عن دبلوماسية نظام صالح
عارف أبو حاتم
عارف أبو حاتم
حين عملت في إحدى الصحف الإلكترونية قبل سنوات كانت تأتي فاتورة الماء لمقرنا بقيمة 30 ألف ريال (150 دولار)، وعندما راجعنا مكتب مؤسسة المياه، قالوا لنا: "مش هذا بيت نائب السفير العُماني؟!"... ثم عدلوا سعر التعرفة، وبقي الماء يجيئنا بسعره الطبيعي!!.
ابتزاز رخيص للدبلوماسيين العرب والأجانب، يبدأ من تخويفهم بالجانب الأمني، وضرورة تخصيص حماية وحراسة لهم، ورفع إيجار مساكنهم بأسعار خيالية، إلى ابتزازهم بفواتير الماء والكهرباء والهاتف.. سياسة بليدة ترسم ملامح وجه البلد، من عمل سفيرا لبلاده أمس في اليمن، هو اليوم سفيرا لها في الخارج، سيتحدث عنها في وسائل الإعلام ومجالس النخبة، وسيكتب عنها في مذكراته، فماذا سيقول؟!
لا يوجد سفير واحد في اليمن يصطحب زوجته إلى مطعم، ويرافق أولاده إلى حديقة، جميعهم يتنقلون بحركات محدودة، وبحراسة مشددة، وكأنهم تحت الإقامة الجبرية، وزوجات السفراء يتنقلن فيما بينهن داخل سيارات مدرعة، كأنهن ضمن بعثة تفتيش دولية، وكذلك عوائلهم، وبعضهم يترك عائلته في بلده، ويأتي سفيرا بمفرده، وكأنه في مهمة انتحارية.
كثير من السفراء العرب والأجانب في اليمن يشتكون من كثرة طلبات المشائخ والنواب والسياسيين، يريدون منهم منح دراسية وطبية، ومساعدات مالية، ويقدمون أنفسهم كحماة لمصالح تلك الدول في اليمن، ويتقربون بكل معلومة ونصيحة، ويقفون عند البوابات بانتظار فارق الصرف.
وزاد فوق ذلك، رداءة كثير من سفراء اليمن في الخارج، بعضهم لا يداوم في السفارة، وينشغل بتجارته، والبعض يكتفي بالتفاهم مع المسؤول المالي، وحقه تصله في كل وقت، وصنف يظل المنديل بيده كأم كلثوم، يبكي ويشكي من تدهور أوضاع اليمن، ليستدر عاطفة الدولة التي فيها، ويحصل على منح دراسية لأولاده وأصهاره، وفيز عمل لبقية العائلة.
في منتصف 2009 وقع في يدي صورة جواز دبلوماسي لفتاة جامعية، وأمام الخانة المخصصة لكتابة المهنة مكتوب: بنت أخ السفير "...." هذه هي الصفة التي حصلت بموجبها على الجواز الدبلوماسي، وفي أواخر 2010 كنت اقلب أوراق جواز دبلوماسي، لشخص كان يتحدث بتعالي مقيت مع موظف "اليمنية"، وأمام المهنة مكتوب: مدير مكتب الشيخ "....." والشيخ قد مات منذ سنوات!!... لاحظوا أنه لم يُكتب صفة الشيخ بل الاكتفاء باسمه، وكأن الشيخ وزارة مستقلة.
هذه هي الدبلوماسية اليمنية في الخارج، فضلا عن أن جميع "الزمارين" في دول الخليج يحملون جوازات دبلوماسية، وبها يتسولون حتى العطور، لذا لا جواز يُهان هناك كالجواز الدبلوماسي اليمني... عندما عمل الدكتور عبدالكريم الإرياني رحمه الله وزيرا للخارجية في التسعينيات قرر منح الجواز الدبلوماسي للشخص المسؤول فقط، وسحبها من بقية العائلة، وقال: "أبدأ بنفسي وأسحب جواز ابنتي التي تدرس في الأردن".. اليوم أصبحت الجوازات الدبلوماسية أربعة بريال!!
ويغيب تماماً شكل ومحتوى الدليل السياحي الذي تقدمه الخارجية اليمنية للسفراء والبعثات المقيمة، حتى تسوق لمنتج بلادها السياحي، فهؤلاء وعوائلهم هم من سيسوقون لليمن في الخارج... أقرأ للدكتور عمرو موسى وكأنه مروج للسياحة في الهند، رجل يصف السنوات الخمس التي قضاها هناك سفيراً لمصر أنها أجمل سنوات عمره، وفيها قرأ الكثير وتمتع بسحر الطبيعة.
والدبلوماسيون المقيمون إذا كتبوا في مذكراتهم عن اليمن قالوا: وفي يوم كذا نجوت من كمين خطير.. وفي يوم ممطر انزلقت السيارة في حفرة كبيرة.. وفي الصباح هاجمنا خاطفين.. وبعد الاجتماع تقدم إلينا المسؤول بطلب منح لأولاده.. وحين التقين الشيخ طلب مساعدة مالية.. ورئيس الحزب قدم لنا معلومات خطيرة.. حتى الرئيس كلنتون كتب في مذكراته: وحين كنا مبتهجين أنا وهيلاري بذكرى زواجنا الـ25 جاءنا خبر مزعج عن انفجار المدمرة كول في اليمن!!
 آه يا وطني... سأظل أحبك حتى وأن تحولت إلى مصنع بارود!!

في الخميس 11 فبراير-شباط 2016 11:28:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=42066