كيف يؤهلك حسابك على تويتر إلى وظيفة العمر؟

الثلاثاء 04 فبراير-شباط 2020 الساعة 10 صباحاً / مأرب برس - تكنولوجيا
عدد القراءات 3336

ظن الأكاديمي، بول ماكارثي، أنه ارتكب خطأ حين بدأ برصد السمات الشخصية لكبار مبرمجي الكمبيوتر وكبار لاعبي التنس في العالم، استنادا إلى ما كشفت عنه حساباتهم على موقع تويتر.

ويقول الأستاذ المساعد بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا: "كدت أقع من على مقعدي حين طالعتُ النتائج". واستخدم ماكارثي، وهو خبير بالحاسب الآلي والبيانات، أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتقييم لغة حسابات تويتر ليستقي منها ما يخص خمس سمات أساسية للشخصية، ويقول: "ظننت أنني ارتكبت خطأ ما، إذ لم أعتقد أنه قد يكون لدى كل هؤلاء الأشخاص شخصيات متشابهة لهذا الحد!"

ووجد ماكارثي أن 200 من كبار لاعبي التنس المحترفين على تويتر تجمعهم سمات مشتركة تتشابه بشكل مدهش.

ويقول عن ذلك: "هم عموما شخصيات تتمتع بدرجات عالية من القبول والانطلاق والالتزام وليست على درجة عالية من الانفتاح". وبخلاف بعض الاستثناءات، جاءت نتيجة مبرمجي الكمبيوتر على النقيض من ذلك.

وليس جديدا استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم الشخصية عبر استقراء التغريدات، لكن الجديد أن ماكارثي انضم إلى بيغي كيرن، أستاذة علم النفس في جامعة ملبورن، محاولا الرد على سؤال آخر وهو هل يمكن الاستعانة بمحتوى تويتر، بما يوفره من عينة ضخمة، لاستكشاف أي نوعية من الشخصيات توافق، بحسب بصماتها الرقمية، وظائف بعينها.

ويؤمن المستشارون المهنيون والباحثون بأن هناك توافقا بين شخصيات معينة ومهن بعينها، مثل توافق الشخصيات الانبساطية مع العمل في مجال التسويق، لكن ماكارثي يؤكد أن بحثه الأخير قد أجرى على نطاق أوسع بكثير مما سبق، ويقول: "اعتمدت كل الأعمال السابقة في هذا المجال على استطلاعات الرأي، وأحيانا لم يزد عدد المستطلعة آراؤهم عن 50 شخصا، أو بضع مئات على أقصى تقدير. لكن بحثنا (من خلال تويتر) يعتمد على ملاحظة دقيقة للسلوك من خلال آفاق ضخمة لا تجدها بطرق أخرى".

واعتمد الباحثان الأستراليان في دراستهما، التي نشرت ديسمبر/كانون الأول 2019، على فحص حسابات تويتر لـ 128 ألف مستخدم. وتحتاج أداة تعريف الشخصية إلى نحو 100 مشاركة من نصوص كتبها الشخص عن حياته أو أفكاره للقيام بالتحليل اللغوي، ويمكنها أيضا الاستعانة بمحتوى من رسائل البريد الإلكتروني أو المنشورات على منتديات التواصل.

لكن الباحثان آثرا التركيز على تغريدات تويتر لاختبار التوافق بين الشخصية والمهنة؛ نظرا لأن تويتر يضم المحتوى الأضخم من مساهمات شتى الأفراد من خلفيات مهنية مختلفة. ودرس الباحثان حسابات أشخاص أشاروا إلى مهنهم استنادا إلى سمات رئيسية للشخصية وهي: القبول والانطلاق والالتزام والعُصابية والانفتاح (ويقصد بالأخيرة مدى الاستعداد لتجربة خبرات وأفكار جديدة ولا يقصد بها الانبساطية في العلاقات).

ولم يكن هدف البحث مطابقة النتائج المتعلقة بالشخصية بواقع شخصية الفرد، بل تقول كيرن إن البحث أظهر توافقا مذهلا بين شخصيات لاعبي التنس، استنادا إلى ما عكسته مشاركاتهم الرقمية، كذلك توافقت شخصيات العلماء أيضا، وكان الاختلاف بين مهنة وأخرى واضحا.

وكثيرا ما جاءت النتائج متوافقة مع المتوقع، فلم يكن من المفاجئ أن يتحلى كبار الرياضيين بالالتزام والدقة؛ إذ أن التفوق الرياضي يتطلب بذل جهد حثيث، أما عدم "انفتاحهم" بدرجات كبيرة فيرجح قناعتهم بالمألوف وأنهم يعمدون لتكرار نفس الشيء.

