هكذا ينوي أغنى رجل بالعالم إنفاق ثروته والتخلص منها عبر مشروع خيالي

الخميس 04 فبراير-شباط 2021 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - وكالات
عدد القراءات 3416

 

تربَّع المهندس والمبتكر الأمريكي "إيلون ماسك" في الثامن من يناير الماضي على عرش قائمة أغنى رجل في العالم، بثروة تصل إلى 209.3 مليار دولار، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول كيفية إنفاق الرجل غريب الأطوار لتلك الثروة الضخمة، خاصة أنه لا تعرف عنه اهتمامات كبيرة بمجال الأعمال الخيرية.

وبناء على ما يصدر عنه على منصة "تويتر"، وهي وسيلة الاتصال المفضلة لدى مؤسس شركة "تسلا"، يبدو أنَّ العمل الخيري هو ما يدور في خاطره. وقد كانت أولى ردود أفعاله عندما أصبح أغنى إنسان في العالم، بعد رد فعله الأول غير المكترث، هو التماس النصيحة حول كيفية توزيع الثروة.

وكتب ماسك في الثامن من يناير الماضي يقول: "أنا أرحب بالتعليقات النقدية، و تحظى دائماً بتقدير كبير مني، فضلاً عن ترحيبي بمقترحات طرق التبرع بالمال التي قد تحدث فارقاً حقيقيًا (والأمر أصعب مما يبدو)".

بداية متواضعة

وماسك، البالغ من العمر 49 عاماً، يعدُّ مبتدئاً في مجال العمل الخيري مقارنةً بأولئك الذين تخطَّاهم للتو، بالإضافة إلى المدرَجين على مؤشر بلومبرغ للمليارديرات، لأغنى 500 شخص في العالم. فعلى سبيل المثال، قام بيل جيتس، وهو كان المصنف الأول لفترة طويلة مع صديقه وارن بافيت، بتأسيس مشترك لمبادرة تعهد العطاء (Giving Pledge) التي تحث الأثرياء على التبرع بنصف ثرواتهم على الأقل. كما تبرَّع غيتس بعشرات المليارات نقداً وأسهماً.

وحتى جيف بيزوس، الذي تعرَّض لانتقادات لبطئه في إثبات نفسه في مجال التبرعات وفعل للخير، فقد صعَّد من عمله، وعزَّز من جهوده في هذا المجال، إذ تعهَّد بتقديم 10 مليارات دولار للقضايا المتعلِّقة بتغيُّر المناخ العام الماضي، ووزَّع 791 مليون دولار على 16 مجموعة بيئية في نوفمبر 2020.

وعلى الرغم من توقيع ماسك على مبادرة تعهد العطاء (Giving Pledge) ، إلا أنَّه لم يفعل سوى القليل نسبياً في مجال الأعمال الخيرية، حيث تبرَّع بأكثر من 257 مليون دولار لمؤسسة (Musk Foundation)، أي ما يعادل حوالي 0.1% من صافي ثروته الحالية. وقامت المؤسسة بدورها بالتبرع بـ65 مليون دولار إلى نحو 200 منظمة غير ربحية، وذلك بين عامي 2016 و 2018 ، وفقاً لتحليل أجرته مجلة "كوارتز".

ويمكن القول، إنَّه لو لم يكن بيل جيتس قد تبرَّع بالكثير من أمواله، لكانت ثروته حالياً أكبر بكثير، وربما أكثر من ثروة ماسك نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة لجيف بيزوس، الذي كان سيصبح الأغنى، لو لم يخض تجربة طلاقه.

وأشار ماسك إلى أنَّ السبب وراء تكديسه للثروة، هو أنَّه ينوي في وقت ما التخلي عنها، أو على الأقل إعادة توجيهها إلى مشاريعه التي تلبي شغفه، أي: استكشاف الفضاء. وقال ماسك للناشر الألماني أكسل سبرينغر الشهر الماضي: "سوف يتطلَّب الأمر الكثير من الموارد لبناء مدينة على سطح المريخ. وأريد أن أكون قادراً على المساهمة في ذلك بأكبر قدر ممكن".

والسؤال الذي يطرحه خبراء العمل الخيري هو: كيف سيبدأ ماسك في القيام بذلك؟. فقد اتخذ أثرياء العالم مجموعة متنوعة من الأساليب، وأصبح جيتس فاعل خير بدوام كامل، وشخصية عامة في مجالات مثل الصحة العامة، أما المؤسس المشارك لشركة "تويتر" جاك دورسي، فقد توجَّه إلى الشفافية في تبرُّعاته من خلال نشر كلِّ تبرُّع يقوم فيه في جدول بيانات متاح للجمهور.

