لماذا محافظة الجوف خارج دوائر اهتمام التحالف العربي والشرعية اليمنية؟ ولماذا تهمش؟

الخميس 28 فبراير-شباط 2019 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - أخبار اليوم/معاذ راجح
عدد القراءات 4895

 

بداية شهر فبراير الجاري، كرمت الحكومة ممثلة بوزارة الصحة، مكتبها في محافظة الجوف، لحصوله على المركز الأول في تقديم الخدمات الصحية في المحافظات المحررة.

يقول الزائرون للمحافظة، إن الجوف اليوم، مختلفة كثيراً عن ما كانت عليه قبل أربع سنوات؛ فالمنطقة الصحراوية البعيدة عن صنعاء (شمال غرب العاصمة) بحدود 170 كم2، والممتدة على مساحة إجمالية (39,495 ) كم2، والمحاذية للسعودية من الشمال، وصحراء الربع الخالي من الشرق، وأجزاء من محافظتي مأرب وصنعاء من الجنوب، وصعدة وعمران من الغرب، بدأت بنفض غبار الحرب والتصحر، لتشهد نهضة عمرانية وتوسعا حضريا، ومشاريع تنموية، تجعلها في مقدمة المدن اليمنية، الأسرع تعافياً من مخلفات الحرب، بعد مأرب.

لكن ما يدعو للغرابة، أن يكون الحراك التنموي والحضري، جهوداً ذاتية تبذلها السلطة المحلية بقيادة اللواء/ أمين العكيمي، وبمشاركة فاعلة من قبائل وقيادات المحافظة، ومنظماتها المدنية والسياسية، حيث يشارك الجميع في ما تشهده المحافظة من نمو متسارع وتقدم حضري.

وأكثر ما يدعو للغرابة، التعافي المبكر للمحافظة المتزامن مع استمرار عمليات التحرير في عدة مديريات محاذية لصعدة وعمران والتي يخوض الجيش فيها معارك متواصلة، تنقل وسائل الإعلام أنباء الانتصارات التي تحقق هناك لتبدو للمتابع العادي أن المحافظة كلها منطقة حرب، إلا أن تكريم وزارة الصحة لمكتب الصحة في الجوف، كنموذج للخدمات الصحية فاق ما تقدمه محافظات أخرى محررة.

ما أن كان يذكر اسم محافظة الجوف إلا وذكر معها كل ما يخافه الإنسان اليمني من القتل والتقطع والنهب وغياب الدولة، هذه القناعة التي رسخها الإعلام لدى الكثير من الناس، فكانت مدينة (الحزم) عاصمة محافظ الجوف، آخر مكان يفكر بزيارته الكثير من اليمنيين، وكانت الزيارة في الغالب للضرورة القصوى، ولمن عنده سيارة خاصة يتم توجيه النصح له بعدم ركوبها لأنه قد لا يعود بها، هكذا كانت الجوف في فكر أبناء اليمن كما صورها وغذاها الإعلام.

يقول أبناء المحافظة، إن شهر أغسطس/آب، 2016، مثّل نقطة التحول في الجوف عامة وفي عاصمتها (الحزم) على وجه الخصوص، حيث أصدر الرئيس/ عبدربه منصور هادي- في ذلك التاريخ- قرارا جمهوريا بتعيين الشيخ (أمين العكيمي) محافظا للجوف، وقائداً لمحورها العسكري، متيحاً بذلك لابن المحافظة، قيادة عملية التنمية والتحرير، وهو ما حدث سريعاً بالتقدم العسكري الكبير الذي أنجزه الجيش بدحر المليشيات من مديريات المحافظة البالغة 12 مديرية، وفي مقدمة تلك المدن، مدينة الحزم التي حاول الحوثيون التمسك بسيطرتهم عليها، قبل أن يتم دحرهم بعد معارك عنيفة، سقط فيها المئات من الانقلابيين قتلى، ورويت تربة ورمال المدينة وشوارعها، بدماء الشهداء من أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ورجال القبائل الذين وقوفوا مبكراً مع الشرعية.

مطامع الانقلابيين المبكرة

وقفت قبائل الجوف، في وجه المليشيات الحوثية، في وقت كانت الأحزاب تتشارك جلسات الحوار مع قيادات الجماعة، فكانوا يخوضون حرباً دفاعية عن أرضهم وسلطة الدولة، بعيداً عن الإعلام والمزايدات السياسية والتحليلات.

وكان لقبائل المحافظة دور في دحر المليشيات ومنع تقدمها من صعدة، عبر الجوف وتوسعها إلى شرق اليمن، كما حال أبناء المحافظة، دون مطامع المليشيات الخفية في ثرواتها وما تحمله من خيرات طبيعية، ومقومات اقتصادية وسياحية كبيرة.

