الفيدرالية كزواج متعة في مفهوم نصر طه 2-2
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل

لو قبل الناس الآراء"الخرافية"لساسة الحزب الحاكم عن الفيدرالية لوصفوا الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة الإنفصالية,لأنها تحكم بالنظام الفيدرالي الذي جعل منها واحدة من أعظم الدول في التاريخ,كما أنهم سيستنكروا ممارسة دولة الإمارات العربية المتحدة "زواج المتعة" جهارا نهارا أمام العالم أجمع,لأنها اتحدت بالفيدرالية التي يرى نصر طه أنها كمن يبطل عقد نكاحه الشرعي الصحيح ويحوله إلى زواج متعة,وبرغم الفارق في تطبيق مفهوم الفيدرالية بين أمريكا والإمارات(ربما بسبب أن تلك جمهورية والأخرى أميرية)فإن التاريخ يثبت نجاحهما في تحقيق وحدة مميزة,أكدت بطلان وزور خرافات ساسة النظام القائم في بلادنا اليوم, الرافض للتغيير والتطوير تحت أي مفهوم كان,مما يعني أن البلاد لن تشم رائحة السير إلى الأمام أو تتذوق معنى التخلص من التسلط الديكتاتوري,وما التبشير بالحكم المحلي(ناقص أو واسع الصلاحيات)سوى شعار يستخدمه الحاكم ككرت سياسي,لعله يخفف من الضغوط الشعبية المتزايدة عليه, خاصة في جنوب الوطن ومحافظة صعدة المنكوبة.

يجب على أعداء الحرية وعشاق التسلط أن يكفوا عن تجهيل الناس وتخويفهم,كما يجب عليهم أن يفهموا ويعوا حقيقة الفيدرالية كنظام متطور,توصلت إليه العقول السياسية كخلاصة تجربة لكثير من الأنظمة المختلفة التي تجاوزها العالم بسبب عجزها عن تحقيق تطلعات الشعوب الحية والحرة التي لقيت في الفيدرالية مبتغاها,لأنها وجدت نفسها حرة في إدارة حياتها بطرق قانونية وتشريعية راقية,وضعت الحكام تحت رحمة الشعوب نفسها,لتبنى أوطان نموذجية,سمتها العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد.

لتوضيح الصورة بشكل أوسع,رغبة في وضع القارئ الكريم أمام الحقيقة المتمثلة في تهرب الحاكم وحزبه من إشراك الشعب في إدارة حياته,وكذلك إستغلال واستخدام إمكانيات البلاد لبث سموم الجهل ونشر داء التخلف,عبر المغالطات الدائمة والتشويه المتعمد لأي أفكار تحمل في مضمونها أسس التغيير,لتمثل بعد ذلك محطة انطلاق لبناء الوطن باسلوب عصري متطور يوصل البلاد لحكم دولة المؤسسات,لتوضيح تلك الصورة سنحاول جاهدين في هذا الموضوع تناول النظام الفيدرالي ومعناه المتعارف عليه في العالم ,متنمنين أن نساهم ولو بالكلمة في اقتلاع مداميك التخويف البشرية المنتشرة في مفاصل النظام المتشعبة في بلادنا الحبيبة.

الفيدرالية نظام حكم تتوزع فيه السلطة بين حكومة مركزية تدير شؤون الدولة,وحكومات محلية تدير شؤون المحافظات-الولايات أو الأقاليم بصورة مستقلة عن الحكومة المركزية التي ترتبط بشكل مباشر مع حكومات المحافظات(سنكتفي بلفظ محافظات حتى لا تتكرر الكلمات),في إطار دستوري وقانوني يحدد بوضوح صلاحيات حكومات المحافظات,ويتيح تدخل الحكومة المركزية في شؤونها بعد الأخذ بقرار وتوصية تلك الحكومات,كما يمنح الحكومة المركزية الحق في التدخل المباشر عند حدوث الطوارئ في المحافظات المشكلة في مجموعها الدولة,والحكومة المركزية لتلك الدولة هي التي تمثلها أمام العالم الخارجي,وأعضاء تلك الحكومة(رئيس-نائب-وزراء -أعضاء مجالس النواب والبرلمان...الخ)هم من أبناء الدولة كاملة ويتم إنتخاب أغلبهم من الشعب,وهذا ما ينسف تماما خرافات من يدعي جهلا إنفصالية وتفكك النظام الفيدرالي,فالدولة المحتكمة لذلك النظام وطنها وشعبها واحد,تحت دستور وعلم واحد,وعملة واحدة موحدة سارية المفعول في كل أنحاء البلاد,رئيس واحد منتخب من اوساط الشعب,إلى جانب أعضاء مجالس النواب والبرلمان الممثلين لكل المحافظات في الحكومة المركزية,والتي تتقلص وزاراتها إلى عدد محدد ينحصر في وزارة الخارجية(تدير السياسة الخارجية للبلاد)-وزارة الدفاع(جيش واحد للدولة يحميها ويدافع عنها)-وزارة العدل(تصيغ القوانين وتراقب سيره في البلاد)-وزارة المالية أو الخزانة(تدير شؤون البلاد المالية)-وزارة الطاقة(توفر الطاقة للبلاد)-وزارة التأمين أو الضمان الإجتماعي(تتولى رعاية المعاقين والمتقاعدين في البلاد كاملة).

يمنح النظام الفيدرالي الحق لكل محافظة في إدارة شؤونها الداخلية بحرية كاملة ولكن بتنسيق دائم مع المحافظات الأخرى خاصة في النواحي الأمنية,بعيدا عن تسلط الحكومة المركزية,ولهذا يوجد في كل محافظة هيئات تشريعية وحكومات وشرطة داخلية تسير أمورها,كما أن حكومات المحافظات تتحكم في الشؤون الإقتصادية باستقلالية عن الحكومة المركزية من حيث استخدام الاموال المحصلة كالضرائب مثلا في تسيير حياة سكانها,والفائض من تلك الأموال يورد لخزينة الدولة المركزية التي تقوم بسد أي عجز يحدث في محافظة أخرى من البلاد.

التعمق في أسلوب وماهية النظام الفيدرالي حال تطبيقه بصورة سليمة,يدفع الإنسان لمراجعة المفاهيم الكارثية للأنظمة المركزية البالية المتحكمة في كل حركة تحدث داخل البلاد,بصورة مخالفة لكل القوانين والشرائع الموجودة على الأرض,حيث تتقيد الممارسة السياسية بهواجس قلق الحاكم والسلطة على الكرسي,فتنعدم الحريات الحقيقة,خاصة الفكرية والإعلامية مما يقتل إبداعات المواطن الأسير بالمراقبة الأمنية,ويتحول الوطن إلى مصنع يملكه الحاكم يدخل إليه ويخرج منه ما يريده وسلطته فقط,فتمتلأ البلاد بالفساد والفوضى وانعدام القانون والعجز الشامل,لتموت بذلك مشاعر الولاء للوطن وتنحسر ثقافة المصالح العليا وتزول معايير الفخر بالإنتماء إليه وتكون نتيجة ذلك كله وطن معوق مشوه وحاكم مقدس بدرجة صنم بشري لا بديل له مطلقا,فيما يكون المشهد معكوسا في النظام الفيدرالي المغطى بجمالية فريدة,تقدم الحريات على طبق من ذهب للشعب المتحكم في تصعيد وتنزيل من يحكمه,ليقوم بحماية تلك الحرية بالقانون من قبل الأجهزة الأمنية المؤدية عملها بولاء للوطن وقداسة لقيمة المواطن,فتحرّم متابعته أو مراقبته لينطلق بدعم الحكومة والقانون نحو الإبداع في أي مجال يجد نفسه فيه,مكونا إلى جانب كل مواطن آخر جسدا يفتخر حد الدهشة بالإنتماء لوطنه,ولا غرابة أبدا أن يصبح النظام ثقافة يلد ويموت معها الفرد,عنوانها الأبرز وطن للجميع يخدمه الكل وتسهر على أمنه القومي عيون مخابرات همها الأول والأخير ,توفير أجواء آمنة تبسط بصفائها القانوني على كل شبر في المساحة الجغرافية للوطن.

إن من يقول جهلا بأن الفيدرالية مضادة لعجلة التاريخ,بحاجة ماسة للإطلاع والمراجعة لعل ذلك يفيده في قادم الأيام,فلا يتحدث عن شيء لا يفهمه,فالفيدرالية نظام عصري متطور يقرب المسافات الجغرافية والسكانية بين أبناء الشعب الواحد,ويذيب بشكل عجيب مفاهيم المناطقية والمذهبية ,ولأنه كذلك تحولت الولايات المتحدة الأمريكية من دولة مقاطعة بدأت بثلاثة عشر ولاية إلى دولة عظمى بولاياتها الخمسين,ولو كانت الفيدرالية إنفصالا وتفككا وزواج متعة كما يقول"فقهاء"السلطة,لوقفت أمريكا عند نقطة ولاياتها الأولية,وحتى لا يقول البعض بأننا ندعوا إلى الأخذ بما لدى الخارج,فإنه من الواجب القول أن الخارج أخذ من التاريخ كل ما وجد أنه يحقق مصالحه ويخدم رفاهية شعوبه,وذلك الخارج هو من نستورد منه كل شيء,وبه يستقوي الحاكم على أبناء شعبه ولو بتصريح محرف واتفاقية لم تحدث في الواقع على الإطلاق.

هل من الممكن أن تكون الفيدرالية بعد هذا إنفصالا أو تفتتا؟ ثم هل من المعقول أن تشبه بزواج المتعة؟ أم أنها نظام يمنح كل فرد من أبناء الوطن الحق في إدارة بلاده من أي موقع كان فيه!!!

ما هو المانع من إشراك شعبنا في بناء وطنه وإدارة حياته بحيث تتحكم كل محافظة في تسيير أمورها داخل إطار الوطن الكبير؟ وأي حق ذلك الذي يجعل الحاكم يتصرف في حياة الناس كأنهم عبيد,فيعين محافظا ومدير أمن وقاضي في تعز وعدن وحضرموت من سنحان وحاشد ومراكز القوى,وفي تلك المحافظات من الكفائات الوطنية ما لا يعد او يحصى.

من حقنا أن نختار وننتخب في كل محافظة ومديرية من يحكمنا ويدير شؤوننا,حتى يكون الحاكم المنتخب تحت رحمة أصواتنا التي ستصعد الشرفاء وتقصي الفاسدين,وتلك صورة يجب أن تحضر في إدارة أموال البلاد,فأي حق ذلك الذي يأخذ من مأرب وشبوة وحضرموت الثروات النفطية,ليتم استخدام أموالها في شراء وصرف السيارات والولائات واستثمار ما بقي في الخارج,مع أنه من البديهي أن تصرف تلك الأموال على المحافظات أولا,فتشيد البنية التحتية(مدارس-مصانع-مستشفيات...الخ)والفائض يذهب لخزينة الدولة المركزية ليصرف على المحافظات الأقل دخلا.

إن رفض الفيدرالية من الحاكم وزمرته يعني بهدوء رفض الحكم المحلي,وعلى من أدمن العبودية للأسياد أن يعي ويعلم بأن النظام الفيدرالي سيمنحه الحرية والكرامة,ليقول ويكتب ما تستوجبه المصالح العليا للوطن,دون أن يحاسبه أو يلومه أحد,أمّا التصميم على تجهيل الناس بعلم أو بدونه عبر تخويفهم من الفيدرالية فذلك أسلوب رخيص,يثبت للجميع أن أولئك أقزام في المحتوى والمضمون,لأن من قزم وطنا كاليمن واستكثر الحرية على شعب كشعبنا,فقطعا هو لا يستحق أن يتشدق بالوطنية والثقافة أو يتقلد المناصب ليدير أمور الناس,وعليه أن يضع في جمجمته الخاوية مفهوما تاريخيا أثبت ويثبت أن الأوطان تبقى,ورجالها الشرفاء وإن رحلوا يخلدوا بعظمة مواقفهم,فيما كان مصير كل قزم رخص نفسه ووطنه الخزي والعار في الدنيا والآخرة.

aalmatheel@yahoo.com

  
في السبت 19 ديسمبر-كانون الأول 2009 07:50:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=6209