أما ماكنزي سكوت، زوجة بيزوس السابقة، فقد كانت رائدة في نموذج آخر لتبرعات الأثرياء، وذلك من خلال التوجُّه لمئات المنظَّمات غير الربحية، والمؤسسات التعليمية، وتسليمها شيكات كبيرة بدون قيود. وقد بلغ إجمالي تبرُّعاتها في عام 2020 نحو 6 مليارات دولار.

وبالرغم من التبرع بالمال بوتيرة غير مسبوقة، فقد أنهت سكوت عام 2020 أكثر ثراء مما كانت عليه في بداية العام. وكتبت سكوت في منشور على منصة التدوين "Medium": "كان هذا الوباء بمثابة كرة مُدمِّرة في حياة الأمريكيين الذين يعانون بالفعل. وكانت الخسائر الاقتصادية والأوضاع الصحية على حد سواء أسوأ بالنسبة للنساء، وأصحاب البشرة الملونة والفقراء، لكنَّه أدى، من ناحية أخرى، إلى ارتفاع ثروات المليارديرات بشكل كبير".

من جانبه اقترح بريان ميتندورف، الأستاذ في جامعة ولاية أوهايو الذي يدرس المنظمات غير الربحية، أن يحذو ماسك حذو سكوت، ويقيِّد غرائزه للابتكار. وأضاف: "إنَّ الفخَّ الذي يقع فيه العديد من المحسنين الأثرياء هو الرغبة في إعادة اختراع العمل الخيري بأنفسهم بدلاً من الاعتماد على أولئك الذين لديهم الخبرة والتجربة الحقيقية في المجال، فهم لا يحتاجون إلا للأموال من أجل توسيع تأثيرهم".

جدير بالذكر أن عام 2020 شهد طفرة كبيرة في ثروة سكان الأرض الأكثر ثراء، ما فاقم الفجوة ما هؤلاء الأكثر فقرا واحتياجا، إذ تمكَّن 0.001% من سكان الأرض، وممن ينتمون لهذه الفئة الأكثر ثراء، من تكوين الثروات بشكل لم يسبق له مثيل في هذه الأوضاع الصعبة، في حين عانى الكثيرون في العالم من ارتفاع معدَّلات البطالة وتراجع النمو الاقتصادي.

وبحسب مؤشر "بلومبرغ للمليارديرات"، أضاف أغنى 500 شخص في العالم ما قيمته 1.8 تريليون دولار إلى صافي ثرواتهم خلال العام الماضي، لتصل قيمة ثرواتهم الآن إلى 7.6 تريليون دولار. ويعادل هذا النمو ارتفاعاً بنسبة 31%، وهو أكبر مكسب سنوي في تاريخ المؤشر الممتد لثمانية أعوام، محققا قفزة تقدَّر قيمتها بـ 3 تريليون دولار عن أدنى مستوى مسجَّل في شهر مارس.

صعود سريع

وجاء إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لصانع السيارات الكهربائية "تسلا"، على رأس المليارديرات الأكثر ربحاً، وصاحب أسرع تكوين للثروة في التاريخ، حيث قفز إلى المركز الأول بعد ارتفاع قيمة شركته بشكل كبير. فيما حل جيف بيزوس، مؤسس موقع التجارة الإلكترونية "أمازون" ، في المرتبة الثانية بفضل تزايد معدَّلات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت أثناء الإغلاق.

وجنى بيزوس وماسك مكاسب تقدَّر بنحو 217 مليار دولار في غضون 12 شهراً، مما يكفي لإرسال شيكات بقيمة 2000 دولار إلى أكثر من 100 مليون مواطن أمريكي. ولقد أدت تداعيات الوباء إلى الإضرار بقطاعات عديدة، خاصة العقارات، لكنَّها عززت الثروات في مجالات غير متوقَّعة، يغذيها جزئياً مستثمرو التجزئة الذين يستخدمون تطبيقات تداول بلا رسوم، مثل تطبيق "روبن هود".

من جانبها أعلنت منظمة أوكسفام، الأسبوع الماضي، أن ثروات أغنى 10 أشخاص في العالم زادت بمقدار 540 مليار دولار خلال عام 2020 الذي شهد تفشي وباء كورونا وأن هذا المبلغ سيكون كافياً جداً لتوفير لقاحات ضد الفيروس للبشرية جمعاء.

ودعت المنظمة إلى فرض ضرائب أعلى على الأغنياء واقترحت فرض ضريبة مؤقتة على الأرباح "الزائدة" التي حققتها 32 شركة دولية عام 2020. وتقول المنظمة غير الحكومية إن ثروات المليارديرات زادت نتيجة انتعاش أسواق الأسهم مما تسبب في زيادة عدم المساواة خلال "أسوأ تباطؤ اقتصادي منذ قرن".