وبعد انقلاب المليشيات في 21 سبتمبر 2014، كان للجوف موقف منحاز للجمهورية، ومشارك في الدفاع عن إقليمها وعاصمته مارب، فشاركت القبائل برجالها في مطارح مأرب، وخاضت مع المليشيات حروباً طويلة، كللت بعد مساندة التحالف العربي بقيادة السعودية، بتحرير مناطق واسعة في المحافظتين.

خطوات ثابتة

شهدت مختلف مناطق المحافظة –باستثناء التي ما زالت مناطق مواجهات مع المليشيات- تنمية متسارعة في مختلف مناحي الحياة، ساعد في ذلك عمليات النزوح الكبيرة للمواطنين من مختلف المحافظات، هرباً من مليشيات الحوثيين الانقلابية، فكانت مأرب والجوف، وجهتهم الأولى وخيارهم الأفضل، والمكان الأمن لبدء حياة جديدة وصناعة فرص استقرار أمثل.

مدينة الحزم- التي كان سكانها أربعين الف نسمة- يقتربون هذه الأيام من مئاتي ألف نسمه، قدموا من كل أنحاء الجمهورية فتحولت المدينة التي كانت تنام في الساعات الأولى من الليل ولا تجد فيها (محلاً تجاري) فاتحا أبوابه على قلتها إلا نادراً، إلى مدينة مكتظة بالسكان والمارة حتى الواحدة بعد منتصف الليل.

فتحت محلات الذهب لأول مرة في المدينة، وشركات صرافة وتحويلات، وفروع للبنوك والشركات.

ارتفع سعر الأراضي والعقارات، بشكل كبير وصار التوسع العمراني فوق المتوقع، وأصبحت المباني الطينية التي كانت هي السائدة في المدينة أصبحت شبه مختفية، وحل بديلا عنها المباني المسلحة الحديثة وفق تخطيط منظم، ويتم منع بيع وشراء اي قطعة ارض مالم تكن مخططة وفقا لما اعتمدته السلطة المحلية.

يقول الدكتور/كمال البعداني، في مقال له، منبهراً ما وصلت له الجوف، «تم حجز مساحة ثلاثة كيلو متر من أجل إنشاء (مطار) الجوف، تم تأهيل وتجهيز مستشفى الجوف العام ليصبح من أفضل المستشفيات في الجمهورية، جوامع جديدة يتم إنشاؤها وافتتاح مدارس.. فتح فرع لكلية التربية والعلوم الإنسانية والتطبيقية جامعة إقليم سبأ، شوارع جديدة تم فتحها وتعبيدها داخل المدينة بطريقة منظمة وفق تخطيط هندسي، خطوط طويلة وجديدة يتم شقها الآن وتعبيدها لتربطهم بمحافظة مأرب وحضرموت، الكهرباء تشتغل على مدار الساعة ويتم العمل الآن من أجل ربط الجوف بالمحطة الغازية في مأرب، محطات الوقود منتشرة في المدينة، الدبة البترول ما بين 3700 إلى 4000 آلاف ولا تزيد عن ذلك، أسطوانة الغاز من 1700 إلى 2000ريال ولا يزيد».

يضيف البعداني، «أما أكبر المفاجئات (..) عند دخولنا حدود محافظة الجوف (..) سماعك صوت (إذاعة) الجوف (..) إذاعة حكومية (fm) تصل إلى أطراف المحافظات المجاورة وجاري تطويرها وقد تم افتتاحها قبل ثمانية أشهر».

الحارس الأمني

منذ أن تحررت الجوف قبل ثلاثة أعوام، بقيت مديرياتها المحررة هدفاً للمليشيات الحوثية ومخططاتها الإجرامية، لكن الازدحام السكاني وتوافد النازحين المستمر على المدن، لم يتسبب باختلالات أو إحداث أي ضعف أمني، فرجال الأمن في المحافظة كانوا على يقظة عالية وحس أمني كبير.

التواجد الأمني وهيبة الدولة، كما يقول المواطنون، حاضرة بقوة في الحزم، فكاميرات المراقبة الحكومية مثبتة في أكثر الشوارع والأزقة ومرتبطة بغرفة العمليات الأمنية وتعمل على مدار الساعة، الدوريات الأمنية لا تنقطع في الشوارع وفي محيط المدينة وصولا إلى اليتمة.

تشير التقارير الأمنية السنوية، إلى إحباط وتفكيك عشرات العبوات الناسفة والمتفجرات التي زرعها عناصر حوثية مندسة، في أماكن مختلفة، خصوصاً الأسواق.

في يناير العام الماضي، تمكنت القوات الأمنية بالجوف من الكشف عن خلية إرهابية تتكون من سبعة عناصر إجرامية، وقد تخصصت الخلية في صناعة العبوات الناسفة وزراعتها في أماكن تواجد المدنيين.

أسفرت التحقيقات عن أمراه تدير الخلية، مع سبعة عناصر بينهم امرأتان. وقادة إلى خلايا أخرى نائمة تابعة للحوثيين، وساهمة في ضبط شحنات أسلحة وطائرات مسيرة.

