“الحديدة” اليمنية.. الاختبار الأصعب أمام اتفاق السويد

الأربعاء 19 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس- متابعات
عدد القراءات 2179

 

 مع بداية الثلاثاء بدأ سريان اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة اليمنية، التزاماً باتفاق السويد بين الحكومة اليمنية وجماعة “الحوثيين”، برعاية الأمم المتحدة، الخميس الماضي.

وتمثل مدينة الحديدة، مركز المحافظة (غرب)، اختباراً هو الأصعب أمام الاتفاق، فالحديدة، على ساحل البحر الأحمر، هي الملف الأكثر إلحاحاً وأهمية بين ملفات النزاع؛ نظراً لأهمية المدينة ومينائها الاستراتيجي.

والحديدة، بحسب مراقبين، هي الدافع الرئيسي لجولة المشاورات الأخيرة في السويد، إذ ضغط المجتمع الغربي على أطراف النزاع للتفاوض، بغية تجنيب ميناء الحديدة معركة عسكرية، باعتباره بوابة دخول 70 في المئة من واردات اليمن.

وخلفت الحرب المستمرة أوضاعاً معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وتجاوزت احتياجات اليمن الإنسانية في 2018، وللمرة الأولى، احتياجات سوريا، بحسب الأمم المتحدة.

وجاء الضغط الدولي بعد اقتراب القوات الحكومية مسنودة بالتحالف العربي من الميناء، ومحاصرتها مركز المحافظة من ثلاث جهات، واقتراب المعارك من مركز المدينة وموانئها الثلاثة: الحديدة، والصليف ورأس عيسى.

واعتبر محللون ومراقبون أن صعوبة اختبار ملف الحديدة تتمثل في كونه محاطاً بتعقيدات كثيرة، بينها عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ بنود الاتفاق، وعمومية النصوص، ما جعل طرفي النزاع يفسرون الاتفاق حسب رغباتهما.

ومنذ أكثر من أربع سنوات تقاتل القوات الموالية للحكومة اليمنية المسلحين الحوثيين المتهمين بتلقي دعماً من إيران، والذين يسيطرون على محافظات، بينها صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

وأبلغت الأمم المتحدة طرفي النزاع ببدء وقف جديد لإطلاق النار الثلاثاء، بعد خروقات متعددة لما توصل إليه الطرفان في السويد من وقف لإطلاق النار في الحديدة، ضمن اتفاقات وتفاهمات أخرى.

 

أسوأ الاحتمالات

المحلل السياسي اليمني، علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية، قال إن “مفاوضات ستوكهولم حققت نجاحين مهمين، أولهما ضمان استمرار جولات مفاوضات قادمة دون قيد أو شرط”.

وأضاف حسن، الذي عمل ضمن فريق مستشاري المبعوث الأممي خلال مشاورات السويد، أن “البند الأخير في الإطار العام أوضح ذلك (ضمان الجولة القادمة) بصورة حاسمة”.

وتابع: “النجاح الثاني لمفاوضات ستوكهولم يمثل في كبح وإعاقة اندفاع الحرب في الحديدة والساحل الغربي عامة”.

ورأى أن “هذا النجاح تحقق بفضل بلوغ المجتمع الدولي، وبالذات الجانبين البريطاني والأمريكي، حالة الإحباط من السير المتعثر لعمليات التحالف العسكرية، وتوقعاتهم السلبية بشأن إمكانية نجاح التحالف وحكومة الرئيس (عبد ربه منصور) هادي في إدارة ميناء ومدينة الحديدة”.

وأبدى حسن تفاؤله بنجاح الاتفاق بقوله إنه “سيجتاز العثرات أو ينتقل المشهد إلى حرب أهلية، من دون مشاركة مباشرة من التحالف، ومن دون تسوية، وهذا أسوأ الاحتمالات”.

وينفذ التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، عمليات عسكرية في اليمن، دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين.

 

جولات عاصفة

الباحث اليمني ماجد المذحجي، اعتبر أن “فرص نجاح الاتفاق تبدو حتى الآن غير مرئية؛ بسبب عدم اختبارها”.

وأضاف المذحجي، وهو المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن “هذه الفرص ستتضح في الأسبوع الأول من بدء سريان الاتفاق”.

وتابع: “إذا بدأ الحوثيون والقوات الحكومية في إعادة الانتشار والانسحاب من الموانئ، خلال أسبوعين، سيزيد هذا من فرص نجاح الاتفاق”.

