بعد السودان.. استخبارات أمريكية تكشف عن اسم دولة عربية جديدة ستشهد أزمة طائلة قد تُسقط ملكها

السبت 05 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 09 مساءً / مأرب برس ـ عربي بوست
عدد القراءات 11055

قال مركز الاستخبارات الأميركي ستراتفور إن المدَّ المتصاعد من الاحتجاجات في الأردن أثبت قدرته على ممارسة السلطة على سياسة الحكومة. ولَطالما اعتمد العقد الاجتماعي في الأردن على خليط من التهدئة غير المرئية، من قِبل الملك، والمساعدات الأجنبية الضخمة.

لكن مع تعثر اقتصاد البلاد، يواجه الأردن تأثيراً متزايداً من متظاهرين مختلفين، فمن ناحية، هناك القوميون، الذين يعارضون الملك عبدالله الثاني أأيديولوجياً، والذي يتبنّى سياسات يعتقدون أنها تصب في مصلحة كبار المانحين لا مصلحة الأردن. ومن ناحية أخرى، هناك المتظاهرون المتضررون اقتصادياً، والذين يزداد كفاحهم من أجل البقاء، في الوقت الذي ينفذ فيه الأردن إصلاحات اقتصادية هيكلية، لا سيما تلك المتعلقة بفرض ضرائب جديدة.

وفي غضون ذلك، ييستمر الأردن في الاعتماد على المساعدات الخارجية، وهو ما يعني أنَّ الجهات المانحة الرئيسية (الولايات المتحدة وأوروبا؛ ودول الخليج) لديها نفوذ كبير على قرارات المملكة الأردنية. ولما كانت مطالبات هذه القوى الخارجية تتصادم مع رغبات الحركات الاحتجاجية المتزايدة في الأردن، فلن يكون الملك قادراً على إرضاء الجميع، وهو ما يعني أنَّ الأردن سوف يواجه، على الأرجح، اضطراباتٍ مستمرة وقد يشهد أزمة داخلية.

احتجاجات الشوارع قد تدفع إلى تحولات بارزة   

يقول المعهد الأميركي للدراسات السياسية والأمنية في تقريره، إن الحكومة الملكية في الأردن، أصبحت باطراد أكثر استجابة للضغوط الداخلية من قبل حركاتها الاحتجاجية. وفي الآونة الأخيرة نجح المعارضون في الدفع بالملك عبدالله لإعلان انسحاب الأردن من جزء من معاهدة السلام التي أبرمها مع إسرائيل عام 1994، ألا وهي أراضي الباقورة والغمر.

ويضيف: «لا يزال التزام الملك بمعاهدة السلام نفسها ثابتاً، لذا فلم يؤدِّ قراره هذا إلى أزمة دبلوماسية مع إسرائيل أو اندفاع لإنقاذ المعاهدة، لكنَّ هذه الخطوة تجسّد محاولات الملك المتزايدة لاسترضاء المجموعات الداخلية التي تعارض بعض تصرفات الحكومة الأردنية.

ويشير المركز إلى أن انتصار المعارضين جاء بعد وقت قصير من نجاح المتظاهرين المتضررين اقتصادياً، في فرض إلغاء مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي طرحته حكومة هاني الملقي المُقالة، التي لم تحظَ بشعبية كبيرة، في شهر يونيو/حزيران 2018. وتمثل اضطرابات هذا الصيف في الأردن أكبر احتجاجات بالبلاد منذ أحداث الربيع العربي عام 2011، والتي أسفرت عن تشكيل حكومة جديدة تماماً.

وتشير الحقيقة إلى أنَّ احتجاجات الشوارع المتنوعة هذه قد دفعت إلى تحولات بارزة في السياسة بالأردن، وإلى الرغبة القوية لدى الحكومة في إرضاء مواطنيها وتجنُّب الاضطرابات. لكنَّ هذا الموقف يخاطر أيضاً بالتسبب في مواجهة بين الحكومة الملكية الأردنية والحلفاء الدوليين الذين يريدون استمرار الملكية، لكنهم يريدونها أيضاً أن تعمل لمصلحتهم.

القضايا التي تحرك التظاهرات تتضاعف

في أثناء الربيع العربي، اصطفّت مظاهرات المعارضين الأردنيين والمتظاهرين المتضررين اقتصادياً، واتّحدتا لخلق بيئة قابلة للاشتعال بالمملكة. ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، ركَّز الجانبان على موضوعات بعينها دون أي تداخل يُذكر، إذ أجبرت تظاهرات القوميين عمّان على  طرد السفير الإسرائيلي، بعد أن قتل حارس بالسفارة الإسرائيلية أردنيين اثنين، في شهر يوليو/تموز 2017، وأوقفت المظاهرات مشروع قانون ضريبة الدخل الذي لا يحظى بشعبية، وتأجيل إجراءات التقشف إلى وقت آخر بعض الشيء.

ويضيف المركز الأميركي أن نطاق القضايا التي تُحرك هذه التظاهرات يتضاعف مع استمرار اقتصاد الأردن في التدهور، وانخراط المملكة بجهود تزداد جدية وخطورة للحفاظ على الاستقرار، بما في ذلك التواصل مع صندوق النقد الدولي.

