معاناة اليمنيين بين الانتهاكات وانعدام الخدمات.. أزمة تبحث وقف الحرب

الجمعة 27 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 08 مساءً / مأرب برس ـ دوتشيه فيله
عدد القراءات 3386

"معاناة النازحين القادمين من الحديدة إلى صنعاء، تفوق أي محاولة للوصف بكلمات".. بهذه الجملة لخص تقرير لوكالة "دوتشيه فيله" الألمانية، معاناة سكان اليمن منذ سنوات، في ظل حرب مستعرة لم تهدأ، في ظل تراجع الاهتمام العالمي بالقضية.

التقرير كشف، أن النساء في اليمن، تشكل أكبر شريحة من المتضررين في الحرب، لافتا إلى أن "نساء اليمن يتحملن عبء الحرب على أكتافهن، ويتحملن مسؤولية تدبير شؤون عائلاتهن في ظروف صعبة للغاية".

العيش بدكاكين

ويروي التقرير، قصة "فاطمة"، التي تعاني من مرض السكر، الذي أصيبت به نتيجة الخوف بسبب انفجار وقع بالقرب منها، وفقدت جنينين، على التوالي (إجهاض)، جراء ظروف الحرب والنزوح خلال الأعوام الماضية.

لكنها وبعد أن باتت حاملاً بجنين ثالث في شهره الثامن، ترتب فراشها الخاص، وقامت باستعارة سرير، وحصلت على بعض أدوات الفراش المستعملة، لتقوم بتعزيزها بقصاصات صناديق ورقية، تعتقد أنها ستساعد على مواجهة البرد وآلام الولادة.

وتعيش اليمنية فاطمة وزوجها، في دكان صغير، لا تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار، بعدما نزحوا من مدينة الحديدة الساحلية، إلى العاصمة صنعاء، حيث يواجهون برد الشتاء الذي لا يرحم النازحين الموزعين في مخيمات ودكاكين صغيرة، وحتى في بعض الأرصفة، في ظروف شديدة القسوة، تعكس أحد أبرز أوجه الكارثة الإنسانية التي خلقتها الحرب الدائرة في البلاد، منذ أكثر من أربع سنوات.

وفي حديثها، تسرد "فاطمة"، تفاصيل من معاناتها بما في ذلك، إصابتها بـ"الحساسية" نتيجة الملابس المستعملة التي تتسلمها كمعونات، وتعيش في "الدكان" بدون إنارة.

وتقول إنها لم تتمكن لشهور طويلة من الحصول على "غاز الطهي"، لكنها حصلت عليه أخيراً من إحدى قريباتها، نظراً لاقتراب موعد ولادة طفلها الجنين.

"فاطمة"، وزوجها "عبده أحمد الكلفود"، وأخته "سحر"، التي هي أم لستة أطفال، يمثلون عائلة تتألف من 11 شخصاً، يعيشون متجاورين في الخط الدائري بصنعاء.

ويقول "الكلفود": "نزحنا بسبب الحرب هؤلاء يضربون وهؤلاء يضربون (أي قصف من الجانبين)"، ويضيف "حارتنا (في الحديدة) كلها ملغمة (مزروعة بالألغام)".

وتضيف "فاطمة"، أن المنظمات الإغاثية تأتي لتسجيلهم، لكن الأسرة لم تحصل منها على مساعدات سوى مرة واحدة.

في الشارع نفسه، تحولت العديد من "الدكاكين" من محال مفترضة للبيع والشراء إلى مساكن للنازحين، بما في ذلك، من محافظة تعز، كما هو الحال، بأسرة "مروة"، وهي أم لثلاثة أطفال نزحت من منطقة "الحوبان" في تعز.

وقسمت "مروة المحل لثلاثة أجزاء، وهي مطبخ ودورة مياه، وما تبقى للجلوس والنوم.

