوهري على النظام المالي والتجاري لدول الخليج العربي خلال مدة قصيرة.

وفي 15 مارس الماضي، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، تدرس قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين.

وقالت مصادر مطلعة للصحيفة إن الرياض تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان.

وأوضحت أن هذه خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية، وتمثل تحولاً آخر من قبل أكبر مصدر خام إلى آسيا في العالم.