|
«يا لها من قمة لو غابت عنها إيران»، هكذا أعبر عن موقفي تجاه قمة كوالالمبور، التي أستبشر بها، لأنها تبحث في التنمية والسيادة الوطنية في بلاد المسلمين واستعادة مجد الحضارة الإسلامية، إلا أن ما يعيبها من وجهة نظري ـ كما كثير من أصحاب الرأي والأقلام – هو التمثيل الإيراني في القمة، رغم ما لإيران من ضلوع مباشر وغير مباشر في الأزمات الطاحنة للأمة الإسلامية. لم تكن إيران مدعوة للقمة بالأساس، ويبدو أن مهاتير محمد دعاها للحفاظ على شكل القمة، بعد أن غابت عنها السعودية، وغابت عنها باكستان وإندونيسيا بضغط سعودي إماراتي، ونعم يقع اللوم على النظام السعودي الذي ترك مع حلفائه المجال للحضور الإيراني، ولكن ليس ذلك مبررا لدعوة طهران وهي أساس المشكلات، وقد أجمل الدكتور محمد العبدة توصيف المشكلة عندما قال على حسابه في تويتر: «في مؤتمر ماليزيا (كوالالمبور) يبحثون مشاكل المسلمين في العالم، وكان معهم أم مشاكل المسلمين، كان معهم حسن روحاني، كانت معهم إيران».
أنا وغيري لم نعترض على حضور إيران لمجرد أنها دولة قائمة على المنهج الشيعي، بل لأن حضورها لا يتفق مع أهداف القمة، فكيف سنبحث قضية السيادة الوطنية وإيران تحتل بالفعل عدة دول عربية، وتعيث بأمن المنطقة فسادًا عن طريق ميلشياتها وخلاياها في معظم الدول العربية. ونعترض على حضور إيران، لأننا بذلك نضلل الجماهير ونزرع فيها الثقة بمن يناصبنا العداء، ويتقاسم مع العدو الصهيوني صناعة وتصدير الأزمات في المنطقة بأسرها. لقد آلمني أن رأيت بعضا من إخوتنا المفكرين وأصحاب الأقلام الشهيرة يدافعون بشدة عن الحضور الإيراني، ويمجدون الثورة الإيرانية، ويصفون إيران الطائفية بأنها شريك لنا في التاريخ والمستقبل، وبعضهم يندد بمن يعترض على حضور روحاني القمة، مطالبا إيانا باستيعاب إيران واحتضانها، وصدق ابن المقفع إذ يقول: «العاقل لا يجعل اتقاءه لغير المُخوّف، ولا رجاءه في غير المُدرك». بعض هؤلاء المدافعين عن إيران ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ويرون في التقارب معها ملاذًا لهم، بعدما فتحت عليهم دول السعودية والإمارات ومصر النيران، ولو أبصر هؤلاء لعلموا أنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار، فإيران لن تقدم الدعم لوجه الله، إنما هي دولة صفقات، ولعلهم يتذكرون إبان ثورات الربيع العربي، كيف حاولت إيران إرغام حركة حماس على التخندق مع بشار الأسد، إلا أن الحركة رفضت. نعترض على حضور إيران قمة كوالالمبور وإن كنت أقول «المنتمين للإسلام السياسي»، فذلك خروجا من كونه اتجاها عاما لدى ذلك التيار أو المتعاطفين معه، فعلى سبيل المثال استمعت لتعليقات الإعلامي المحسوب على جماعة الإخوان صابر مشهور، يعارض الحضور الإيراني للقمة، وقرأت على أحد المواقع التركية استنكارا للكاتب التركي المناصر لحزب العدالة والتنمية إسماعيل ياشا، يقول: «بمشاركة إيران..ولدت قمة كوالالمبور ميتة للأسف، قلنا لكم خلوها خمسة أربعة ثلاثة.. لا توسعوها، فضممتم الدولة التي تطعن الأمة في ظهرها.. خيبتم الآمال». شريحة واسعة من الكتاب عارضت الحضور الإيراني، ومنهم الإعلامي فيصل القاسم، موجها سؤاله الاستنكاري لرئيسي تركيا وماليزيا: «هل تعتقدان أنكما تستطيعان النهوض بالعالم الإسلامي بالتعاون مع النظام الإيراني، الذي يحتل أربع عواصم عربية ويقتل السوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين، وينهب ثرواتهم ويعيد بلادهم للقرون الوسطى؟». إن كان النظام السعودي والإماراتي وقفا ضد ثورات الربيع، فكذلك فعلت إيران في سوريا والعراق، ولبنان في الآونة الأخيرة، وإن كان النظام السعودي والإماراتي ينكل بالإسلاميين، فإن إيران تنكل بالأحواز وسنة العراق عن طريق ميلشياتها، وإن كان النظام السعودي والإماراتي يطبعان مع العدو الصهيوني، فإن إيران لها باع طويل في التعاون والتنسيق مع الأمريكان والصهاينة، وفضيحة «إيران غيت» لا يزال دويها يصم الآذان، واعتراف الساسة الإيرانيين بأنه لولاهم لما استطاع الأمريكان دخول أفغانستان والعراق غير خافٍ، ودور الذراع الإيراني في لبنان «حزب الله» في حماية الحدود الإسرائيلية من المقاومة الفلسطينية معروف.