إنجازات كبيرة، بجهود ذاتية، وإمكانات شحيحة، هي كل ما تمكنت السلطة المحلية وإدارة الشرطة من توفيرها للجنود، لكن التحديات تحتاج إلى تظافر جهود ودعم كبير للمحافظة.

تحديات كبيرة ولا مساند

يتحدث الكثير من أبناء الجوف، عن الصعوبات التي تواجه الجهات الرسمية هناك، خصوصاً الصعوبات المالية، والتي تعيق الكثير من المشاريع، مشيرين إلى أن ما تم تحقيقه من إنجازات كلها جهود ذاتية لأبناء المحافظة وقيادتها، مع دعم بسيط من الحكومة لا يكاد يذكر، ومساندة من التحالف الذي يبدو أن المحافظة هي أيضا خارج اهتمامهم.

منذ تحرير المحافظة من مليشيات الحوثي الانقلابية والجوف تعيش لحظة فارقة تتصل بماضيها العريق وتؤسس لمستقبلها المشرق في ظل اليمن الاتحادي الجديد، ونحن نقول ذلك ليس كلاما للاستهلاك بل قراءة للواقع الذي منحنا فرصة تاريخية لا يمكن أن نفوت تلك الفرصة مهما كانت التحديات، بل إن تضحيات شهدائنا تجعل من الحياد عنها أو التقاعس في مواصلة مشوار التحرير والبناء خيانة لدمائهم التي سالت على جبال وسهول المحافظة.

يؤكد محافظها أن حمله ثقيل، «ارث ثقيل تراكم لسنوات جراء تغييب المحافظة لعقود، وافتقارها للبنية التحتية في مختلف القطاعات وإهمال لكل المؤسسات الخدمية وتعمد إبقاء المحافظة بعيدة عن أي حضور حقيقي للدولة كل هذا يشكل إرث ثقيل يجعلنا نبدأ من الصفر».

ويضيف العكيمي- في مقال نشره موقع المحافظة الرسمي نهاية العام الماضي، «نحن اليوم نخوض معركتي البناء والتنمية، وإيجاد بنية تحتية لكافة القطاعات الخدمية من صحة وتعليم عام وجامعي ومياه وكهرباء عام وطرقات وصرف صحي وتهيئة بيئة استثمارية تجلب راس المال والمشاريع الكبيرة في المحافظة الواعدة».

ويشير- في مقاله- إلى ما محاولات البناء والتنمية التي ستظل «جهودا فردية، رمادا في مهب الريح ولن يكتب لها النجاح مالم نتعاون جميعا ونرمي بالماضي وراء ظهورنا والاصطفاف أكثر والعمل أكثر لتحقيق تطلعات أبناء هذه المحافظة».

يطالب المحافظ التحالف والحكومة بمساندة المحافظة ودعم مشاريع التنمية فيها والبنى التحتية، وأن تكون للبرنامج السعودي لإعادة أعمار اليمن، مشاريع في الجوف، ولمركز الملك سلمان دور إغاثي أكثر فاعلية، كما يطالب الحكومة بمزيد من الدعم والوقوف مع المحافظة لتجاوز التهميش والإهمال السابق ووضعها في المكان الذي تستحقه.

لماذا تهمش الجوف؟

وفود حقوقية وإعلامية دولية، تزور اليمن، ومدينة مأرب، مسؤولون دوليون وغربيون وسفراء يحطون رحالهم في مأرب القريبة من الجوف، إلا أن تلك المدينة الصحراوية والغنية بكل مقومات الثروة والحضارة، ظلت وما زالت، مغيبة عن الحراك الجاري في المناطق المحررة، وسائل الإعلام هي الأخرى، بعيدة عن ما يحدث من تطور بطيء وعقبات وتحديات يصنع أبناء الجوف منها انتصارات ومعجزات، وحتى الانتصارات رغم ما يتم على الأرض إلا أن ما ينشر في الإعلام يهضم حق المحافظة وتضحيات المرابطين فيها.

خلاصة

على دول التحالف العربي بقيادة المملكة أن توجه دفة دعمها إلى الجوف، المحافظة الجارة القريبة، وأن تحظى ببعض المشاريع التي ينشر عنها في الإعلام، فالحرمان والإهمال كان مرتبطا بها طوال عقود، ومن المخجل أن يطول أكثر في ظل قيادة الحزم والأمل للملك سلمان.

الحكومة والرئيس هم اليوم مطالبان بدعم قيادة الجوف ومساندتها في عملية التحرير والتنمية، فالجوف أرض خصبة بالزراعة، وغنية بالثروات الطبيعية والسياحية، وعلى الشرعية أن تغادر منطق الماضي، وتعانق كل من يشاركها بناء الدولة الحديثة، ويعينها على صناعة الغد المشرق.

ويبقى السؤول.. لماذا الجوف خارج دوائر اهتمام التحالف العربي والشرعية اليمنية؟

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن