مشارب الباحثين تعددت.. وحقيقة صعده لمن لسعته الحرب
أحمد أحمد الرازحي
أحمد أحمد الرازحي

لقد تعددت الدراسات والبحوث في قضية الحوثية ،وتنوعت ،واختلفت من بحث الى اخر ،ومن دراسة الى دراسة،نتيجة للخلفيات والأرضيات الأولية للباحث،والتكوينات البدائية والتنشئة الثقافية والنمطية التي تربى عليها،وربما التعبئة التي تعيق حرية النظر ونهج الموضوعية والمصداقية والتحري في الصحة والخطاء بالنسبة للمعلومة المراد بحثها والتوصل الى معلومتيها، فبعضها لا تعدوا أن تكون حديث عن الغيب ،وضربِ من الرمل ،وأشارة فردية ،وقراءة لخطوط الكف، وأختلاق أزمات ،وتوسيع فجوات ،وخلق مؤامرات ،وزرع فتن ,وتأجيج مواقف ,وأثارة صراعات ماضوية ,وأستنساخ أحكام ,وتلفيق إتهامات,وتحريض مكشوف لأحقاد تطفوا على الورق البحثية مهما أدعوا المنهجية والحيادية والموضوعية ،وبعضها لاتخلوا من الهفوات الكبيرة مع خالص النيات وصدق التوجهات مع قلة المعلومات ، والبحث عن حقائق وتقديم حلول,وبعض البحوث عدمها أنسب من وجودها بعيدة كل البعد عن منهجية البحث وآلياته،تخلط الأوراق وتشوه الحقائق ، فأينهم من قول ناصح لإبنه(ودع القول فيما لاتعرف والخطاب فيما لم تُكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكفَ عند حيرة الضَلال خيرٌ من ركوب الأهوال) حملني الى ذكر هذا ..الندوة الفكرية ..والأحتفالية التكريمية التي اقامتها( منظمة التلاحم والوفاء الوطني )يوم الأربعاء السابع من ابريل 2010تحت عنوان (قراءات في آثار حرب صعدة 2004-2010ودور منظمات المجتمع المدني في معالجتها)وتحت شعار من أجل مجتمع يمني اكثر وعياً وأدراكاً لآثار الحرب ..ودور منظمات المجتمع المدني في الإسهام الايجابي في أعادة البناء والإعمار وتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة برئاسة.

وكان ذلك برئاسة أ/همدان زيد بن علي الأكوع رئيس المنظمة ،وبحضور الكثير من الباحثين والمثقفين وخصوصاً من لهم دراسات حول حروب صعدة الستة وكانت الاوراق البحثية التي تُطرق لها , (الظاهرة الحوثية),الدكتور/أحمد محمد الدغشي, (اثار حرب صعده 204-2010على المستويين التنموي والأقتصادي) د/على حمود الفقيه, (الآثار النفسية والصحية والبئية للحرب في صعدة) د/عبدالصمد الحكيمي ،(تحقيق الإندماج الثقافي لمحافظة صعده )د/عبدالله مقبل معمر,أ/يحي(الآثار السياسية للحروب الداخلية (حرب صعده أنموذجاً),أ/عبدالقادر الدبعي (الآثار الثأرية للحرب على النسيج الإجتماعي ) أ.د/حمود صالح العودي(أستخلاص عام لأهم ماتضمنه الأوراق العبثية)وقد افرغوا ما بجعبتهم حول بحوثاتهم وما توصلت اليه من نتائجِ طغت عليها الأنا والتسويق للذات وأبراز العظلات والتنقيب عن أختيار المصطلحات وتلميع الكلمات مع تلميع ذواتهم وكأنهم يخوضون حملة انتخابية في بلد أوربية،مما وجدت نفسي مدفوعاً لإبداء بعض الملاحظات حول بعض النقاط التي ذُكرت في الاوراق البحثية ،وبما ان الزمن كان محدداً لايسمح بالتساؤلات ولايتيح فرصة للملاحظات لكن مهما ضاق الزمن لابد من ابداء الملاحظات وايصال بعض النقد،.

