لبنان يحتاج إلى «وصاية دولية»
هدى الحسيني
هدى الحسيني
 

تعرضت الأسبوع الماضي خيمة «الملتقى» في بيروت لهجوم من

جماعات «حركة أمل» و«حزب الله». ويدير البرامج في الخيمة الدكتور مكرم رباح، البارز في خيمة الملتقى لقمان سليم؛ الغارق في نشر الكتب والثقافة، والذي تعرّض وعائلته لتهديد مباشر بمنشورات لصقت على جدران منزله؛ فيها: «المجد لكاتم الصوت» - «العميل الصهيوني» - «خائن ابن خائن»، مع العلم بأن والده هو المحامي محسن سليم، وكان من كبار حزب «الكتلة الوطنية» لمن كان يدعى «ضمير لبنان» العميد ريمون إده.

أما لماذا تم التصويب المباشر على هذه الخيمة؛ فيقول لقمان إن الكُثْر من الذين كانوا يرتادونها كانوا من الشباب البارزين الذين يظهرون في الإعلام وينتقدون الثنائي الشيعي. موقف الخيمة صريح وواضح ولا لبس فيه. السبب الثاني للهجوم على الخيمة يعود إلى انتقال استراتيجية «أمل» و«حزب الله» من مجرد التلويح بالعنف إلى العنف المباشر وإلى الاستئثار بالساحة. أقاموا خياماً تابعة لهم بعناوين يسارية وقومجية، وصولاً إلى فرض أنفسهم كأنهم من يفرض الحلال والحرام السياسيين في الساحة. والأمر الثالث هو ما نراه الآن؛ ولنتذكر يوم خرج حسن نصر الله في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقال: لا لإسقاط الحكومة، لا لإسقاط العهد، ولا لانتخابات مبكرة. عدّ أن مطالبنا تأمين بضعة «سنكرية» والقليل من الكهرباء والماء «وتنتهي قضيتكم». لذلك؛ فإن أي تفكير لتغيير عميق وحقيقي مرفوض، وأتصور أن هذا أحد المداخل لكل ما يجري منذ أيام في بيروت، أي تحويل الثورة إلى مجرد حالة أمنية يتم التعاطي معها بالأدوات الأمنية وينتهي الأمر هنا.

لم تكن هذه التهديدات بالقتل ضد لقمان سليم هي الأولى؛ منذ 2008 وموجات التهديد تتناوله. لا يحب سليم ألقاب مثل «الشهداء» و«الأبطال»، لذلك لم يبادر في السنوات الماضية وظلّ صامتاً أمام موجات التهديد، لكن عندما وصل الأمر بالمهاجمين إلى التعدي على حرمة البيت والعائلة وتخويف الزملاء، شعر بأن السكوت أصبح جبناً، لذلك خرج إلى العلن قائلاً كفى، وسمّى صراحة المسؤولين عن هذه الممارسات؛ أي حركة «أمل» و«حزب الله»، مع معرفته بأنهم يعملون دائماً في الظلام وفي ظل أسماء مستعارة.

في الأيام الأخيرة احتدمت الأوضاع كثيراً، وبدا كأن السلطة تريد تحطيم الثورة، لكن هل هي قادرة على ذلك؟ يقول: السلطة اليوم لا خيار لديها إلا المتابعة في هذا الطريق. لكن هذا الطريق لن يؤدي إلى مكان، لأن المأزق في لبنان أكبر بكثير مما يقال لنا ومما يوصف. إن لبنان على حافة الإفلاس بالمعنى الحرفي للكلمة، والكل يعرف أنه في مارس (آذار) المقبل ستستحق على لبنان مجموعة التزامات مالية لخدمة الدين العام، وسنجد أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن نعلن صراحة إفلاسنا ونطلب إعادة جدولة ديوننا، وإما أن نذهب صوب العزلة التامة. لا أحد في السلطة أو مَن وراءها يملك حلاً للأزمة.

وأسأل: هل الترهيب والتهديد بالمجاعة والفقر والإفلاس سيقتل أحلام الثوار؟ يقول سليم إنه اليوم أكثر اطمئناناً من أي وقت مضى بأن ما بدأ في 17 أكتوبر الماضي لن يمكن إخماده؛ لسبب بسيط، فالفقر بات حليف الثوار، ولأنه لا أحد في السلطة أو بين داعميها يملك أي حل، فإن الذين يترددون في التصريح العلني عن تمردهم، سوف يجدون أنفسهم مساقين إلى هذا الأمر عندما تجوع عوائلهم وتفرغ جيوبهم لأن القمع في النهاية لا يطعم خبزاً.

يدرك سليم أن لا أمل في المستقبل القريب، لأن الثوار بطلباتهم المساءلة والمحاسبة يقولون للمسؤولين: سلموا أنفسكم للعدالة.

