هذا هو مجتمع الفضيلة
عارف علي العمري
عارف علي العمري

مأرب برس - خاص

أتي الإسلام ليغرس قيم الفضيلة , ويثبت أعمدة المحبة , ويرسخ مكارم الأخلاق في النفوس البشرية , ويزرع سلوكيات التعامل الحسن بين بني البشر, ليقول نبي المحبة عليه الصلاة والسلام , ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فهي جوهر رسالته التي أرسل بها من ربه تبارك وتعالى, عبر بريد الوحي الإلهي الذي آتى به جبريل عليه السلام , فالصلاة والزكاة والحج والصوم التي هي أركان الإسلام التي لا يقوم إلا عليها, أتت مكملة لمكارم الأخلاق التي بعث به الني صلى الله عليه وسلم , فالصلاة التي هي الركن الثاني بعد الشهادة أتت لتنهى عن الفحشاء والمنكر ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) أتت لتجعل من الإنسان المسلم مثل أعلى يقتدى به في تعاملاته , ليقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى ( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي, ولم يستطل على خلقي, ولم يبت مصراً على معصيتي, وقطع النهار في ذكري, ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب ) , انه الإسلام الذي جعل من الزكاة – الركن الثالث من أركان الإسلام – مبدءا تكافلي يجسد أروع سلوكيات المجتمع المتحضر, الذي يمد فيه الغني يده للفقير والمسكين والأرملة وابن السبيل , ما أكرم تلك اليد التي تمد يد العون إلى مسلم غلبته الحياة, وخيم عليه الفقر, وأحاط به العسر من كل جانب, وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لسفيره الأول إلى اليمن معاذ بن جبل – رضي الله عنه - قال ( ادعهم إلى شهادة ان لا اله الا الله واني رسول الله فان هم أطاعوك لذلك فأعلمهم إن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يوم وليلة , فان هم أطاعوك لذلك فاعملهم ان الله افترض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) هذا هو المبداء العظيم الذي افتقده الاشتراكية المنهارة, والرأسمالية الظالمة, والنظم الأرضية الرخيصة , إن الزكاة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب, بل هي – أولاً – غرس لمشاعر الحنان والرأفة, وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات.

وكذلك شرع الإسلام الصوم, ولم يكن المقصد من ذلك هو الحرمان المؤقت من الأكل والشرب, فرب صائماً ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش, إنما شرع الإسلام الصوم لتهذيب النفس, وغرس معالم الفضيلة فيها, بعيداً عن النزوات الطائشة , والشهوات المحظورة, لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق وان خاصمة أحداً أو جادله فليقل إني صائم ) وقال صلى الله عليه وسلم ( ليس الصائم من الأكل والشرب, إنما الصيام من اللغو والرفث ) فما أروعه من دين, وما أعظمها من شريعة , حري بنا أن نقف مرات ومرات وقفات إجلال أمام هذا المنهج الرباني الجليل .

وكذلك شرع الإسلام أيضاً الحج بهدف تقويم السلوك البشري قال تبارك وتعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ) البقرة 198

هذا العرض الموجز السريع لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام على أنها أركانه الأساسية, كلها عبادات تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) .

هذا العبادات الجليلة قام بها الرعيل الأول على أكمل وجه, وأتم صورة, فكان ما كان من الإخاء والتعاون والرأفة والرحمة والحب والنصح والشفقة التي أثنى بها القران على مجتمع المدينة ذلك المجتمع الذي لا يتكرر أبدا فقال تبارك وتعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من اثر السجود ) .

استوقفتني كثيراً قصة من قصص الرعيل الأول, تستحق الوقوف أمامها طويلاً , وهي أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – خليفة المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم , ولى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – القضاء على المدينة , ومكث عمر – رضي الله عنه – سنة كاملةً لا يختصم إليه اثنان, ولم يعقد جلسة قضاء واحدة أبدا, ولم يسمع شكوى من فرد واحد, فقرر أن يبحث عن موقع أخر يقدم فيه خدمة للمسلمين , فعندها طلب من أبا بكر – رضي الله عنه – إعفائه من القضاء , فقال أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – امن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر ؟؟ فقال عمر : لا ياخليفة رسول الله ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين عرف كلاً منهم الذي له من الحق فلم يطلب أكثر منه, وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه, أحب كلاً منه لا أخيه ما يحب لنفسه, إذا غاب احدهم افتقدوه, وإذا مرض عادوه, وإذا افتقر أعانوه, وإذا احتاج ساعدوه, وإذا أصيب وسوه وعزوه, دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ففيما يختصمون ؟؟

 نحن اليوم في عصر طغت فيه مؤثرات الحياة على جوهر العبادات فأصبحت العبادة عادة أكثر منها عبادة , وعند أن يفقد الشيء جوهره يصبح بلا قيمة, وبلا عنوان,وليس له أهمية , أصبحنا نؤدي الصلاة والزكاة والصوم والحج كعاداتٍ توارثناها بحكم أننا مسلمون, ولم نغص في أسرار هذه العبادات التي هي أركان الإسلام الأصيلة, ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال: أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه, ثم طرح في النار) 

إن الإسلام قد أتى ليؤكد على معاني التعاون والتراحم في المجتمع الإسلامي , وجعل هناك حدود لمن يقومون بأعمال تخالف ما جاء به الإسلام, كحد السارق والزاني والقاذف وغيرها من الحدود التي شرعها الإسلام لوقاية المجتمع من ضراوة عضواً فيها يقابل عدله بالظلم ويقابل إصلاح المجتمع بالفساد .


في الثلاثاء 27 مايو 2008 07:25:29 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=3779