قطار عثماني يشق الجزيرة العربية قبل 100 عام ..
مجدي منصور
مجدي منصور

* عظمة الحضارة التركية في عمق ذاكرة الإنسان العربي

من المحزن ومن المؤسف ألا تعلم أجيال اليوم عن قصة إنجاز عظيم استغرق ثمانية سنوات من العمل المتواصل 1900-1908 م، انجاز اسطوري قدمته الدولة العثمانية (عاصمتها في تركيا) إلى العالم الإسلامي وإلى الجزيرة العربية خاصة، وهو سكة قطار حديدية تنطلق من دمشق وتمر عبر الأردن بوديانه وهضابه والحجاز بتضاريسه المختلفة وصحراءه لتصل إلى المدينة المنورة، قطار يربط العالم الإسلامي ومقدساته، لأن فرع منه يذهب أيضا إلى حيفا قرب القدس، قطار يمر عبر الجزيرة العربية قبل أكثر من مائة عام ، لم يعرف سكانها حينها وسيلة نقل سوى الجمال! لم يكن هذا القطار مخصصا ليركبه حاشية السلطان أو سفراءه أو ممثليه، لقد كان مهمة القطار هو نقل الحجاج بوسيلة نقل أسرع وأريح، لقد كان مشهد القطار في الحجاز مشهدا عظيما، ولم يصدق الحجاج أنفسهم حينها وهم يركبون قطارا متحركا بدلا من الجمال، ولم يصدقوا بأن رحلة الحج أصبحت تستغرق 4 أيام فقط من الشام بدلا من شهر أو شهرين، لقد كانوا يدعون للسلطان عبدالحميد من قلوبهم، علما بأن إنشاء سكة حديد كان يعد أمرا في غاية التعقيد والتحدي الهندسي والإداري بالنسبة لحكومات القرن التاسع عشر!

1. بريطانيا تتفاجأ بالمشروع!

لقد كان المشروع لعظمته ولصعوبته البالغة يبدو مجرد حلم لا يمكن تحقيقه، حتى أنه جاء في رسالة القنصل البريطاني عام 1900 في دمشق W. Richard إلى مسئوله وهو يعتذر لهم عن عدم تبليغهم مبكرا عن نية الامبراطورية العثمانية إنشاء سكة حديد من دمشق إلى المدينة رغم أن أخبار كهذه كانت قد وردت إلى مسامعه وشاعت في دمشق، يقول معتذرا:

" Sir Nicolas O'Connor,………seemed to me and others so wildly improbably, not to say fantastic, that I refrained from reporting on it to your Excellency "

 "سيدي نيوكولاس أوكونور،............. لقد بدا قطار الحجاز لي ولغيري مشروعا شبه خيالي، إن لم أقل خياليا، ولذا صرفت النظر عن إبلاغ سيادتكم به". 

فسكة القطار ستمر من وديان وهضاب وصحراء ، فهو يحتاج إلى أعداد كبيرة من الجسور (ونحن نعلم ماذا يعني جسر واحد في زمننا هذا) وأعداد أخرى من الأنفاق وسيحتاج أيضا إلى مواد يتم نشرها في صحراء الرمال المتحركة لتثبت سكة الحديد، وأخرى على جانبيه لتمنع تدفق الرمال المتحركة عليه، يحتاج إلى كل هذا في زمن لا تنقل فيها المعدات ولا المهندسين عبر الطائرات ولا الشاحنات، وعلى طول 1320 كيلو متر سيواجه المهندسون عقبات مختلفة تحتاج كل واحدة منها إلى حلول خاصة، وسيحتاج إلى أموال طائلة وهائلة! وسيحتاجون إلى الماء في كل مراحل الإنشاء! وسيحتاج إلى العديد من المحطات والقلاع على طول الطريق سواء للحماية أو لغيرها! كل هذا قبل مائة عام!!!

 ولكن العثمانيون بقيادة السلطان عبدالحميد رحمه الله كانوا مصممين على تحقيق هذا القطار، يحلمون برؤيته وقد صار حقيقية أمام أعينهم، مصممين على ربط العالم الإسلامي بمقدساته، وبعضه ببعض!

2. يا للعظمة: رأس المال إسلامي، والمهندسون عثمانيون مسلمون!

لقد كان تحقيق المشروع عملية كبيرة وعظيمة، إلا أن الأعظم هو الطريقة التي أراد بها العثمانيون تحقيقها، فقد قرر السلطان عبدالحميد أن لا يتم تنفيذ المشروع إلا بمهندسين عثمانيين ولن يتم الاستعانة بأية مهندس أوروبي وفي حالات الضرورة القصوى بمهندسين ألمان، وصمم أيضا على أن رأس المال لن يكون ديون أو قروض من الآخرين وإنما برؤوس أموال إسلامية، ولأن الدولة العثمانية حينها كانت تمر بظروف صعبة وأزمات مالية، فقد تم فتح باب التبرعات، وتبرع السلطان عبدالحميد ب 250 ألف ليرة، وتبرع المسلمون بأموالهم والتي وصلت لتشكل ثلث رأس المال!

 جاء في موسوعة الويكيبيدية في الانترنت أن إحدى مميزات المشروع هو أنه تم الانتهاء منه دون أن تكون عليه أية ديون! لأن العالم تعود أن المشاريع العملاقة بل المتوسطة دائما تكون من خلال قروض وديون، وفي عالمنا العربي حتى المشاريع الصغيرة نقيمها بواسطة القروض! فكيف يكون الحال بمشروع بهذا المستوى! إلا أن تبرعات المسلمين السخية جدا من الهند ومصر وغيرهم أكملت الحلم، وحققت المعجزة، لتتضافر جميع أنواع الجهود بشكل فائق: ماليا وهندسيا وإرادة!

3. لحظة رائعة في افتتاح المشروع:

لقد تم افتتاح المشروع في 25 شعبان 13 الموافق 1 سبتمبر 1908، لا أعلم إن كانوا يستخدمون أشرطة ومقص لفتح المشاريع، ولكن تخيلوا حلاوة أن يقص شريط لمشروع عملاق كهذا!

4: هدية رائعة داخل القطار:

إلا أنه والأروع أن القطار جاء وفيه هدية من السلطان عبدالحميد، إنه مولد كهربائي وأسلاك كهربائية ومصابيح، لينار فيها المسجد النبوي في المدينة المنورة لأول مرة! يا للروعة! وكما تجدون في التاريخ أعلاه كان يفصلهم عن رمضان 5 أيام، فلنا أن نتخيل صلوات التراويح في رمضان 1326هجري، وقد تخلى المسجد النبوي عن الشموع والزيت! وما زلنا نحن اليوم نستخدمها وفي القرن العشرين وبعد المنجزات!

إذن لقد كان القطار يعلن بأنه لن يكون فقط وسيلة لنقل الحجاج، وإنما أيضا لنقل التكنولوجيا والتقدم إلى الجزيرة!

5. لنتخيل الحجاج في القطار قبل مائة سنة:

لقد بلغ الحجاج في هذا القطار في عام 1912 ثلاثون ألف حاج ثم في عام 1914 ثلاثمائة حاج! لقد كان نقلة نوعية، ولنا أن نتخيل مشاعر الحجاج المسلمين وهم يركبون قطارا قبل مائة عام، فإضافة إلى فرحة وسيلة النقل الحديثة والمريحة، فهناك نشوة وفرحة أخرى وهي الفخر بأن هذه التقنية الحديثة "السكة الحديدية" من تصميم مهندسين مسلمين، وبرأس مال إسلامي شاركوا هم في دفع تكاليفه!

يالها من رحلة رائعة للحجاج ويهم يقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك! وهم يلتفون يمنة ويسرة عبر شبابيك القطار، ويعبرون التضاريس المختلفة وكلها أرضهم وامبراطوريتهم الاسلامية العثمانية، التي رغم أنها كانت تمر بمراحل شيخوختها إلا أنها قدمت إنجازا لا يمكن أن ننساه، ونتساءل كيف تجهل أجيال اليوم قصة هذا المشروع العظيم! نريدهم ليعرفوه ليحققوا مثله وغيره وأكثر!

6. قصة تدمير القطار:

سأذكر في الجزء الثاني "مع صور رائعة للقطار قبل مائة عام" قصة تدمير القطار! وكيف تمكن الجاسوس البريطاني من خداع بعض العرب، وجعلهم يدمرون القطار بأيديهم، مشاهد مؤلمة، إلا أن قصة إنجازه هي الأمل في أن هذه الأمة قادرة على صنع المستحيلات متى ما توحدت بعاملها المشترك الأكبر والأوسع! 

7. هذا رابط لمشاهدة العديد من الصور ومزيدا من المعلومات، جزى الله خيرا من أعدته:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=166959

Magdi5000@hotmail.com 

 
في الجمعة 30 أكتوبر-تشرين الأول 2009 06:31:12 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=5986