وأسأله عن أننا لاحظنا أن خطة السلطة بدأت بالتحجج بفتح الطرقات والآن تريد تضييق الساحات بالعنف. يقول: حتى لو أسكتت السلطة الساحات، وإذا قدمت الحلول الأمنية على غيرها من الحلول، فإنها لا تملك الحل، وأستشهد هنا بعبارة عربية: وسع الفتق على الراتق. يضيف: على من سنتكل؟ هل سنطلب من إيران وروسيا إرسال المنّ والسلوى لنا؟ ويقول سليم إنه لا يخجل على الإطلاق من الاستشهاد بما قاله جيفري فيلتمان في شهادته أمام الكونغرس أخيراً، وهذا أمر بديهي، قال: إذا نظرنا إلى الأزمة اللبنانية بالمفردات اللبنانية فتبدو كأنها لا حل لها ولا مخرج منها، أما إذا نظرنا إليها بشكل إجمالي ومن الخارج، فالأزمة الاقتصادية اللبنانية صغيرة؛ إذ ما هو دين لبنان إذا ما قورن بميزانيات شركات كبرى؟ ثم ما ميزانية لبنان السنوية إذا ما قارنّاها بميزانية «شانيل» أو «نسله»؟

إن الموضوع ليس في الاقتصاد. السؤال: هل هناك قرار سياسي أو هل هناك من يعطل القرار السياسي بإخراج لبنان من دائرتي الفساد المحمي والارتهان للمشروع الإيراني؟

أسأله: هناك من يقول إن «حزب الله» على استعداد لأن يحرق الأرض ويتصرف مثل شمشون؛ «عليّ وعلى أعدائي؟». يجيب سليم بسؤال: وهل لديه خيار آخر؟ بكل بساطة هو أساء الظن بلبنان إلى درجة حوله معها إلى مخزن صواريخ يقف هو على بابه، وإلى منصة يتحرك من خلالها الإيراني لتنفيذ حساباته الكبرى.

وهل في مثل هذا الوضع سينتصر الشعب اللبناني والشعب العراقي والشعب الإيراني ويخسر نظام ولاية الفقيه؟ يجيب: أنا واثق من هذا. لكننا ما زلنا في الجولات الأولى.

وهل نحن مقبلون على حرب أهلية؛ إنما بين مَن ومَن؟ يقول: نعم هناك طرف يريد الفتنة الأهلية المتلبسة لبوس الحرب بأي ثمن، لأن هذه حجته الأخيرة لكي يسكت الناس. ربما قد ينجح بافتعال فتن صغيرة، أما حرب؛ فلن تقع، لأن هناك طرفاً وحيداً يملك السلاح وهو الذي يريد الحرب.

أسأل: هل تعتقد أن على اللبنانيين الذين لا يريدون الحرب الجلوس مع «حزب الله» و«أمل» والتفاوض للتوصل إلى وقف لإطلاق النار؟ يجيب سليم: نعم، أنا مع التفاوض بشروط؛ إذ لا يمكننا التفاوض والمسدس على الطاولة، ويجب التفاوض مع من يملك التوقيع؟ هل يملك «حزب الله» أن يوقّع؛ أم علينا التفاوض مع إيران؟ هل علينا أن نتفاوض مع حسن نصر الله أم مع قاسم سليماني. وأسأل: مع من؟ يجيب: حتى إشعار آخر علينا أن نتفاوض مع قاسم سليماني؛ فهو الذي يملك التوقيع الأخير.

يرى لقمان سليم أن حصر الوضع في لبنان بالحكومة هو تقليل من الأمور، يمكن؛ برأيه - وهذا تحليله ولا يلزم أحداً آخر - أن المسألة باتت تحتاج إلى مجلس انتقالي، على الطريقة السودانية، يلحظ دوراً للجيش في المرحلة المقبلة. يضيف: حتى دستورنا يتضمن بنوداً جيدة، لكن أخرى تحتاج إلى توضيحات؛ إذ فيه بنود صارت ولّادة مشكلات.

الثورة تطرح التغيير الكامل. لكن بانتظار ذلك كيف يمكن إنقاذ اللبنانيين من الفقر المدقع الذي ينتظرهم؟ يقول: لا يوجد حل. نحن دخلنا في مرحلة انتشار الفقر. السؤال هو: كيف الخروج؟ بتقدير سليم أنه لا مشكلة لديه في القول إن كيفية الخروج تكون بوضع لبنان تحت ما تشبه «الوصاية الدولية»، لأننا نحن أثبتنا أننا غير قادرين على إدارة أمور حياتنا البسيطة. هناك من سيقول هذه إمبريالية؟ لكن من أجبر الطبقة السياسية عام 2018 كي ترفع سلسلة الرتب والرواتب؟ هل الأميركيون هم من دفعونا إلى الفساد؟ هل هم من دفعونا لاعتماد سياسات مالية خاطئة؟ لنكن صريحين. إننا بحاجة إلى وصاية دولية لنتمكن من الاستفادة من الطاقات اللبنانية لتقوم بأدوارها خارج سلطة الوصاية الإيرانية. ما دامت الوصاية الإيرانية باقية فأبشرك بمزيد من الفقر ومن الخراب.

ثم أسأل: ما معنى مع كل هجوم إطلاق كلمة «شيعة... شيعة»؟ يقول: هي للتخويف، ودليل على إفلاس منطقهم، لا يملكون من شعار إلا هويتهم. هذا الإفلاس أحد مكاسب الثورة.

في النهاية؛ باتت الثورة أمراً واقعاً، ولا مخرج للسلطة إلا بتلبية شروط الثورة، لأنها شروط الإنقاذ. «كلن يعني كلن» فاشلون، ومناعة الثورة تثبت نفسها، وعلى السلطة أن تدرك أن «طابخ السم آكله».

 
في الخميس 19 ديسمبر-كانون الأول 2019 07:06:17 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=44706