عندما قلت بأن الثورة الإيرانية قد خدعتنا أو خُدعنا بها فإنني لم أتجن، فقد كانت مع بدء انطلاقها أنموذجا ترغب الأمة في تكراره، لأنه يمثل الإطاحة بالنظم الديكتاتورية، فجاء الملالي ليكونوا أشد ديكتاتورية، وشرع الخميني بعدها بعام واحد في الإعلان عن تصدير الثورة ذات الأطماع التوسعية. نذكر إخوتنا بأن إيران مكّنت للأمريكان في العراق، وتبادلت معها الأدوار، وجعلت منه إحدى محافظاتها، وعاثت فيه فسادا عن طريق ميلشياتها وخاصة الحشد الشعبي. إيران مكنت للأمريكان من دخول أفغانستان عن طريق العشائر الموالية لنظام الملالي في «قم» داخل أفغانستان. إيران وقفت حجر عثرة أمام الثورة السورية، وساعدت بشار في ذبح شعبه عن طريق الدعم العسكري واللوجستي، وقواتها من الحرس الثوري على أرض سوريا والميلشيات الموالية لها من شتى البقاع.
إيران شريك رئيسي في الدمار والخراب الذي لحق باليمن، عن طريق دعمها اللانهائي لقوات الحوثي التي انقلبت على الحكومة اليمنية. إيران أكبر مصدر للقلاقل والاضطرابات في لبنان عن طريق ذراعها حزب الله اللبناني، الذي يدين بالولاء لإيران حتى النخاع باعتراف زعيمه حسن نصر الله. إيران تُحدث الاضطرابات عن طريق الأحزاب والكيانات الموالية لها في الكويت والبحرين والسعودية وغيرها، التي ترتبط بإيران من خلال نظرية ولاية الفقيه التي بعثها الخميني من بطون الكتب القديمة، وحولها من الإطار الفقهي إلى الفضاء السياسي، وبذلك فتّت الأمة بتلك النظرية، التي جعلت ولاء كثير من الشيعة في كافة بلاد المسلمين إلى إيران، وليس إلى أوطانهم، فمزقت أوصال الوطن الواحد.
نذكر إخوتنا بالنظرة الشعوبية التي تتعامل بها إيران مع العرب، والتي يعبر عنها الشاعر الإيراني مصطفى بادكوبه بقصيدة بعنوان «إله العرب»، يقول فيها لربه «لا مانع أن تلقي بي في قاع جهنم، لكن لي شرط واحد، ألا أسمع هناك حرفا واحدا من اللغة العربية فيزيد عذابي عذابات». وليست هذه دعوة لمناصبة إيران العداء ولا لمقاطعتها ولا للإعانة عليها، بل أقول إن إيران جزء من المشكلة، فلا يصح أن نجعلها جزءًا من الحل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه
في الإثنين 23 ديسمبر-كانون الأول 2019 09:55:35 ص