وأوضح أن الجزء الأكبر من عملية “الانسحاب من الموانئ وإعادة الانتشار تقع على عاتق الحوثيين، الذين يسيطرون فعلياً على تلك الموانئ”.

ورأى المذحجي أن “الملف الأكثر تعقيداً هو ملف الانسحاب (من الموانئ) وإحلال قوات الأمن السابقة (محل قوات الحوثيين)”.

ويبيّن أن من تعقيدات هذا الملف: “استدعاء القوات السابقة والترتيبات المتعلقة، وضمان خروج كافة ميليشيات الحوثي، خاصة أنها مليشيات غير نظامية”.

ومن بين التعقيدات أيضاً، بحسب المذحجي، “المدى الزمني القصير، الذي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع، وهذا يشكل تحدياً كبيراً”.

وقال الباحث اليمني إنه في حال “كان هناك حسن نوايا ورغبة فعلية في الالتزام بالاتفاق فسيكون تنفيذه خلال هذا المدى الزمني القصير مؤشراً بالغ الأهمية”.

فيما عبّر عن خشيته من “أن يكون الاتفاق وليد الضغوط لا وليد الاحتياج، وعلى سبيل المجاملة للمستوى العالي من الضغوط (الأممية والدولية)، ثم نشهد فشلاً بسبب تلكؤ أحد الأطراف في تنفيذ أي جزء منه”.

وحذر المذحجي من أنه في حال فشل الاتفاق فإن اليمن “سيشهد جولات عاصفة من الحرب”.

وتوصلت أطراف النزاع، خلال مشاورات السويد، إلى اتفاقات بشأن الحديدة وتبادل الأسرى، إضافة إلى تفاهمات حول محافظة تعز (جنوب غرب).

 

غموض وعمومية

لعل من أبرز تعقيدات ملف الحديدة أيضاً، غموض بنود الاتفاق بشأنه، ما جعل كل طرف يفسّرها حسب مصالحه.

فالحكومة من طرفها تقول إن ميناء الحديدة سينتقل إلى إدارة القوات المحلية التي كانت موجودة قبل سيطرة الحوثيين عليه، بينما يقول الحوثيون إن الاتفاق ينص على أنهم سيستمرون في إدارة الميناء مع انسحاب القوات العسكرية فقط منه.

وبهذا الخصوص قال علي الفقيه، مدير تحرير صحيفة “المصدر” اليومية (متوقفة بسبب الحرب)، إن “صعوبة ملف الحديدة جاءت من غموض وعمومية النصوص الواردة في الاتفاق”.

ويضيف الفقيه وهو مدير موقع “المصدر أونلاين” أن عمومية النصوص “تسمح لكل طرف بأن يفسرها بما يتناسب مع مصلحته”.

وتابع أن “المجتمع الدولي يتحدث عن حرصه على تجنيب مدينة وميناء الحديدة الحرب والدمار، لكن هناك أيضاً حرص على عدم إنهاء سيطرة المتمردين الحوثيين على الميناء الأهم في البلاد”.

ورأى الصحافي اليمني أن “فرص نجاح هذا الملف ضئيلة، كون الاتفاق ترك ثغرات تتيح المجال للالتفاف عليه من جانب القوة المسيطرة على الأرض (الحوثيون) ما يفتح الباب لصراع مستقبلي في المدينة قد يكون أشد ضراوة”.

وأكد أن “غياب تفاصيل الآلية التي ستعتمدها الأمم المتحدة لتنفيذ الاتفاق يضاعف من فرص فشل تنفيذه، خاصة وأن الميناء يشكل مصدر تمويل مهم ورئيسي لسلطات الحوثيين لتمويل وإدارة عملياتها العسكرية”، مبينا أن جماعة الحوثي “تبدي حرصاً شديداً على مواصلة السيطرة على الميناء، ويستحيل أن تقبل بتسليمه للسلطات التابعة للحكومة”.

واعتبر الفقيه أن “الحكومة اليمنية شعرت بأنها أُجبِرَت على التوقيع على اتفاق السويد، بفعل الضغوط الدولية على السعودية”.

وختم الفقيه قوله: “ولهذا تحاول الحكومة الآن تقديم تفسيرات تتناسب وطموحها في تحويل نتائج الاتفاق إلى صالحها”. (الأناضول)