وكلما زادت المشكلات ذات الصلة، زادت احتمالات تنظيم التظاهرات. وسوف يوفر مشروع قانون ضريبي جديد مُعتَمَد جزئياً، وخطة أميركية «للسلام» في فلسطين، مزيداً من الفرص للمتظاهرين للتنظيم ضد الحكومة الملكية، في محاولة لفرض نفوذ على سياستها.

ولسوء حظ الأردن، فقد أثارت انتصارات السياسة الأخيرة والمطالب الحالية من القوميين والأردنيين المتعثرين اقتصادياً فزع الرعاة الأجانب للبلاد، الضروريين للحفاظ على استقرار البلاد. وقد أظهر المانحون الرئيسيون للأردن استعدادهم للعب السياسة في مقابل الدعم الذي تحتاجه عمّان بشدة.

المخاطرة بالمساعدات

ويضيف المركز الأميركي أنه بالنظر إلى التحديات الديموغرافية التي يواجهها الأردن، وقلة موارده، فإنَّ  استقراره يعد أمراً غريباً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكنَّ سبب هذا الاستقرار، إلى حد كبير، أنَّ القوى الأساسية –وضمنها إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا- ترى قيمة في الحفاظ على اقتصاد المملكة وسدّ الثغرات في عقدها الاجتماعي.

وقد ظهرت هذه الديناميكية في شهر يونيو/حزيران 2018، عندما عرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، مجتمعة، 1.25 مليار دولار على هيئة قروض ومساعدات، لعون الحكومة الأردنية المرهقة على تجاوز هذا العام (2018).

بل إنَّ إسكات إسرائيل عن رد الفعل على قرار الملك بخصوص معاهدة سلام عام 1994، قد أظهر استمرار اهتمام إسرائيل بالحفاظ على الاستقرار هناك.

لكن مع استمرار المتظاهرين الأردنيين في التأثير على ملكهم، فإنَّ السؤال الآن متعلق بأثر ذلك على تصرفات المجتمع الدولي، ذلك أنَّ السياسة القومية، في الماضي، قد دفعت الأردن إلى سياسات أضرَّت بأمنه.

هذا الحزم سوف يخلق مصادمات مع مصالح المانحين الخارجيين

تسحب الحركات الاحتجاجية في الأردن، وحاجتها للمساعدة الخارجية قيادتها في اتجاهين مختلفين، وتُجبر الملك على اجتياز أرض وسط، يتقلص حجمها. ومع قلة الخيارات الجيدة المتاحة، سوف يصبح عبدالله معتمِداً باطراد على سياسة مدروسة من الدول الأجنبية، وهو موقف صعب.

فالسعودية مثلاً لديها سياسات غير طبيعية تجاه حلفائها –بدءاً من نزاعها مع كندا وانتهاء باختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري– بل إنها احتجزت، لفترة وجيزة، أثرى ملياردير أردني، في محاولة لممارسة النفوذ. وكذا فإنَّ أي سوء تقدير من قبل السعودية أو الإمارات أو كليهما قد يعرّض الملك عبدالله لمزيد من الاحتجاجات الكبرى في بلاده.

وعلاوة على ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة قد تستخدم الوعد بالمساعدة للضغط على عمان من أجل دعم «خطة للتسوية» في فلسطين، التي من المؤكد أنها لن تحظى بالشعبية في الأردن.

وتُعَدُّ المساعدة العسكرية الأميركية محوريةً بالنسبة للقوات المسلحة الأردنية، إضافةً إلى أنَّ الشراكة الأمنية مع عمّان أمرٌ أساسي بالنسبة لواشنطن، لذا فإنَّ القطيعة الحقيقية أمر بعيد الاحتمال.

لكن يمكن أن تختار الولايات المتحدة إظهار عدم اليقين حول دعمها للملك من خلال التصريحات أو التهديدات أو حتى التغريدات، وهو ما سوف يعرض عبدالله لحركة احتجاجات أكثر حزماً.

ومن الممكن أن تشعل إسرائيل، هي الأخرى، المشاعر القومية في الأردن. فلو وقعت حرب أخرى في غزة، أو دعمت إسرائيل خطة لتسوية القضية في فلسطين، أو حتى لو وقعت حادثة مشابهة لإطلاق النار في السفارة، فمن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى تدهور وضع الملك عبدالله في الداخل.

ويختتم المركز الأميركي التقرير بالقول: «لا يريد أي من حلفاء الأردن زعزعة استقرار المملكة بشكل كبير، أو تقويض حاكمها، لكنهم أظهروا أنهم قادرون على التصرف بطرق تفتح الباب أمام الاضطرابات، في حال ابتعدت الحكومة الملكية عن مصالحهم من أجل استرضاء (المجموعات المحتجة)».

الأردنيون في الداخل غير راضين بشكل متزايد عن اقتصاد بلدهم، وعلاقته بإسرائيل، وقد زادت احتجاجاتهم المتزايدة من نفوذهم على سياسة الحكومة، لكنَّ هذا الحزم سوف يخلق مصادمات مع مصالح المانحين الخارجيين، الذين يعتمد الأردن عليهم، لعدم امتلاكه للموارد اللازمة للاستمرار بمفرده.