الإسلام والتطرف
الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي
الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي

مئات السنين مرت والمسلمون يعيشون حالة يرثى لها ووضعاً لا يحسدون عليه, وفيما بين هذه المئات من السنين ما يشيب الطفل من الصراعات الفكرية, والتاريخية, والعقائدية،التي طحنت المسلمين طحناً، لعبت فيه سياسة الدول المتعاقبة بعد الخلافة الراشدة على أصحاب هذه الأفكار فشجعتها مرة وقمعتها أخرى, والمغفلون من أصحاب هذه الأفكار يعيشون وهماً وسراباً عانى منه المسلمون, وأنَّ منه الإسلام،وضجت منه القيم, وصرخت من هوله الأخلاق.

مئات السنين مرت والتمزق والشتات لا يفارقان المسلمين،ومن علا من مذهب أو طائفة أوجماعة، أوسيطر على أرض أونال حظوة، أو مكانة عند سلطان مارس أبشع أنواع الدس, والتأليب،والتشويه, وربما وصل إلى التعذيب،والتنكيل بكل من يخالفه في الرأي أو المعتقد, وهمشهم وتطرف تطرفاً مجحفا ً على إخوانه وأبناء جلدته ودينه.

منذ ذلك الحين بدأ التطرف الذي شوه صورة الإسلام،وجعل منه وحشاً كاسراً, وأفكاراً متحجرة, وقلوبا ً غلفاً, وأرضاَ قاحلة،ونفوسا ً مريضة. وصل الحد بالتطرف إلى جعل الإسلام متعطشاً لسفك الدماء منتحراً متفجراً بأحزمة ناسفة, وسيارات مفخخة, وعبوات متفجرة في الأسواق،والمتاجر, والمساجد, والشوارع, والمباني العامة, ودور العبادة،وحافلات الركاب،والمقاهي،والجنائز, وعلى قارعة الطريق, كما يحدث في العراق, وأفغانستان, وما يحدث وحدث في الجزائر, والمغرب, والسعودية, والكويت, وإيران،واليمن, والأردن،ومصر وغيرها الكثير من البلدان والأماكن.

ووصلت بشاعة التطرف إلى حز الرؤوس،وذبح الإنسان كذبح النعاج ليبدأ بعد الذبح المسجل في شبكات الإنترنت, وعلى أشرطة الفيديو, والسيديهات ترديد الله أكبر, وكأنهم قد فتحوا القدس أو أعادوا الأندلس, فماذا بعدهذه الشدة, والفظاعة،والبشاعة التي وصلت إلى حد ذبح الإنسان بلا خوف من الله, ولاوازع من ضمير ولا رادع من خلق؟

وفي خبث ولؤم ابتكر التطرف وسائل بشعة تضاف إلى رصيده المشوه لجوهر الإسلام وعدله؛ إذ وصل الأمر إلى التعزير, والتمثيل بالضحية، والضحايا الذين تم ذبحهم وحز رؤوسهم في نشوة التطرف, والانفلات, ومع عبارات التكبير, وهتاف النصر ليبدأ مسلسل التمثيل, فيتم تقطيع أطرافه, وأذنيه,وأنفه, وشفتيه, وهو مقيد اليدين والرجلين, وبعد مسلسل التطرف الطويل ـ ويعلم الله ماذا يحدث فهذا ما يقومون هم بتصويره وأرشفته ـ لترمى الجثث مقطعة الأوصال في الشوارع.

التطرف لا يرحم وليس له حد محدود في تعامله مع خصومة الذين يراهم مخالفين له في الأفكار والرؤى, ولا يتقيد بشرع ولا ضمير ولا إنسانية, وقد أثبتت الأيام والمواقف أن التطرف لا يفرق بين كهل عجوز, ولا امرأة ولا طفل, ولا معاق, ولا عامل, ولا بري ء وشوارع بغداد شاهدة على استهداف العمال والمتسوقين والمارة، بل إنها تئن من جور التطرف،وشلالات الدماء التي تراق يومياً عليها.

