|
صدق الله القائل في محكم التنزيل :
) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) ( (سورة الأعراف .
لم أجد أنسب من هذه الآيات الكريمات مفتتحاً لهذا المقام ، وقد تعمدت الاستدلال بآياتٍ من الذكر الحكيم توافقاً مع بطل قصتنا الذي دائماً ما يحلو له أن يحشو مقالاته بآيات من القرآن الكريم أثناء هجومه على المعارضة ، بل إنه يضع أحياناً الجزء من الآية عنواناً لمقاله الهجومي ..
بطل قصتنا كان يرأس دائرة من أهم دوائر أكبر حزب معارض في اليمن إلى جانب عمله كأستاذ جامعي مرموق في أكبر وأقدم جامعات الوطن ، كان فارسنا لا يشق له غبار في شؤون المال والاقتصاد ، فقد كان إلى وقتٍ قريب يُعدُّ من علماء الاقتصاد ليس في اليمن وحسب بل على مستوى العالم العربي ، ودائماً ما كانت مقالاته ومقابلاته وتحليلاته الاقتصادية تلقى رواجاً وقبولاً لدى الشارع ، وغالباً ما كانت توقعاته وتنبؤاته في الشأن الاقتصادي تتحقق كفلق الصبح .
كان بطلنا إذا كتب أو حلل أو توقّع تُعلن حالة الطوارئ في دوائر الحزب الحاكم وجهازه الإعلامي ، فتخضع كتاباته وتحليلاته وتوقعاته للفحص والتحليل والنقد والتنكيل في صحف الحزب الحاكم ، فما يزيده ذلك إلا شهرةً إلى شهرته ، واحتراماً في عيون الناس ، فقد كان بحقٍّ علماً من أعلام الكلمة الصادقة والقلم الحر والرأي الشجاع .
ولكنْ .. دوام الحال من المحال !!
فجأة انقلب حال بطلنا فتحول (180درجة) ، وبدأ ينقض كل آرائه ونظراته الاقتصادية ) كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً ( ، وبمكرٍ ودهاءٍ وخبثٍ من قبل (دهاقنة) الحزب الحاكم أُستدرج الرجل ليقوم بما كان يقوم به غيره من نقدٍ وتسفيهٍ لرؤاه ونظرياته في (يوميات الثورة) و (أسبوعية الجيش) و (موقع المؤتمر نت) فصار كمن يخلع ملابسه عن جسده قطعةً قطعة ليتبدى له وللناس (سوأته) .. وتنكر لكل ما كتب وقال وهو في صفوف المعارضة ، وصار بين عشيةٍ وضحاها منظّراً للفساد ، وبهذا التردي بعد العلو أصبح بطلنا مكروهاً لدى محبيه، ومنبوذاً لدى مريديه، وأصبح الذين كانوا يقرءون له بالأمس يحتقرون كل ما يكتبه أو يقوله اليوم .. فيا لقبح ما فعل !!
وكوفئ الرجل على تقولاته من قِبل أسياده الجدد أكبر مكافأة بتسنمه قيادة وزارة الوزارات لمدة عام واحدٍ فقط كان خلالها يصول ويجول متغطرساً بعلمه ونزاهته إلى درجةِ أن زعم أنه لم يعد في البلد نزيهاً عفيفاً حريصاً (إلاَّه) والرئيس ، فقذف به الرئيس إلى أتون وزارة ميتة لم ترق له أو تناسب طموحه فكانت (أول ركلةٍ يتلقاها في قفاه) .
ودون سابق إنذار رفع الحزب الحاكم (الكرت الأصفر) في وجهه (منذ أيام قلائل) عبر مصدر مسؤول في مجلس الوزراء ، وعلى الصفحة الأخيرة من الجريدة الرسمية ، وفي نفس المساحة التي كان يروق لبطلنا أن يكيل منها الشتائم للمعارضة وقادة اللقاء المشترك الذين كان يصفهم بـ (الغباء السياسي) و (الجهل المطبق) و (التآمر على الوطن) ، فسقاه الله اليوم من نفس الكأس التي كان يسقي منها الآخرين ، وصب الله عليه الشتائم واللعنات من المنبع الذي كان يعمل لحسابه ضد المعارضة ، فقد اتهمه ذلكم المصدر المسؤول بـ (الجهل المطبق) و (الغباء المطلق) بل وذهب المصدر أبعد من ذلك بأن شكك في شهادة الدكتوراه التي يحملها (المنظّر الاقتصادي) للقصر الرئاسي ، فكانت هذه (ثاني الركلات التي يتلقاها على قفاه) ولكنها أشد إيلاماً من سابقتها !!
لقد جوزي صاحبنا جزاء (سنمار) وهو الذي طالما (طبّل) للمؤتمر و(زمّر) ، والذي كانت رؤاه المالية الفذة ، ونظرته الاقتصادية الثاقبة توضع في صدر صفحات الصحف الرسمية والحزبية والمواقع الالكترونية التي تدار من غرفة عمليات (الحزب الحاكم) ، وهذا هو ديدن الحزب الحاكم مع كل من يشتريهم بماله ويغريهم بسلطانه ؟!
ولم يكن لصاحبنا من رد فعلٍ سوى التزام الصمت (المطبق) إزاء هذا الهجوم المسعور ، بل والمسارعة في اليوم التالي لحضور الاجتماع الاستثنائي للجنة الدائمة ليصدق عليه قول الشاعر :
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلام !!
قلت مستغرباً ، كيف سهل عليه كل هذا الهوان ؟ أليس لديه إحساس ؟
قال لي صاحبي :
- إن (مليون ومائتي ألف ريال شهرياً) من خزينة اللجنة الدائمة (!!) تجعل المرء يتحمل كل هذا الهوان و (الدعس) !!
- وإن (مئتا لبنة) عشاري في فج عطان تجعل المرء متجرداً من كل الأحاسيس والمشاعر !!
- إن الأمل في العودة إلى منصب الوزارة يجعل المرء (مداساً) لكل منتعل !!
قلت : مهلاً يا صاحبي : إن كنوز الأرض وأموالها ومساحاتها ومناصبها لا تساوي لحظة اعتزازٍ واحدة بالنفس ، ورحم الله ذلك العالم الذي مدَّ رجله في حضرة الخليفة المنصور فأغاضه ذلك ، فأراد أن يذله بكيسٍ من الدنانير ، فرد عليه معتزاً : إن الذي يمدُّ رجله لا يمد يده يا أمير المؤمنين .
في الثلاثاء 18 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 04:11:14 م