أجراس الحرب تقرع في الخليج العربي

السبت 12 مايو 2018 الساعة 09 صباحاً / مارب برس – محمد المسفر
عدد القراءات 13598

 

يوم الثلاثاء 8 مايو الحالي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015 مع الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وألمانيا المعروفة بدول (5 +1)، وذلك القرار الأمريكي قد يؤدي الى جر منطقة الشرق الاوسط برمتها وخاصة دول الخليج العربي الى حافة الهاوية.

وقد أعربت بعض دول مجلس التعاون "المأزوم" عن فرحتها وتأييدها للموقف الأمريكي من الانسحاب من الاتفاق، وفي تقدير الكاتب ان الفرحين من العرب بما جرى والمعبرين عن فرحتهم ليس لديهم رؤية مستقبلية بما قد يحدث، وما سيحدث فإنه أمر جلل.

وهذه نذر الحرب قد اطلقت الطلقة الاولى بالامس الخميس من إسرائيل على مواقع اي كانت في الاراضي السورية المضطربة، واحتمالات المواجهة العسكرية في المنطقة متوقعة.

أسئلة تطرح نفسها في هذه الظروف، هل الدول الخليجية التي عبرت عن فرحتها وتأييدها للقرار الأمريكي الذي سيضعف إيران لا شك سيدفع دول الحصار لتتخذ التدابير والاجراءات اللازمة لاستعادة الجزر الاماراتية (طمب الصغرى، وطمب الكبرى، وجزيرة أبوموسى) علما بأن القواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية لها تواجد كثيف في خليجنا العربي وانها ستكون عونا لدولة الامارات لاستعادة جزرها المحتلة ليس حبا في الامارات وانما نكاية واستفزازا لإيران.

إنني أرى ذلك الاجراء ضرورة قومية على الامارات انتهاز تلك الفرصة لاستعادة اراضيها المحتلة بدلا من التوسع في جزر وموانئ اليمن والقرن الافريقي بعيدا عن الخليج العربي.

وماذا سيكون الحال مع التجارة بين موانئ الامارات عامة وميناء البصرة الذي يخضع للنفوذ الإيراني بطريقة مباشرة وغير مباشرة هل سيطالها نظام العقوبات؟

هل يدرك قادة دول حصار قطر الفرحون بالموقف الإسرائيلي والأمريكي من إيران وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها على كل الصعد أن إيران قد تقلب الطاولة لصالحها اذا تأزمت امورها؟ اسئلة تحتاج الى تأمل .

* * *

في الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) استعانت إيران في عهد الخميني "ابو الثورة الإيرانية" بإسرائيل عبر الطائفة اليهودية الإيرانية واليهود الإيرانيين المهاجرين الى إسرائيل بمدها بالسلاح والذخيرة لمواجهة العراق.

 

علما بأن أمريكا في ذلك الحين في عداء شديد مع إيران نظرا لاحتجاز رهائن دبلوماسيين أمريكان في مقر السفارة الأمريكية في طهران على اثر قيام الثورة الإيرانية واسقاط نظام شاه إيران واعلان الجمهورية الاسلامية الإيرانية.

هذه الحادثة تعرف بـ"إيران غيت" كانت إسرائيل تزود إيران بالسلاح والذخائر بمعرفة أمريكية، وعلى ذلك حققت انتصارات في جبهات القتال مع العراق الى اللحظة التي استعاد الجيش العراقي زمام المبادرة فألحق الهزيمة بالجيش الإيراني وعلى أثرها أعلن الخميني "إنه يتجرع كأس السم" وأعلن قبول قرار وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب بين العراق وإيران.

لست ادري ما اذا كان يعرف اهل الخليج العربي ان في إسرائيل اكثر من 250 ألف يهودي إيراني ليسوا معادين (للدولة إيران) وقد يتضامن معظمهم معها كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية وكما كان الحال في عهد شاه إيران، البعض منهم تولى ويتولى البعض الاخر مناصب عالية في الحكومة الإسرائيلية.

أذكر منهم على سبيل المثال الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كساف، والجنرال شاؤول موفاز والذي اصبح نائبا في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" واخرين وان هذا الجمع اليهودي الإيراني في إسرائيل لهم علاقات مع اخوانهم يهود إيران والذين يقدرون باكثر من 45 الف يهودي إيراني بقوا هناك.

طبعا اليهود المهاجرون من إيران ليسوا من أنصار حكم الملالي في طهران وبعضهم من انصار المعارضة الإيرانية المقيمة في الخارج ولهم علاقات قوية جدا بالجالية الإيرانية المقيمة في أمريكا والدول الغربية. هذه القوى لا تقبل بضعف (إيران الدولة) او هزيمتها من أي قوة كانت.

الحاخام يديديا شوفاط وكذلك الحاخام ماشاء الله غلستاني والاخير زعيم الطائفة اليهودية في إيران يتمتعان باحترام من قبل السلطات الحاكمة في طهران وهما لم يناصرا أي معاد لإيران.

ومعلوم ان الطائفة اليهودية الإيرانية اشتركت في الحرب ضد العراق واقيم لمن قضى منهم في الحرب العراقية الإيرانية تمثال يزار في ذكرى تلك الحرب.

* * *

إسرائيل عداؤها مع إيران مؤقت، يزول بزوال مناصرة النظام السياسي في طهران لقضية الفلسطينية، وضمان عدم تهديد حزب الله اللبناني لأمن إسرائيل، اما عداء العرب مع إسرائيل الصهيونية فإنه عداء قديم يعود الى ما قبل احتلال فلسطين وقيام الدولة الإسرائيلية.

وخاض العرب حروبا ضد الكيان الإسرائيلي منذ عام 1948 اما إيران فلم تدخل معهم في اي مواجهة لا في عهد الثورة الاسلامية الإيرانية ولا عهد الشاه من قبل.

مشروع التسلح النووي الإيراني وضع قواعده شاه إيران قبل سقوط نظامه، ولم تعارض إسرائيل ذلك المشروع كما هو الحال اليوم مع إيران. الإسرائيليون يعلمون ان اندفاع بعض قادة مجلس التعاون الخليجي "المأزوم" نحوهم هو اندفاع مصالح النظم السياسية وليس مصالح الشعوب.

وهم يعلمون أنه في الافق البعيد لن يستقر الحال لبعض تلك النظم، وعلى ذلك فإن أي اشارة مهادنة من إيران تجاه إسرائيل ستتلقفها الاخيرة وستضحي بأي تقارب مع قيادات عربية مؤقتة الا تقارب الخنوع والاذعان لإسرائيل.

 

آخر القول: النظام السياسي في طهران "براغماتي" قادر على تغيير اتجاهاته لتحقيق مصالحه العظمى، وليس أمام دول الخليج "المأزوم" اليوم إلا فك الحصار عن قطر والترفع عن الأحقاد والصغائر من أجل أمة لا من أجل أفراد هم إلى الدار الآخرة سائرون.

* د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.

المصدر | الشرق القطرية