الإسلام دين السماحة والعدالة والتيسير والتأليف والرحمة والمحبة والسلام جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والناس في جاهلية جهلاء والعرب في نظر قطبي الأرض في ذلك العصر ـ فارس والروم ـ عبارة عن عرب رعاع متخلفين لا قيمة لهم ولا وزن ولا حضارة، فجل ما يتمتعون به هو الكأس والغانيات حتى أعزهم الله تعالى بالإسلام الذي رفع شأنهم, وسمى بآدميتهم وإنسانيتهم, وأعلى قدرهم ومقامهم،وجعلهم رؤساء وسادة بعد أن كانوا جفاة منفرين, وحولهم من ذلة إلى قوة وعزة لا بعروبتهم وقوميتهم وإنما بإيمانهم وإسلامهم واعتزازهم بدينهم،فسادوا العباد وملكوا البلاد.

ضرب لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أروع أمثلة العفو والتراحم والتسامح, وعلمهم الإسلام كيفية التعامل مع الإنسان وإقناعه ودعوته بمنهج القرآن الكريم « أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن » ( فقولا له قولاً ليناً )

ولا أدل على ذلك من التعامل اللطيف واللين لنبي الرحمة مع الأعراب الأجلاف الذين كانوا يتعاملون معه،ومناداتهم إياه،وأفعالهم البعيدة عن السلوك القويم،وأقوالهم المعوجة،فلا يرون منه سوى قلبا واسعاً وصدراً متسعاً رحبا,ً فتنهار قواهم وغلظتهم وشدتهم أمام رحمته, وتتهاوى جفوتهم أمام تسامحه،ويأتيه المتهيب منه الخائف من ذيعان صيته, فيتفاجأ بتعامله وعطفه وحنانه ( هوِّني عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة )

وفي خضم المجتمع المتفلت من القيم والأعراف والأخلاق لايجد الناس ملاذاً وأمناً سوى في حماية،وتحت سقف هذا الدين الذي غيَّر مجرى الحياة،واستبدل بالظلام نورا ً, وبالجهل علماً, وبالانحطاط سمواً, وبالذلة عزة.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أعاد الحياة إلى أجسام قد ماتت أو كادت بتعاليمه النبوية الراقية ( يسِّروا ولا تعسروا وبشِّروا ولا تنفروا ).

وعندما رحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتحق بالرفيق الأعلى لم تكن هناك شاردة ولا واردة إلا وقد علَّمها وقالها وبيَّنها ومارسها ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ً» ، « تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) , ولن نختلف هنا؛ ( كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، أو ( كتاب الله وسنتي ). وقوله في حجة الوداع بعد الوصايا الخالدة ( ألا هل بلَّغت ؟ ) - يكررها ثلاثاً - والجموع المحتشدة تصيح : بلى, فيقول : ( اللهم فاشهد ) , وعاش المسلمون بعده ردحا ً من الزمن ـ عهد الخلافة الراشدة ـ في وئام وسلام ينتهلون من منهله ونبعه الصافي ومعينه الغدق, وإن كانت تظهر بعض الأمور التي لا تفسد للود قضية بينهم كالاختلاف في الرأي, وفي بعض الأحكام مرجعها الناسخ والمنسوخ, والتدرج في الحكم, وقلة الفهم عند البعض, والتأويل عند آخرين.

وما هي إلا عشرات السنين حتى استعر الخلاف, ودب المرض في القلوب،ودقت طبول الحروب, وانشق الصف،وظهر التكفير والتفسيق والتبديع،واضطرمت نار العداوات ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ وأظهر المنافق نفاقه،وعمل ضعيف الإيمان على زعزعة الأمن والاستقرار والسكينة،وانتشرت الآراء الضالة والأفكار المنحرفة, وتفرق أهل الدين الواحد إلى جماعات وطوائف ومذاهب وفرق فسفك الدم وانتهك العرض وانتهب المال واستبيح المحرم، وكل يدَّعي أنه الصواب ومادونه ضلال وكفر وبدع وشركيات وأساطير وخرافات وأباطيل وكفريات.ومن هنا بدأت الطامة الكبرى.

*خطيب الجامع الكبير بالروضة صنعاء


في الأربعاء 09 مارس - آذار 2011 07:12:50 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=9402