فقد لاحظت على الدكتور أحمد الدغشي (الظاهرة الحوثية) بأنه أعتمد في دراسته على المنهج التاريخي الذي يقوم على أستخدام المبادئ والقوانين المرتبطة بأحداث التاريخ الماضية التى لم يبقى لها اي حاضر،وهذا يُعد عيباً في أختيار المنهجية البحثية لكون المنهج التاريخي يعتمد على بعض القضايا الجزئية ،ولكون المشكلة الحوثية حاضر فلا يصلح لها أستخدام المنهج التاريخي وإنما يصلح لها المشاهدة والمنهج الوصفي وإن كان قد ادعى أعتماده فالمعروف عن المنهج الوصفي الوثائقي إما أن يكون دراسات مسحية,دراسة حاله ,دراسات ميدانية ,دراسات تطبيقية ,دراسات سببية ،وأغلب هذه النقاط غير متناولة فقد أقتصر على التاريخ ويظهر ذلك من خلال التحدث عن الجارودية ومحاولته نسب الحوثيين الى المكون الجارودي ،ثم أبداء استغرابه ان تنسب الجارودية الى الزيدية ،جاعلاً من نفسه حكم يدخل ويخرج من يشاء من الزيدية ،نتيجة لأستغراب غير مدعم بدليل وكانه يجهل ان الزيدية مدرسة اجتهادية تظل تحت سقفها عدة مدارس فقهية وفكرية ،والعجيب أستغلال الدكتور لعيب (البطنين ) في الزيدية التي لو أخضعها –قضية البطنين –لعصرها وحقبتها التاريخية ومعرفة جدلية القرشية المثارة آنذاك وكيف كان أفضل من يمثلها أئمة اليمن كما ذكرها حجر العسقلاني ومديحه لأئمة اليمن،لما حاول إعادة لصقها بمن تبرؤا منها من علماء الزيدية المعاصرين مصدرين بياناً لكون مسألة الإمامة تتنافى مع الجمهورية وثقافة العصر وقيم الديمقراطية ويؤكد ذلك ما كتبه زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في صحيفة الوسط بعنوان (المرحلة ليست مرحلة الإمامة)وكان ذلك بمثابة ردا على الحوار الذي أجري مع والده بدر الدين الحوثي في صحيفة الوسط .

كما أين شرط الموضوعية ؟الذي يُعد من أهم الشروط الواجب توفرها في الباحث ، وأعتماده على خبر فردي أحادي فقد أستمد أغلب دراسته من المفكر الإسلامي محمد عزان الأمين العام لتنظيم الشباب المؤمن والذي ذُكر اسمه في البحث(الظاهرة الحوثية) كما ذُكر أسم الله في صورة المجادلة ،على رغم أن عزان ليس شخصاً محايداً بالنسبة للحوثية فقد كان على خلاف واضح كعين الشمس مع الحوثية مُنذ بدايتها وذلك ماذكره عزان في الحوار الذي أجرته معه صحيفة الناس 9ابريل /نيسان2007(الخلاف كان بين خطين خط يؤيد الانفتاح على الأخر وانا منهم ,والخط الآخر يركز على القضايا التقليدية القديمة) مما اثار لدي سؤال وه ولماذا لم يستضاف ا/محمد عزان بناءً على أن أغلب ماطعم به الدكتور فرضياته من أقوال محمد عزان ،فالشرب من المنبع،والاعتماد على الأصل، والإستماع الى الشاهد الحاضر،خيرٌ من التنبؤات والتفسيرات المبنية على مجهول واستغراب. فعزان حسب ما افهم عنه لا يرفض دعوة وخصوصاً في مثل هذا المقام .

 أما بقية الاوراق البحثية للباحثين فيبدو لي أنهم لا يجهلون قضية الحوثية فقط وإنما يجهلون إنسان صعده الذي يبدوا في نظرهم أنه ذلك الشخص الذي لايعرف وطنه ،ذلك الإنسان البدائي من بقايا العصور الحجرية القادم من كوكب اخر لاعلم له بقوانين البشر،وحش جبال ،ومخلوق غيرثابت وجوده،سليل مجموعة باقية من بعض المكونات الغريبة ،على رغم أن وصفه يختلف من باحث الى أخر، وذلك جلياً في توصياتهم عندما قال بعضهم يجب تعريف المواطن الصعدي ببقية المحافظات من خلال زيارات ميدانية،وعندما قال الدكتور عبدالله معمر (على الدولة أن تضع امامها اولويات وثقافة عامه في محافظة صعده كتجسيد قيم الثوابت الوطنية والوحدة اليمنية وكان مشكلة مواطن صعده كمشكلة مواطن الجنوب آزمة هوية ودعوة لفك إرتباط،حتى يجب على الدولة وضعها اول أولوية ،لأن مواطن صعده (السلمي)يبحث عن حقوق كحق التعليم ,حق العيش المتساوي ،ثم أطلب منه واجبات يادكتور وأفرض عليه الأنظمة والقوانين كما قلت في التوصية (12)فرض النظام والقانون فهذه التواصيف لا تصلح لمواطن صعده ،فقد عاش حياة مؤلمة ،حياة شجون نتيجة لطغيان المادة وتغليب المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية ,فمصارع قوم عند قوم فوائدُ،أناس يشهدون قيامتهم فيما هناك قوم يأخذون أثارهم ،ويكتبون من دمائهم تاريخ غير تاريخهم ،وينسجون من لحومهم قميص أشبه مايكون بقميص رُفع في الماضي للوصول الى ذروة الملك العضوض .