وتقول إنه "لا يوجد لدينا سوى بطانية واحدة، حصلنا عليها من أحد الجيران"، وتستخدم لتدفئة الأم وزوجها وأطفالهم الثلاثة.

اللجوء إلى المحال، يأتي مع حلول الشتاء وفي ظل أجواء البرد القارس، بعد أن كان جزء من هذه الأسر يسكن في بعض الأرصفة، في وقتٍ لا يزال فيه آخرون في العراء، كما هو الحال، بأسرة "صالح عبده"، الذي يجلس مع زوجته وطفلتيه أسفل جسر كنتاكي، الواقع في قلب صنعاء.

ويقول "عبده": "معنا بطانية واحدة نتدفأ بها ونقعد تحت الكبري".

ملايين النازحين

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، أجبرت الحرب التي تصاعدت منذ سنوات ما يقرب من ثلاثة ملايين يمني، على مغادرة منازلهم، من المناطق المتأثرة بمواجهات مباشرة وعمليات عسكرية مباشرة.

لكن النزوح في الغالب إلى مناطق داخلية تتوزع في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء، حاضرة اليمن، التي ينحدر الغالبية من سكانها من محافظات أخرى.

ويتوزع النازحون في صنعاء كما هو الحال في مدن أخرى، بين المساكن المؤقتة التي توفر أدنى الاحتياجات الأساسية لمقاومة الأمراض في الغالب، بالإضافة مخيمات أو تجمعات مخصصة تدعمها منظمات الأمم المتحدة والجهات المحلية اليمنية.

ويعتمد النازحون اليمنيون داخلياً، في الغالب، على معونات الأقارب والإطار المجتمعي المحيط للمناطق التي نزحوا إليها، إلى جانب مساعدات مقدمة من منظمات دولية ومحلية، في ظل الكارثة الإنسانية، التي تقول التقارير الدولية إنها "واحدة من بين الأسوأ عالمياً"، ويصل تأثيرها إلى 80% من سكان البلاد.

ويقول تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر، إن 8 من كل 10 يمنيين، يعيشون على المساعدات، جراء الحرب المستمرة في البلاد للعام الخامس.

ويضيف التقرير الصادر قبل أيام، إن نحو 17.8 مليون في اليمن يفتقرون إلى المياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي الملائمة، جراء استمرار الصراع في البلاد.

المأوى أولا

وتقول الناشطة المجتمعية اليمنية "عبير الأمير"، إن "النازحين يحتاجون أولاً لمأوى آمن، قبل كل شيء، لأن أغلبهم يفترشون الخيام وهذا يعتبر غير آمن".

وتضيف: "كما أنهم بحاجة إلى مناطق مؤهلة للسكن غير باهظة الثمن".

وترى "عبير"، أن "وضع النازحين يزداد سوءاً بمواجهه كل تلك التحديات والصعوبات بما فيها انتقال النازح من منطقته الأصلية إلى منطقة جديدة لا يعرف فيها أحداً".

وتقول إن الأخيرة "قد تكون بالنسبة للنازح غير آمنة بالذات النساء النازحات اللاتي فقدن أزواجهن وعائلهن ورجالهن بمناطق القصف".

ومنذ 5 سنوات، تتواصل على الأراضي اليمنية معارك بين جماعة الحوثيين وقوى متحالفة معها من جهة، وبين الجيش اليمني مدعوما بتحالف عسكري من دول عربية وإسلامية تقوده السعودية من جهة أخرى، بهدف استعادة مناطق سيطرت عليها الجماعة، بينها العاصمة صنعاء.

وجعلت هذه الحرب معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما بات الملايين على حافة المجاعة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من تراجع وتيرة الأعمال العدائية في العديد من جبهات الحرب في البلاد خلال العام الجاري، إلا أن المنظمة الدولية للهجرة، وفي أحدث إحصائية نشرت في الـ11 من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفادت بنزوح 393 ألف شخص، منذ مطلع العام 2019.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن