ازمة اليمن بين الخارجين من الغيبوبة والماكثين فيها
طارق عثمان
طارق عثمان

عندما طلب الاستاذ سلطان العتواني من علي سالم البيض العودة الى غيبوبته السياسية كان محقا ..

محقا في أن تلك الغيبوبة هي أرحم من حالة اليقضة المفاجئة التي إعترت البيض والتي جعلته يبدأ أول نشاط له بعد الغيبوبة ، من حيث أنهى أخر نشاط له قبل الغيبوبة ، ألا وهو خطاب الإنفصال ...

غير مدرك وغير عابىء بالسنين التي مرت والتي أثبتت أن قرار الانفصال لم يكن صائبا وجنى كثير ا على الحزب الاشتراكي وقواعده ومستقبله وعلى المناطق التي كانت تمثل سنده ومعاقله التاريخية بل على اليمن كلها وعلى الخارطه السياسية فيها وعلى ديمقراطيتها الناشئة وأدى الى حالة شبيهة بحالة القطبية الواحدة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي ، فتغول الحزب الحاكم حتى وصل الى الحالة التي هو عليها الآن ..

تلى البيض خطاب الإنفصال وهو غير مدرك أن قادة المعارضة في الداخل لم يوفروا مهرجانا إلا أشادوا فيه بدوره ودور الحزب الذي كان يقوده في الوحدة ، بل أعلى بعضهم من دوره على دور غيره ، وطالبوا بعودته ، وإعطائه دورا محوريا في الحياة السياسية .

أما كان الأولى بعد كل هذا أن يتبنى الحراك والنضال السلمي ويقوده شمالا وجنوبا وهو الذي ما زال البعض يكن له الحب والاحترام وأنا منهم لدوره في الوحدة ولكونه ندا قويا للرئيس على الاقل من حيث الكارزما الشخصية ومن ناحية الخبرة السياسية وأيضا للدور الذي قدمه كشريك في صنع الوحدة ..فلماذا لم يتعض ، لماذ لم يأخذ كل ماسبق بعين الإعتبار ، لماذا لم يقرأ المشهد اليمني قراءة صائبه ..

لا بد إذا أنه كان في غيبوبة استمرت 15 عاماوالتي أعقبت خروجه اليمن وإعتزاله العمل السياسي ثم بعث بعدها على ما كان عليه إنفصاليا يتلو خطاب الإنفصال ..

كان عليه أن يعرف أن إحترام الناس له عائد لدوره في الوحدة وسيضل الناس تحترمه مادام يحترم هو الوحدة ويحترم تاريخه ولا يتنكر له ، وهو الأمر الذي يعيه شريكه في الوحدة ولذلك فإنه لا يفوت فرصة لتذكيرنا بالوحدة وبدوره ويخوفنا عليها حتى من أنفسنا ونحن عليها منه أخوف ..

كان على الرجل أن يقرأ المشهد اليمني قرأة متأنية قبل أن يقدم على الخوض في الشأن السياسي مرة أخرى ، ونحن لانريده أن يقرأ ليحددومن منظور الربح والخسارة من الجهة التي سيقف معها فنحن لا نقبل منه إلا أن يقف مع الوحدة ثم بعد ذلك يفكر مع أي جهة سيقف في إطار دولة الوحدة وبما يحقق مصلحة الشعب اليمني ..

أكتب هذا وأنا لا أعفي من يمثلهم العتواني وهم اللقاء المشترك بأنهم يعيشون درجات متفاوته من درجات الغيبوبة التي تتسم بعضها بفقدان جزئي للقدرة على الإدراك مع فقد القدرة على الفعل أو الإحساس بالألم وهي حالات الذهول وتبلد الأحاسيس تختلف درجاتها باختلاف الخفيات الحزبية التي تشكل المشترك ..

هذا الذهول الذي يجعل المعارضة دائما في موقع رد الفعل المتأخر عن كل أفعال الحزب الحاكم وفي حالة تبلد يستمر حتى الإنتخابات حيث تكتمل الدائرة العصبية بزيادة درجة التنبيه فيبدأون في الحركة في كل الأتجاهات وعلى غير هدى ..

هذا الذهول عبر عنه الدكتور ياسين سعيد نعمان عندما قال أن الازمة تجاوزت قدرة المعارضة ..

والحقيقة أن قدرة المعارضة دائما تخذلنا وليس في هذه الازمة فقط لأن المعارضين يعيشون حالة ذهول نجمت عن غياب استراتيجية واضحة وثابتة للتعامل مع الحاكم الذي قد يكون صحيحا أنه لا يمكن التنبؤ بأفعاله ولا بردود أفعاله ولكن هناك ما يميزه وما يجعلهم أقدر على التعامل معه ، فمهما كان مفاجئا ومبادرا وقادرا على خلط الأوراق إلا أن شيئا واحدا يبقى ثابتا في كل تصرفاته وهي أنها تدور حول مصالحه الشخصية فقط لذلك فهو أوضح الفرقاء السياسيين في اليمن ...

الطرف الثالث في الازمة اليمنية وهو السلطة والتي تعيش هي الأخرى غيبوبة مختلفة وهي ناجمة عن ماأسماه السناتور وليم فولبرايت : «غطرسة القوة\"وهو عنوان لكتاب ألفه بهذا الاسم في ستينات القرن الماضي ..

فالشخص المتغطرس في رأي يفقد الاحساسيس ويفقد القدرة على الحكم السليم على ماحوله ويبقى اسيرا لإعجابه بذاته وقوته ويتمادى في غيه وطغيانه وعتوه دون رادع أو زاجر من خلق أو قيم أو مثل وهو شبيه بما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم \"أو غنا مطغيا \"وقوله تعالى \"إن الإنسان ليطغى إن رأه استغنى \".

فإذا ما اقترن كل ذلك بحالة من الهياج والغضب دخل الانسان في \"الأغلاق\"وهي حالة غيبوبة جزئية لا يقع فيها حتى الطلاق عند بعض الفقهاء لغياب العقل وهي حالة لا يقضي فيها القاضي أيضا لغياب عقلة .. فما بالكم بسلطة متغطرسة ينتابها هيجان أفلا يخرجانها حالة الإدراك السليم إلى نوع من أنواع الغيبوبة ؟؟ غيبوبة الحاكم المتفردة والتي هي نتيجة حالة الغطرسة التي يعيشها منذ 1994 جعلته لا يمتلك أي حساسات قادرة على إلتقاط توجهات الجماهير ولا مشاعرها ولا تطلعاتها ولا آمالها ولا آلامها ولا أي شىء يأتيه من هناك لذا فأن كل فعل وكل ردة فعل صادرة منه لا علاقة لها بما يجري في الشارع ، بل قد تكون استجابات عكسية تماما للمنبهات التي تأتيه من الجمهور . لذا فإن المعول عليه بعد الله للخروج مما نحن فيه هو أن يفيق الشعب من الغيبوبة التي هو فيها ويعود بعض السياسيين الى غيبوبتهم وتخرج المعارضة من ذهولها باستراتيجية تحفز الشارع وتقود الجماهير الواعية للوقوف أمام غي الحاكم وطغيانه وغطرسته .


في الإثنين 25 مايو 2009 11:17:59 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=5372