عن الرزق الذي لم ينله الملوك وأصحاب الثروات
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
 

محبة الناس لشخصية من الشخصيات هي رزق من الله ، قد يرزق الله بعض الناس أموالا كثيرة ، ولكنه لا يستطيع بثروته الكبيرة التي ربما تمكنه من شراء جزر ومدن وذمم كثيرة أن يشتري محبة الناس.!

مهما أنفق على المؤثرين ، ومهما أشادت به وسائل الإعلام ، وكتبت عنه الأقلام لا يجد محبة حقيقية عند الناس ، والمحبة غير المجاملة التي تأتي من قبل البعض طمعا بما عنده ، أو مداراة البعض له إتقاء لشره . محبة الناس لشخص دون غيره هي علامة من علامات القبول ومحبة الله له ، فالله اذا أحب عبده بث محبته بين خلقه. فقلوب الناس أمرها لله وحده ، ولا سلطان لأحد عليها مهما بلغت سلطته ، أو عظمت ثروته .!

وهذا هو مصداقا لحديث رسول الله ﷺ الذي أكد هذه الحقيقة قبل 14 قرنا بقوله : " إن الله إذا أحب عبداً نادى جبرائيل إني أحب فلاناً فأحبه، ثم ينادي جبرائيل في أهل السماء: أن الله يحب فلان فأحبوه ، ثم توضع له المحبة في الأرض " . والمحبة التي أقصدها هنا هي تلك المحبة التي يقوم بها الناس تجاه هذا الشخص دون دافع دنيوي ، محبة عفوية وإن لم يعلم بها ، تهفو إليه قلوبهم ، وتتطلع إليه أبصارهم بالحب والتعظيم والإجلال ، يستمعون لحديثه ، ويعملون بنصائحه ، ويقبلون وساطته ، ولا يردون له طلبا ، وهذا برأيي من أعظم أنواع الرزق . بعض الناس بمجرد أن تراه يدخل قلبك ، بمجرد أن تستمع له عدة دقائق يستولي على تفكيرك ومشاعرك ويستوطن وجدانك بلا استئذان .

وقد تصنع وسائل الإعلام والخطابة والفصاحة والمواقف كاريزما كبيرة لشخصية من الشخصية ويصبح لها التأثير الكبير والحضور الفاعل في واقع الناس ، ولكن ليس لها محبة عندهم .! خذوا مثلا :

في اليمن كم ظهر من علماء ، وكم عرف الناس من مشايخ وفقهاء ؟! كثيرون . فهل ملك القلوب كشيخنا العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني - رحمة الله تغشاه - ؟! كم أدهشتنا روحه المرحة المحلقة التي تجسد سمو العظماء وبساطتهم في آن واحد ، وكم استصغرنا أنفسنا بجوار ذلك الجبل الأشم والعملاق الذي حباه همة عالية أحيت أمة ، ومنحه الله نشاطا كبيرا وحرصا عظيما على استثمار الوقت في الجديد والمفيد وذلك الحرص الكبير على إفادة الناس وتفقيههم أمور دينهم .

العلامة العمراني العالم الجليل كان قمة في التواضع والبساطة واللين واللطف ، كل من عرفه من قرب أحبه وتعلق به لصدقه وعفويته وبساطته وروعة حديثه ، ولذا فقد كان الجلوس معه متعة لا تضاهيها متعة لجميل حديثه وحلاوة ألفاظه وحسن مفاكهته ، فهو حين يتحدث يجذب إليه كل حاضر أو مشاهد ومستمع ، فقد تميز بأسلوبه الرائع المتفرد الممزوج بالدعابات الجميلة والقصص المشوقة والأحداث والمواقف التي يرويها فيستفيد كل من يسمعه .

ومنذ ظهور التلفاز في السعودية كم تحدث به من علماء وشخصيات فهل أحب الناس شخصية من هؤلاء كما أحبوا الشيخ علي الطنطاوي - رحمة الله تغشاه - ؟!

كان للشيخ علي الطنطاوي برنامج اسمه " نور وهداية " و " برنامج " على مائدة الإفطار " ، وكان الناس يستمعون إليه وهم يتناولون الإفطار في رمضان بكل شغف وانتباه ، والشيخ يتحدث بتلقائية محببة وعفوية صادقة ، ويروي مواقف وقصص عاشها وأحداث شهدها ، ويوجه النصائح بأسلوبه اللطيف الخفيف فيمر برنامجه بسرعة وينتهي وأنت تستمع له بكل بشغف ومتعة ، في حين أن غيره كثيرون يتعبون في الإعداد والقراءة وتحضير أنفسهم ، ومع هذا يحصد الشيخ بعفويته ما لم يحصده غيره بالكثير من العناء. والإعداد .!

والعلامة العمراني والشيخ الطنطاوي مجرد أمثلة لشخصيات بينها وبين الله سر وهو " الإخلاص " ، هذا السر الذي يفتح الله لك به القلوب ، ويرزقك القبول والتأثير ومحبة الناس ، وهو ما لم ينله الملوك رغم قدراتهم ، وأصحاب الثروات رغم ملياراتهم . فتأمل.


في الثلاثاء 02 مايو 2023 05:29:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=46371