أما العلماء فيتفوقون في سمة الانفتاح، بينما لا تتمتع شخصياتهم بدرجات كبيرة من القبول، فهم يحبون تحدي الأفكار السائدة بالابتكار والنقد. أما الأدوار الأكثر "التزاما" فيقول ماكارثي إنها كانت من نصيب المسؤولين في وظائف عامة، مثل المحامين والسياسيين، بينما برزت سمة العُصابية لدى العاملين بالمجال المصرفي. ودمج الباحثان هذه المعلومات فيما أسمياه "البوصلة المهنية"، مستخدمين الذكاء الاصطناعي لتحديد ألف مهنة مختلفة بحسب السمات الشخصية الغالبة في كل واحدة.

ومن خلال اختبار الأداة المستخدمة وجد الباحثان أن بإمكانهما التكهن بمهنة مستخدم تويتر استنادا إلى تحليل لغته المنشورة على تويتر وجاءت النتائج دقيقة بنسبة 70 في المئة.

ويقول الباحثان إن تلك البوصلة المهنية قد تساعد الأشخاص كثيرا في معرفة أكثر الوظائف التي تناسبهم. وتقول كيرن: "الكثير من الشباب يتحدثون عن حياتهم عبر منشورات كثيرة على الإنترنت، وإذا سمحوا لنا باستخدام منشوراتهم سنرصد أي وظائف قد تناسبهم، وقد تكون مناسبة لهم أكثر من الوظائف التي يرغب الأهل في التحاقهم بها أو التي قد يلتحقون هم أنفسهم بها لمجرد أنهم سمعوا عنها".

ويبحث ماكارثي حاليا مع الحكومة الأسترالية مبادرة لاستخدام أداة اختيار المهن تلك لمساعدة الطلبة الملتحقين بالجامعات والمعاهد، بحيث يملأ الطلاب استطلاعا للرأي على الإنترنت ويأذنون بالدخول على حساباتهم على تويتر أو فيسبوك ثم يُجرى تحليل يوفق بينهم وبين الخارطة الوظيفية ويخرج بمقترحات حول المهن التي تناسب شخصياتهم.

ويقول ماكارثي إن هذا قد يفيد على وجه التحديد الدارسين بتخصصات عامة، كالآداب أو الأعمال التجارية، وقد تنسحب النتائج على نطاق أوسع. ويضيف ماكارثي: "أعتقد أن بعضا من العاطلين قد يستفيد استفادة جمة من هذه الوسيلة، فربما هناك أشخاص في المكان الخطأ تماما - كل هذا ونحن ببداية بحثنا! هؤلاء بالمهن الخطأ، وربما نسبتهم بين 5 و6 في المئة من القوة العاملة وسيواجه بعضهم متاعب وظيفية".

وتقول كيرن إن تلك الأداة قد تساعد في توجيه الأشخاص لمهن قد تناسبهم ولو لم يتوقعوا العمل بها، مثل مجال التمريض، على سبيل المثال. كذلك ظهر توافق غير متوقع في السمات بين رسامي الخرائط والمبرمجين. ومع تطور سوق العمل باستمرار وظهور وظائف جديدة وانقراض أخرى، قد تسدي تلك الأداة صنيعا لمن يريد ضمان عمله في المستقبل.

ويؤكد ماكارثي وكيرن أنه بينما قد تساعد الأداة أصحاب الأعمال وجهات التوظيف في العثور على الأشخاص المناسبين، فلا يجب إهمال المعايير الأخلاقية في استخدامها، إذ تقول كيرن: "ربما ألزمت بعض الشركات المتقدمين بمشاركة حساباتهم على التواصل الاجتماعي قبل تحديد قبولهم للوظيفة من عدمه. أعتقد أن هذا خطر واجب التنبه إليه".

وتشير إليزابيث نايت، وهي من مجلس الوظائف الأسترالي، إلى فائدة البحث الجديد واحتمال لجوء المستشارين المهنيين له في المستقبل. وتقول إن المستشارين يلجأون منذ زمن لتوفيق الوظائف بناء على الصفات الشخصية، وبالتالي فالأداة الجديدة "تضيف لأمر دأبنا على فعله منذ القدم".

وتقول نايت: "ينظر الأخصائيون المهنيون نظرة شاملة حين يساعدون الطلبة أو العملاء. من الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تعبر أكثر عن نظرة الناس لأنفسهم، وربما كان هذا هو الأمر الشيق في البحث، والمقصود به ما هي ذاتنا الحقيقية؟ نحن نخرج بصورة مثالية عن أنفسنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أمر جدير بالتأمل لأن الخيار المهني أحيانا يتعلق بما نريد أن نصبح عليه وبالكيفية التي ننظر بها لأنفسنا".

وتقر كيرن بأن كثيرين يبرزون صورة مثالية لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول: "ربما كان هذا صحيحا، لكن حتى هنا نرى اختلافات بين هذا وذاك، فقد وجد بحثنا فروقا واضحة في الطريقة التي يتعامل بها أصحاب مهنة ما مع تويتر عن طريقة تعامل أصحاب مهنة أخرى، وهو ما قد يعني أن سلوكنا على الإنترنت - سواء قصدا أم بغير قصد - يعبر عن أنفسنا أكثر مما نعتقد".