كم يتمنى مواطن صعده بأن تُحل قضيته التي أصبحت مزاداً وملاذاً لمن هب ودب ،وشعاراً لمن يبحث عن فتات ،كم يحلُم بأن تُبحث مشكلته بدون تفسيرات أولية وأرتجالية ،وتشخص قضيته تشخيصاً دقيقاً تحت مجهر العدالة والموضوعية والمسؤلية والرفق والعناية الكاملة والبحث في الدوافع والاسباب للتوصل الى وصفة ناجحة تُبقي على حياته المهددة وإنسانيته المظلومة المصلوبة على الحقيقة ،وجسده المنهك الذي تعرض لست عمليات جراحية بأيدي مختلفة ووخز بالأبر المتنوعة المؤلمة بسبب تشخيص غير ناجح ،وتحاليل غير مجدية حالة يرثى لها،ضياع وانقراض بدون ناصر،عدة حالات مدونة على عتبات الظلم والتشرد وأندثار قيم العدالة ومبادئ الإنسانية ،مع فيض الحنين والتغزل بالصمت –مكون الأشياء العميقة-،وتشييد البقاء وأستمرارية الحياة بذاكرة الشوق والحب والامل حيث تبدوا ذكريات المهمل (المرمى في سلة النسيان )والقديم (المتنافي مع واقع ماقبل 2004والمناسب لمابعد2004)مهمة جديدة.

أبناء غادروا آبائهم ورحلوا بالصمت الى المجهول لأنسداد أفق المعلوم وترك صورة على طاولة مفتوحة الفصول المتراكضة بأمطارها المتزاحمة في أقتحام ناعمٌ للشوق وإذابة الورود وسحق الزهور والإستدراج حنيناً نحو أفق كان في نظرهم مخرجاً من المجهول ومن الأفق المغلق ،لكن مع البحث بين ركام الأيام تم الوصول الى الأفق المغلق .

يستقبلون الوقت بوجه يغرق في الحزن ،ويتشتت في الحلول ،يتمسك كالغريق بكل قشة ،ويتفاءل بكل مُنظر يتخذ منه شعاراً،لكن بعدما يظهر زيف المُنظر يشعر بالخيبة الموحشة.

نتألم كثير عندما نسمع الأصوات المحفورة تتألم في ذاكرة جبلية على حين نسمع أصوات تجعل من الجبال رمال ,ومن المنتج مستورد ,ومن الأصل فرع ,ومن الأجتهاد تقليد ,ومن الداخل خارج ,ومن الولاء عداء ومن الإنسان وحش مفترس ..

ينقل المواطن تلك التفاصيل بشغف ويرصدها من زوايا متعددة ،وينظر الى الوراء بعيون تبحث عن الذين رحلوا كطيف شجرة ,ومسلة عارية ,وقلم جاف, والعيش في ظلام الليل بأنامل القلق ،ونسيان الأحزان ونقيضها ،وأصبحت الحياة بلا سند مثل وريقات صفراء سقطت في رياح الخريف ،وترى من الأحياء رؤية الموتى وهم يحرثون الوقت بأرواحهم التى جفت بين عبثية الحروب وبين الأمل بالخلاص ..

فذلكم من يسمى بمواطن صعدة ضحية الجميع ،المصلوب بين الفعل وردة الفعل،وبين اوراق الباحثين .


في الأربعاء 26 مايو 2010 05:15:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=7187